حوارات، مجتمع

رفيقي يكشف أسس مراجعاته الفكرية والفقهية ويتحدث عن بداياته ومحنته (فيديو)

في حوار مصور مع جريدة “العمق”، تحدث الباحث في الفقه الإسلامي عبد الوهاب رفيقي عن بداياته في تبني الفكر السلفي، والسياقات السياسية والمجتمعية التي دفعته إلى ذلك، كما كشف عن الأسس والمرجعيات الفكرية والفقهية التي بنى عليها مجموعة من الاجتهادات الفقهية التي أثارت ضجة، خصوصا فيما يتعلق بالإرث وفقه المعاملات.

الدولة استدعت السلفية

حمل رفيقي الدولة والمجتمع مسؤولية انتشار الفكر السلفي في مرحلة سابقة من التاريخ السياسي للمغرب، وخاصة انتشار ما يعرف بـ”السلفية الجهادية”، وشدد على أن الدولة والمجتمع دعما هذا الفكر بعد أن تم استدعاؤه إلى المغرب من أجل تحقيق غايات سياسية محضة وأنه فتحت حينها له كل الأبواب.

واعتبر رفيقي المعروف بـ”أبي حفص”، والذي قضى تسع سنوات في السجن على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، أنه كان ضحية لفكر تلقاه دون أن يكون له الاختيار في ذلك، بسبب البيئة التي نشأ فيها، مبرزا في حوار مصور مع جريدة “العمق”، أنه منذ فتح عينيه على الدنيا وجد مئات دور القرآن مفتوحة بشكل رسمي وتدعو إلى الفكر السلفي، وأن المساجد الكبرى للمغرب يعلو منابرها شيوخ يلقنون هذا الفكر.

واستطرد رفيقي “ووجدت أن الكتب التي تروج هذا الفكر توزع مجانا بملايين النسخ وليس الآلاف فقط، ووجدت المهرجانات الخطابية الكبرى تقام في أكبر القاعات العمومية بعدة مدن بالمملكة من أجل دعوة الشباب إلى الذهاب إلى أفغانستان للمساهمة في الجهاد هناك”.

وأضاف “ووجدت الشباب كانوا يتلقون جميع المساعدات التي يريدون للالتحاق بالجامعات السلفية لدراسة العلوم والأصول السلفية وإعادة إنتاجها في المغرب بتشجيع من المحيط والدولة”.

من يعتذر لي؟

ورفض رفيقي فكرة أنه “مطالب الاعتذار” للشباب الذين كانوا يتأثرون بخطبه وكلامه، وشدد “أنا مدين باعتذار فمن يتعذر لي؟”، كما أبرز أنه لما كان شيخا أو خطيبا كان يعيد إنتاج ما تلقاه دون أن تكون له يد في ذلك التلقي الذي فرضته البيئة والظرفية السياسية، حيث أن الفكر كان يروج حتى في المدارس والمؤسسات التعليمية.

بالمقابل، أكد رفيقي في حديثه لجريدة “العمق”، أنه كان ضحية للفكر المذكور، وأنه أدى عليه الثمن بقضاء بتسع سنوات من ريعان شبابه في السجن، صاحبتها محنة الأسرة والزوجة وغيرها، كما أنه لما قام بجهد ذاتي محض من أجل تغيير منظومة قناعاته السابقة تلقى مقابل ذلك “كثيرا من السب والشتم والطعن في العرض والفكر”.

مراجعات علنية

وأضاف أنه رغم كل ذلك، قرر عدم الاحتفاظ بمراجعاته الفكرية لنفسه وجعلها حكرا له، بل قام بمجهود ومازال يواصله من أجل إبلاغها للمجتمع وعموم الناس، وشدد على أنه حتى لما كان في السجن خاض نقاشات ماراطونية مع الشباب المسجونين فيما يعرف إعلاميا بـ”السلفية الجهادية”، من أجل إبلاغهم بالقناعات والتطورات والمعارف الجديدة، محملا إياهم مسؤولية عدم الاستماع له في المرة الثانية كما استمعوا في المرة الأولى.

حررت عقلي

وقال رفيقي إن “أكبر نقلة نوعية قمت بها في حياتي هي التحرر من القيود والأغلال وأعطيت الحرية لعقلي ليتحرك كيفما شاء ويؤسس قناعته الذاتية بالشكل الذي يريد”، ووصف التغيرات التي طالت قناعاته الفقهية والفكرية بـ”النقلة الطبيعية التي تحدث في حياة الإنسان”.

ونفي رفيقي أن يكون السجن هو السبب في في هذه “النقلة”، بل “كان محفزا ومسرعا لهذا التحول”، وشدد في حوار مصور مع جريدة “العمق” على أن السبب الرئيسي هو بذله لمجهود كبير من أجل الخروج من التقليد وإعادة إنتاج ما يتلقاه دون أي تفكير.

نقلة طبيعية

واعتبر رفيقي أن “النقلة الفكرية” التي عاشها “أمر طبيعي جدا”، نظرا لتغير مصدر المعرفة والانفتاح على مراجع جديد، وكذلك بسبب التطورات التي تطرأ على الواقع، مستغربا كيف “يبقى البعض على نفس الأفكار 20 سنة دون أي تغيير”، معتبرا ذلك “جمودا” و”تقييدا لحرية العقل”.

وقال “القرآن ذم التقليد وتهكم عليه ورغم ذلك نجد من داخل النسق الإسلامي من يطالب المسلمين بأن يبقوا على ما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم ومن كان قبلهم”، متابعا “كثير من الناس لا يفاجأ من شخص بقي ثابتا على نفس المعطيات والمعلومات والأفكار لمدة طويلة، ويصدمون من شخص حدث معه تغيير في حين أن العكس هو الأصل”.

واستطرد رفيقي مستغربا “أنا لما يقول لي شخص بأنه 20 سنة لم يغير أي شيء من أفكاره فهذا أمر صادم.. عشرين سنة لم تقرأ فيها جديد ! لم يتغير فيها العالم ! لم تتغير فيها الدنيا ! ولم تتغير فيها كثير من المعطيات !؟” وأضاف “ويسمي هذا في نهاية المطاف الثبات” معتبرا أن مفهوم “الثبات” من المفاهيم “التي اعتدي عليها كثيرا”.

وأبرز المتحدث أنه تلقى في بداية حياته مجموعة من المعارف كـ”مُسلّمات”، وأنه عاش مرحلة يكرر ما تلقاه من الوسط الذي عاش فيه، سواء كان هذا الوسط أسرة أو مدرسة أو كتابا قرآنيا، وقال “غير أني أتيحت لي فرصة لم تتح للآخرين من أجل إحداث نقلة نوعية في القناعات الخاصة”.

الصدق والمعرفة

وأرجع رفيقي سبب التغيير الذي عاشه إلى أمرين وصفهما بالمهمين، “الأول خلق داخلي أخذته عن أبي رحمة الله عليه، وهو الصدق والاقتناع التام والحقيقي بأي شيء أؤمن به”، على حد قوله، أما الأساس الثاني فقد لخصه في “المعرفة والدليل والحجة والعقل، باعتبارهم أساس الاقتناع بأي فكرة معينة”.

وشدد على أن مرحلة السجن “لا يمكن اعتبارها سببا رئيسيا” في التغيير الذي عاشه، بل كانت “مجرد عامل مساعد، بحكم أن مدة السجن كانت كافية جدا للاختلاء بالنفس ومراجعتها، ولو قد قدر الله لم أكن في السجن، سيكون التغيير أبطأ، لكن متيقن أني سأذهب في هذا المسار”، يقول رفيقي.

خطأ في التصور

أما فيما يخص فقه المعاملات فقد اعتبر ضيف جريدة “العمق” أنه أنه لا يوجد حكم قطعي ودائم في فقه المعاملات، مشددا على كل النصوص القرآنية التي وردت في هذا الشأن تتعلق بأحكام دنيوية مرتبطة بعصر نزولها وسياقات ذلك، وليس أحكاما دينية قطعية غير ممكن التغيير فيها.

وأرجع رفيقي خلال حديثه في حوار مع جريدة “العمق”، إلا أن “القول بأن الدين واحد وغير قابل للتغيير” إلى ما اعتبره “خطأ في التصور لمفهوم الدين”، موضحا أن الثابت معروف وهو ما يتعلق بأمور العقيدة، كما أبرز أن أصول العبادات هي الأخرى ليست فيها خلاف ولا تغيير، غير أن فقه المعاملات يبقى حسب رفيقي كله متعلقا بالواقع وقابلا للمراجعة والتطوير والتغيير.

الثابت في الدين

وقال رفيقي “ما هو ثابت فهو معروف، فما دمت مسلما فعندك عقائد معينة رغم أنه أضيف إليها ما ليس منها، وأنا أتحدث عن العقائد الأصلية الثابتة التي لا حديث عنها، ودمت مسلما فلا بد أن تعتقد بها”، كما شدد على مسائل الأخلاق تبقى هي الأخرى ثابتة ولا يمكن أن تتغير، “فمثلا لا يمكن أن تصبح الأمانة قيمة مذمومة بسبب تغيرات، أو أن يصبح الكذب خلقا محمودا، فالأخلاق تبقى ثابتة وغير متغيرة”، على حد قوله.

واعتبر أن من بين الثابت في الدين المقاصد العامة التي لا يختلف حولها أحد، والتي تنشدها الإنسانية عامة، من قبيل العدل والكرامة والحرية وغيرها من القيم المتفق عليها على مر العصور، وكانت ثابتة لا تتغير ولا تتحول وجاء الدين ليثبتها ويتممها كما ورد في الحديث “إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق”.

المعاملات غير قطعية

وسجل رفيقي انحصار “الضجيج” القائم في القضايا الدينية على “الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات وليست حتى تلك المتعلقة بالعبادات رغم أن من الضروري التجديد في الفقه العبادي من أجل التمييز بين ما أضيف إليه وبين ما هو أصل”.

كما أشار إلى أن كل أحكام المعاملات حتى تلك التي وردت فيه نصوص صريحة، تبقى “أمرا دنيويا قابلا للتغيير والتطوير”، مبرزا أن الديني فيها هو “الاستجابة للمقاصد العامة التي أتى بها الدين”، أما التفاصيل حسب رأي رفيقي “فهي خاضعة للتغيير لأن المجتمع يتبدل ولأن الواقع يتغير، ولأن وقت سن هذه الأحكام كان مجتمعا آخر وكان سياقا آخر”.

طورت نفسي

وأوضح المتحدث أنه “طور نفسه فيما يتعلق بالتصور للمعنى الدين ومعنى الاجتهاد، وفي كيفية التعامل مع النص سواء كان قرآنيا أو حديثيا”، معتبرا أن هذه الأصول طور فيها تصوره على المستوى الشخصي بسبب القراءات التي قام بها، وأنها هي التي تعطي بعض الاجتهادات التي يراها بعض الناس صادمة.

وأضاف أن من بين الأمور التي أثارت ضجة دعوته إلى إلغاء قانون التعصيب نهائيا، لأنه قانون “لا يتوافق بأي شكل من الأشكال مع الواقع الذي نعيشه أو مع شكل الدول التي نعيشها أو المجتمع الذي نعيش فيه” على حد قوله، معتبرا أن التعصيب “لم يرد فيه نص وفيه فقط حديث فيه إشكالات كثيرة وتأويلات كثيرة، وهذا الأمر يريحني من حيث المحاججة ولا أجد فيه مشكلا في الإقناع به”.

التاريخ شاهد

وتابع رفيقي “ولكن أنا في رأيي حتى قضايا المعاملات التي ورد فيها نص فهي قابلة للتغيير”، وأبرز أن من بين الأمور التي دفعته إلى الاقتناع بهذا الأمر هو “أن التاريخ الإسلامي في أغلب أحواله خاصة في العصر الأول، هكذا تجدهم يتعاملون مع هذه النصوص”.

وقال رفيقي “حتى أنا تلقيت المعرفة في الأول أن هذه النصوص قطعية وليس فيها إمكانية التغيير، لكن لما أقرأ التاريخ أجد أن الخلفاء الراشدين غيروا أحكاما صريحة قطعية منصوص عليها، ولم يقولوا بعدم إمكانية التغيير فيها، بل رأوا أن الوضع قد تغير خصوصا في العهد العمري الذي حصلت فيه أمورا كثيرة، لم تتوقف عند أحكام أموال الفيء والغنائم، أو حد السرقة، أو قضية الطلاق، بل قضايا كثيرة في نصوص كثيرة مثل ما النصوص الواردة في الإرث”.

وأضاف “لأن الصحابة فهموا أن أحكام المعاملات المنصوص عليها في القرآن هي أحكام دنيوية وليست دينية”، مستطردا “وحتى في زماننا أغلب الفقهاء المعاصرين أصبحوا يرون أن أحكام الجهاد والقتال متجاوزة رغم ورود فيها نصوص صريحة”.

بين الجهاد والإرث

وأشار رفيقي إلى بعضهم قد يقول إن “آيات الجهاد متعلقة بالدفاع عن النفس والجهاد الدفاعي فقط”، معتبرا أنه “كلام فيه نوع من التبليس”، وعلق “فصحيح أن القرآن تكلم في مواضع عن الجهاد الدفاعي مثل “قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم…”، ولكن تكلم على جهاد الطلب وتحدث فيه الفقهاء بإسهاب، وقد ورد في القرآن “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى الجزية عن يد وهم صاغرون”، ولا تقل لي هذا جهاد دفاعي بل هذا جهاد كل ما لا يؤمن بالله واليوم الآخر، بل هو جهاد من أجل الهوية الدينية ومن أجل العقيدة، فماذا نفعل في هذه الآية؟”، يتساءل المتحدث.

واعتبر رفيقي أنه على الفقهاء والحركات الإسلامية التي أصبحت تقبل بالعيش في دول وتقلد مسؤوليات فيها رغم أنها لا تطبق الحدود، ويعللون ذلك بتغير الواقع أو الإكراهات الخارجية، أن تتعامل بنفس المنطق مع كل النصوص القرآنية الصريحية، وليس التعامل مع آيات الجهاد والحدود بمنطق، والتعامل مع الآيات المتعلقة بقضايا الأسرة مثلا بمنطق آخر.

منطق “داعش”

أو أنها يجب ألا “تقبل ذلك المنطق كما تقول داعش التي ترى أن كل النصوص قطعية وأنه يجب تنزيلها جميعا”، متسائلا عن سبب إنكار كثير من الإسلاميين على “داعش” تطبيق الحدود وسبي الإيزيليات “رغم أن داعش فقط تطبق نصوص شرعية وتنزل الآيات التي تتحدث عن الملك”، على حد قوله.

وخلص رفيقي في حديثه عن فقه المعاملات أن كل الأحكام التي أتت بها النصوص الواردة في هذا الشأن “مرتبطة بسياقاتها الزمنية وبسياقاتها التاريخية”، وأنها “قابلة للتغيير والتطوير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • أيمن المرابطي
    منذ 5 سنوات

    سؤال نسي الجواب عنه: عندما كان يطوف في أسواف فاس مع شباط مرشحا لحزب شباط و لائحته،هل كان ذلك بوعي منه أم سيتنصل منه؟ وما سبب هذا الترشح؟أليس البحث عن...؟

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    هناك ملاحظة فقط بخصوص الآية الكريمة من سورة التوبة: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.