وجهة نظر

لغة العربية.. الحلقة المفقودة في مسلسل إصلاح التعليم العلمي بالجامعة المغربية

الدافع إلى طرح قضية اللغة العربية الفصيحة كأداة للتعليم العلمي بالجامعة المغربية للتقييم هو الوقوف على مدى نوعية العمل الذي كان سيتم إنجازه بهدف تضييق الهوة اللغوية مابين التعليم الثانوي بالمغرب و التعليم الجامعي المفرنس. الجميع كان ينتظر بالماضي حلولا لوضعية تعليمية شاذة و لا معقولة تتلخص في كون المواد العلمية معربة بالثانوي منذ سنة 1990 و مفرنسة بالتعليم العالي. وقد كان لزاما أن يتعرض ميثاق التربية و التكوين الصادر في يناير 2000 لهذه المعضلة لإيجاد حلول منطقية لها. فبماذا جاء هذا الميثاق في هذا الباب ؟

الملاحظ أن الميثاق لا يتحدث مطلقا عن مواصلة تعليم المواد العلمية بالعربية الفصيحة على مستوى التعليم العالي كما كان منتظرا في بلاد لغتها الرسمية هي اللغة العربية الفصيحة ولكنه يشير إلى” أن الاستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور في التعليم العالي باللغة العربية الفصيحة يستلزم إدراج هذا المجهود في إطار مشروع مستقبلي طموح ذي أبعاد ثقافية وعلمية معاصرة يرتكز على التنمية المتواصلة للنسق اللساني العربي و تشجيع حركة رفيعة المستوى للإنتاج و الترجمة بهدف استيعاب مكتسبات التطور العلمي و التكنولوجي و الثقافي بلغة عربية واضحة و تكوين صفوة من المتخصصين يتقنون مختلف مجالات المعرفة باللغة العربية الفصيحة وبعدة لغات أخرى” ( البند 112) كما أنه يشير إلى أنه خلال العشرية الوطنية للتربية و التكوين سيتم تدريجيا فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني على مستوى الجامعات باللغة العربية الفصيحة( البند 114).

و لتحقيق هذا المشروع و تطبيقه و تقويمه بشكل مستمر يبشر الميثاق بإحداث، ابتداء من السنة 2001، أكاديمية اللغة العربية باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال تضم تحت سلطتها المؤسسات و المراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية الفصيحة( البند 113).

مرت سنوات عديدة على “بزوغ الميثاق الوطني و لكن ” المشروع المستقبلي الطموح الخاص بتطوير اللغة العربية الفصيحة” لم ير النور بعد، ولم يعد أحد يطالب بتطبيق البند 113 المتعلق بإحداث أكاديمية اللغة العربية بعدما أن كان يطالب بذلك، في الصحافة المكتوبة و المرئية، بعض من كانوا يرومون تقلد منصب إدارتها فكفوا عن الدفاع عنها وعن اللغة العربية. و أما البند 114 الخاص بفتح شعب اختيارية للتعليم العلمي و التقني على المستوى الجامعي باللغة العربية الفصيحة فلم يلتفت إليه أحد من الأساتذة الجامعيين الباحثين لأن المسألة اختيارية ( وهذه الكلمة غنية عن كل تعليق). وهكذا ظل التعليم الجامعي المعرب غائبا عن الجامعة وجميع القرائن تدل على أنه سيظل كذلك إلى أجل غير مسمى .

نحن إذا أمام ميثاق أتى ببعض الاقتراحات للإصلاح اللغوي و لكنه بالنسبة لوضعية اللغة العربية الفصيحة كأداة للتعليم العلمي و التقني بالجامعة لم يُصلح شيئا، بل يمكن القول إنه بالجمود التام الملاحظ عليه في هذا الباب فإنه نسف “المشروع الطموح” الذي بشر به و أنه عمل بثبات في طريق إقباره إلى ما لا رجعة فيه، وهو الأمر الذي يدعو إلى كثير من القلق بخصوص وضعية اللغة العربية الفصيحة في التعليم العلمي الجامعي و بوضعيتها كذلك كأداة للبحث العلمي.

2

من المشروع و الحالة هذه أن نتساءل عن الدوافع الكامنة وراء إيقاف مسلسل تعريب المواد العلمية في حدود قسم الباكالوريا وعن انعكاسات هذا الإجراء على المستقبل اللغوي لبلاد ينص دستورها على أن العربية الفصيحة هي لغته الرسمية.

هناك من جهة ذرائع واهية وهي غالبا ما تطفو على السطح، ومن جهة أخرى عوامل مضمرة تفسر التقاعس من الخوض في عملية تدريس المواد العلمية بالجامعة باللغة العربية الفصيحة، ما يجعل هيمنة اللغة الفرنسية متجلية بشكل شرس في جل إن لم نقل كل القطاعات الإنتاجية بالبلاد.

و أما الذرائع الواهية فيمكن اختزالها في النقط التالية:

– قصور العربية الفصيحة عن التعبير عن المفاهيم العلمية و التقنية وعدم قدرتها على مواكبة تكنولوجيا العصر الحديث.

– ندرة الأساتذة الجامعيين القادرين على تدريس المواد العلمية باللغة العربية الفصيحة.

– قلة المراجع و المصطلحات العلمية.

– الانفتاح الضروري على الفرنسية و الحفاظ على مستوى الشهادات المغربية بتركها مفتوحة على نظيراتها الفرنسية و المشابهة لها.

1- إن من يقول بعجز العربية الفصيحة عن التعبير العلمي و التقني و التكنولوجي يعبر عن موقف غير علمي لأن اللغة، كما يقول اللسانيون، نتاج بشري و الإنسان هو الذي يطورها، فمتى تقدم في البحث و العلم تقدمت اللغة ومتى تأخر انعكس تأخره على لغته. فاللغة قادرة إذا كان متكلمها قادرا وضعيفة إذا كان ضعيفا، و العجز ليس في الأداة و لكنه في المستعمِل و في إمكاناته هو، وعدم المغامرة بثبات في استعمال العربية الفصيحة في الميادين العلمية و التقنية اليوم هو الذي يهمشها ويبقيها على ما يشبه الضعف، و أما توظيفها في هذه الميادين وتحدي كل الصعاب في ذلك هو الذي سيؤدي حتما إلى تطويرها و مسايرتها للعصر الحديث.

2- وبخصوص ندرة الأساتذة الجامعيين القادرين على تدريس المواد العلمية باللغة العربية الفصيحة فإن الأمر يحتاج إلى القول بأن هذا مجرد ادعاء لايصمد في وجه المنطق. و التساؤل هنا هو :” كيف أمكن تعريب المواد العلمية و التقنية في الثانوي بإشراف أساتذة درسوا باللغة الفرنسية و تحولوا بعد مجهود كبير، إلى التدريس باللغة العربية الفصيحة، وكانت مردوديتهم في المستوى المطلوب رغم بعض الهفوات كما هو الحال في كل تجربة جديدة يخوضها الإنسان؟ كيف لا يمكن اتباع نفس النهج مع الأساتذة الجامعيين و هم الأساتذة الباحثون، المفروض فيهم تعاطيهم للبحث و تحديهم للصعاب اللغوية وتوقهم إلى نقل وترجمة المفاهيم المكتسبة باللغات الأجنبية إلى اللغة العربية الفصيحة؟ أو ليس الأستاذ الباحث بقادر على هذا التحدي؟ أو لا يمكن لمن يتحمل المسؤولية الوطنية الكبرى في تكوين الأجيال و توجيهها أن يحول معلوماته من اللغات الأجنبية ومن الفرنسية بالخصوص إلى العربية الفصيحة و أن يتعلم هذه الأخيرة إذا كان يجهلها وهي على كل حال قريبة من العامية (الدارجة) التي يفهمها الجميع؟ ثم، ما الأسهل؟ مواصلة تدريس المواد العلمية بالعربية الفصيحة لعشرات الآلاف من الطلاب بالجامعة أم تحويل بضعة مئات من الباحثين الأكفاء لتغيير أداة تدريسهم

3

من الفرنسية إلى العربية الفصيحة ؟ أوليس من مسؤولية الأساتذة الجامعيين البحث و الترجمة وإتقان اللغات ومن بينها اللغة الرسمية للبلاد ومسايرة التطورات العلمية بمصطلحاتها و إشاعة هذه الأخيرة وتوظيفها في البحوث العلمية التي هم مطالبون بالقيام بها وبالعربية الفصيحة كذلك ؟

3- و أما عن قلة المراجع العلمية باللغة العربية الفصيحة فهذا الأمر سيظل قائما في غياب التدريس بهذه اللغة. و لا بد من الإشارة هنا أن اللغة الفرنسية نفسها تشكو من هذه القلة بالمقارنة مع المراجع المتوفرة باللغة الإنجليزية مثلا، و إذا لم يعرب التعليم العلمي و التقني بالجامعة فلن تكون هناك ترجمة و لن يكون هناك تأليف باللغة العربية الفصيحة وبالتالي لن تكون هناك مراجع بهذه اللغة. وطبعا فالأساتذة الباحثون بالجامعة مطالبون بالاضطلاع بهذه المسؤولية الكبيرة. ومرحليا يمكن للطلاب و الأساتذة الاعتماد على اللغات الأجنبية التي من المفروض أن يكونوا قد تعلموها في مسارهم الدراسي لكي يستفيدوا منها و يفيدوا بها إنتاجاتهم باللغة العربية الفصيحة. و إذا كان هناك من أساتذة جامعيين باحثين لا يفهمون اللغة الدستورية للبلاد فلتُوفر لهم طرائق لتلقينها لهم وليأخذوا في ذلك الوقت اللازم حتى يتمكنوا من تحويل معلوماتهم إلى العربية الفصيحة.

4-و بخصوص المصطلحات، فهذا مشكل مصطنع يطرحه خصوم العربية الفصيحة و الجاهلون لها. إنها حرب قائمة و غير صريحة ضد تدريس المواد العلمية و التقنية بالعربية الفصيحة بالتعليم الجامعي، و لا يمكن لأي عاقل الزعم أن اللغة، أية لغة، لا يمكنها إنشاء مصطلحات جديدة . أو ليست اللغة نتاج بشري كما سبق القول؟ وكم يحتاج علم ” النيولوجيا” ( إنشاء المصطلحات) من”فونمات” ( أصوات) لصنع مصطلح ما إذا علمنا أن كل لغة لا يتعدى عدد أصواتها الخمس والثلاثين صوتا على الأكثر؟ ثم كيف حُل هذا المشكل بالثانوي ويتعذر حله في التعليم العالي، مهد البحث العلمي، إذا تصدى له بحزم الباحثون الجامعيون القادرون على كل التحديات في هذا الميدان الذي هو ميدانهم؟ فتوظيف اللغة و التدريس بها هو الحافز على خلق المصطلحات.

هذه إذا حرب جانبية، و تظل الحرب الحقيقية هي في تدريس العلوم باللغة العربية الفصيحة بالجامعة أو بالتخلي النهائي عن هذا التدريس. و الحسم في ذلك للقرار السياسي الصريح والشجاع، على أن مشكل المصطلحات هو في توحيدها على مستوى البلاد العربية لا في إنشائها. وهذا أمر في المتناول لأن المعجم في اللغة لا يمس لا النحو و لا الصرف وهما الجوهر، والبقاء يظل للأصلح والمتداول من المصطلحات.

إن العوامل الخفية و الحقيقية التي تقف حجر عثرة في تعريب المواد العلمية في الجامعة يمكن إجمالها في الإشكالات التالية:

– خطورة تعريب المواد العلمية و التقنية بالجامعة على امتيازات اللوبي الفرانكفوني المتحكم في القطاعات الهامة بالبلاد و الذي يؤثر في القرارات السياسية .

– التأثيرات المختلفة للدولة الفرنسية وهي الشريك التجاري الأول للمغرب و التي لا تتعامل إلا بلغتها نظرا لموقع القوة التي توجد فيه اقتصاديا.

4

– خوف النظام المغربي من نتائج تعريبٍ لن يجد له انعكاسات إيجابية في المحافل الاقتصادية والأوساط العلمية في الداخل و الخارج، وعدم ثقته في التعامل بالعربية الفصيحة، اقتصاديا و علميا، حتى مع الدول التي نتقاسم و إياها استعمال اللغة العربية الفصيحة، وهي دول في معظمها ذات ثروات نفطية و غازية هائلة، لكنها تظل مع ذلك دولا متخلفة علميا وتكنولوجيا.

– الخوف من تغيير لغة أهلها متقدمون علميا و تكنولوجيا بلغة أخرى لا زالت تعاني من تخلف أبنائها، أكثر من نصفهم يجهلون القراءة و الكتابة و الحساب، مع ما يرافق هذا الخوف من ضغوطات لغوية جديدة بدأت تطغى على الساحة اللغوية بالمغرب.

بخصوص النقطة الأولى هناك علاقة جدلية بين تعريب المواد العلمية بالتعليم الجامعي و تعريب القطاعات المنتجة الهامة بالبلاد، و هكذا وفي غياب تعريب هذه القطاعات، أي منافذ للشغل يمكن فتحها في وجه الحاملين المحتملين للشهادات العليا العلمية المعربة إذا كانت ستكون؟ فكل تعريب للمواد العلمية لا يستتبعه تعريب للجسد المنتج بالمجتمع المغربي مآله الفشل. و الخطير فيما يحدث الآن عندنا في سوق الشغل هو أن اللوبي الفرانكفوني المتحكم فيه و المعادي للغة العربية الفصيحة يرفض تشغيل حتى الخريجين من الشعب العلمية المفرنسة بدعوى عدم تمكنهم من اللغة الفرنسية فما بالك بالخريجين المحتملين من شعب علمية معربة؟ و يفضل هذا اللوبي اللجوء إلى أطر تنتمي إلى أوساطه، تلك التي درست في مدارس المصالح الثقافية الفرنسية بالمغرب وتابعت دراساتها الجامعية في المدارس و المعاهد العليا و الجامعات بفرنسا، بعيدا عن هذه الأضاليل الواردة في الميثاق من قبيل مبدأ ” تكافؤ الفرص” بين أبناء المغرب. وهذا اللوبي يرى أن من مصلحته أن يظل الانفصام اللغوي قائما بين الثانوي و العالي فيما يتعلق بتدريس المواد العلمية و التنقية إيمانا منه بأن التعليم العلمي و التقني بالجامعة ليس بإمكانه إلا أن ينتج أطرا هجينة و ضعيفة لغويا ليس باستطاعتها الاستجابة لمتطلبات سوق يحتاج إلى أطر تمتلك ناصية اللغة الفرنسية . وهكذا تستمر الفرنسة القوية بإعادة إنتاج اللوبي الفرانكفوني لأطره المالكة لزمام اللغة الفرنسية.

وعلى مستوى آخر، لا شك أن هناك من طرف الشريك الأول للمغرب ضغوطات يمكن وصفها بالتلقائية للتعامل باللسان الفرنسي و الإبقاء على هيمنته في المجتمع المغربي وهو ما يفسر هذا التواجد القوي للمدارس الفرنسية، الابتدائية و الثانوية، على صعيد المدن المغربية الكبرى التي تعد المشاتل الخصبة لتكوين الأطر المغربية المفرنسة المعادية، بصورة لا إرادية، لعربيةٍ لا ترى هذه الأطر منفعة في تعلمها و لا يلزمهم الميثاق “الوطني” لفعل ذلك. وهكذا فقد استطاع التواجد الفرنسي بالمغرب، عن طريق مؤسساته التعليمية، أن ينجب مغاربة فرنسيي العقلية و السلوك، مغاربة فرنسيين من نوع جديد حاملين للجنسية المغربية وغرباء لسانيا عن وطن متحكمين فيه…

و أما الإشكالية الأخرى التي تواجه تعريب المواد العلمية و التقنية بالجامعة المغربية فتتمثل في كون الدول التي نتقاسم معها استعمال اللغة العربية الفصيحة ليست من التقدم العلمي و التكنولوجي بحيث يمكن أن تكون لنا نموذجا يحتذى به. و بناء على هذا يصبح من الطبيعي ألا يغامر أصحاب القرار السياسي عندنا بالانفتاح باستعمال العربية الفصيحة في ميدان العلم و التكنولوجيا على هذه البلدان التي تعاني مثلنا من التخلف. و هكذا يبقون على الفرنسية، إلا أن هذا الموقف غير مبرر بدليل وجود دول صغيرة متقدمة جدا تستعمل لغاتها الرسمية بدون أدنى مركب نقص.

5

واضح أن المغرب بدأ يعرف تيها لغويا قد يجعل منه – لا قدر الله- امتدادا ” للمتربول” القديم الذي يجتهد بوسائله الخاصة للإبقاء على لغته مهيمنة في محمياته القديمة و يحاول الانفلات من الغول الأنجلوسكسوني بسيطرته بدوره على دول ضعيفة يحقق اليوم معها بعضا من انتصاراته اللغوية الصغيرة مستعينا بأبناء من هذه البلاد لا غيرة لهم على وطنهم و لا محبة عندهم للغاتهم الوطنية، وهذا الوضع يزيد تشرذما عندما ينادي البعض بدسترة أداة لغوية (الدارجة المغربية ) لها مستواها العالي هو الحامل لتراث ضخم ليس كتراث العامية. و الإلحاح على هذه الدسترة هو فعلا تشويش متعمد على الدور الرائد الذي يمكن أن تلعبه العربية الفصيحة في الحقل العلمي والتكنولوجي و الاقتصادي وغيره، وهو تشويش يستغله اللوبي الفرانكفوني للمزيد من تركيع العربية الفصيحة القادرة الآن بمؤهلاتها الهائلة على زحزحة امتيازاته . و إنه لمن الأهمية بمكان التأكيد هنا أنه لا مفاضلة بين المغاربة جميعا في تعلم العربية الفصيحة التي هي لغة رسمية وليست لغة أما لأي أحد، وعندما ينص الدستور المغربي على أن العربية الفصيحة هي اللغة الرسمية لجميع المغاربة فهو يسوي لغويا بينهم جميعا إذ عليهم أن يذهبوا جميعا إلى المدرسة لتعلمها لأنها لغتهم الثقافية و الحضارية و ليست، و التكرار هنا لا بد من التأكيد عليه، ليست لغة أما لأي أحد، وقد دلت بعض الأبحاث العلمية أن الناطقين بالأمازيغيات المختلفة يتعلمون العربية الفصيحة بلا مشاكل كثيرة خلافا للناطقين بالدوارج المغربية لأن هؤلاء يلاقون في تعلمها تعثرات كثيرة لها علاقة بما يعرفه اللسانيون بالتداخلات اللغوية و “الأصدقاء “المزيفين” و غيرهذا من المشاكل اللغوية الناجمة عن التشابه بين العربية الفصيحة و دوارجها.

هذا وتعرف اللغة العربية الفصيحة تشويشات رخيصة و خسيسة تتجلى في النفخ في الدوارج، هذه الدوارج التي تصبح عند المثقفين بالعربية الفصيحة أقرب إلى هذه الأخيرة وعند خصوم العربية الفصيحة المدخل الأول للفرنسة.

إلى متى ا ستظل اللغة العربية الفصيحة مهمشة في التعليم العلمي و التقني بالجامعة و كذا في البحث العلمي الدقيق؟ و كيف سيكون المغرب لغويا في العقود القادمة إذا استمرت الوضعية اللغوية على ما هي عليه الآن و في غياب مؤسسة وطنية أعلن عنها سابقا و كان بإمكانها المساهمة في تخطيط جدي لمستقبل واضح للغة العربية الفصيحة ؟ هذه المؤسسة لا زالت لحد الآن في عالم الغيب. إننا و نحن نتمرغ في هذه الحلقة المفرغة نلاحظ أن الجسم المغربي يعرف هشاشة لغوية تنم عن شخصية غير متوازنة لافتقادها إلى أداة لغوية موحدة نتواصل بها، كما نلاحظ بأسف شديد أن الميثاق الوطني المذكور أعلاه لم يأت بأي جديد لتوحيد لغة التعليم العلمي و التقني الذي بدأ في الثانوي حيث عرف نجاحا ملموسا ونتائج طيبة و أبعد من التعليم الجامعي لأسباب ذكرت البعض منها و هي أسباب تحتاج لاجتثاثها إلى قرار سياسي وهو قرار غير وارد الآن، وهذا الأمر يزيح كل صبغة وطنية على وثيقة ميثاق لا يعترف للغة الدستور بأي دور علمي و يفضل عليها لغة أجنبية تدافع عنها نخبة محظوظة في المجتمع المغربي حيث تستعمل كل الوسائل لتجعل منها اللغة الرسمية بالمغرب وهي في الواقع المعيش و الممارسة اليومية لغة رسمية و إن لم يكن منصوص عليها في الدستور وهو الشيء الذي لم تكن تحلم به إبان الاحتلال بسبب وجود آنذاك حركة وطنية قوية ورجال عظام متثبتين بكرامتهم المتجلية في لغاتهم الحميمية و على رأسها اللغة العربية الفصيحة العتيدة . فيا لسخرية هذا الزمن الرديئ !

* رئيس الجمعية المغربية الفرانكفونية من أجل اللغة العربية الفصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *