وجهة نظر

الذكرى 44 للمسيرة وإشكالية تنمية جهة سوس ماسة

ركز بعض الفاعلين السياسيين السوسيين في خطاب الذكرى 44 للمسيرة الخضراء على بشرى إعلان الملك عزمه الدفع بتنمية جهة سوس ماسة وإيلائها اهتماما كبيرا كوسط للمغرب يربط شماله بجنوبه؛ وشكروا مهللين بالخطاب “التاريخي” من جهة ما سموه “إنصاف الجهة”؛ هللوا بأسلوب غير ﻻئق، لم يستوعب دﻻلات الخطاب وأبعاده.

لقد وردت في الخطاب عبارتان أساءوا فهم مغزاهما: عبارة “لم نستوعب بأن الرباط صارت في أقصى الشمال، وأكادير هي الوسط الحقيقي للبلاد” وعبارة “ليس من المعقول أن تكون جهة سوس ماسة في وسط المغرب، وبعض البنيات التحتية الأساسية، تتوقف في مراكش،”

ظنوا العبارتين انتقاد الملك لذاته وأنه هو أو من حوله المعني بعدم اﻻستيعاب وعدم المعقولية؛ بينما في الحقيقة هو نقد عابر وغير مباشر للفاعليين في الجهة، عبر عقود من الزمن وإلى اﻵن، وعجزهم عن مسايرة تطور المغرب وتطور أقاليمه الصحراوية؛ وهو نقد سيكون له ما بعده من المحاسبة والمسؤولية السياسية واﻻجتماعية، بدليل عبارتين تاليتين تشرحان السابقتين هما:

اﻷولى ” رغم ما تتوفر عليه المنطقة من طاقات وإمكانات..” ﻷن قضية التنمية هي قضية الفعالية والجد والبرمجة ذات الجدوى والقدرة على استثمار اﻻمكانات المتوفرة والوافرة في هذه الجهة بالذات أكثر من غيرها من الجهات، قبل أن تكون القضية قضية تمويل الدولة وتخصيص ميزانيات ضخمة. لقد سبق لجلالته أن انتقد مباشرة تعثر عمل الجهة في التسريع الصناعي، والذي ﻻ يزال متعثرا في تحقيق أهدافه المرسومة غاية 2019 و2020، وهو تعثر نورده فقط على سبيل المثال ﻻ الحصر في مشكلة التنمية وعراقيلها المحلية بسبب الفساد وضعف الكفاءة.

والثانية هي قول جلالته “فإننا ندعو للتفكير، بكل جدية الخ..” يدعو من؟ يدعو الفاعلين المعنيين بعد أن استنفدوا كل طاقاتهم ووسائلهم بغير كفاءة أو بغير إرادة سياسية، رغم امكاناتهم الضخمة والوافرة؛ كفاءة واحدة هم بارعون فيها هي كفاءة لوم الدولة والحكومة في كل فرصة أو مناسبة رسمية وغير رسمية.

صحيح أن اهتمام الدولة بأية جهة أو مدينة وتمويلها مهم وحاسم في تنمية حقيقية وشاملة؛ لكن حبذا، في إطار شكرهم لمبادرة الملك، لو استغل هؤﻻء الفاعلون هذه المناسبة لينتقدوا ذواتهم، ويعلنوا مراجعة سياساتهم التبذيرية للمال العام، والتخلي عن أساليبهم السياسوية، ويعترفوا جميعا بقصورهم وعدم كفاءتهم.

أستشف في خطاب هذه الذكرى مجموعة من المشاريع اﻷساسية والمهمة ستوسَم بالملكية وستُقبل الدولة على انجازها في هذه الجهة؛ سيعلَن عن بداية بعضها سنة 2021 وأخرى سنة 2022 وأخرى في أفق 2030، وسيعلن عن أخرى سبق التصميم لها، لكنها متعثرة اﻻنجاز للأسباب السالفة الذكر.

مشاريع عديدة من المفترض أن تبصم مستقبل جهة سوس ماسة أذكر منها على سبيل المثال وعلى سبيل التوقع وحاجة الساكنة الضرورية إليها:

– في مجال الطرق والنقل: باﻹضافة إلى إعلان جلالته لربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية، مما يتيح فورا وقبلا ربط إقليم طاطا بحافلات “السابراتور” كمطلب جماهيري، فإن ذكره لربط “وجدة شرقا إلى أقاليمنا الصحراوية” فيه إشارة- حسب تقديري- إلى العزم على إنشاء طريق سريع حدودي يربط وجدة بالكويرة عبر جهة الراشيدية مرورا بإقليم طاطا وإقليم أسا الزاك وإقليم السمارة إلى غاية الكويرة. ومن المستعجل ومطلوب إصلاح الطريق الوطنية التي تربط طاطا بعاصمة سوس أكادير وتوسيعها وتخليصها من المنعرجات الخطيرة؛ مع العلم أنها ما زالت إلى اليوم على هندسة المسلك الذي أنشأه اﻻستعمار خصوصا في النقطة التي تربط تارودانت بإغرم.

ومن المتوقع أن يعلَن عن مشروع استكمال تهيئة مطار طاطا بمواصفات المطار الدولي، والترخيص ﻻستقبال الطائرات كمطار دولي ثان في الجهة بعد مطار المسيرة أكادير، لما سيكون له من دور مهم في تنمية العجلة اﻻقتصادية في الجهة كلها، والتنمية السياحية ونقل رجال اﻷعمال والتقنيين الدوليين المشرفين على مشروع الطاقة الشمسية، الذي من المتوقع أن يعلن عنه، ونقل تقنيي معادن الذهب، وتسهيل التنقل إلى باقي مدن المغرب واستقبال جالية الجهات المجاورة والسياح اﻷجانب؛ كما سيعلن عن التعجيل ببناء الطريق المداري بشطريه في أكادير الكبير..

– في المجال الصحي: الدفع بتسريع كلية الطب والصيدلة وإنشاء مستشفى جامعي بأكادير وآخر بإحدى جهات اﻷقاليم الصحراوية، وتجهيز المستشفى الجهوي والمستشفيات اﻹقليمية بالتجهبزات اللازمة.

– في المجال التربوي والتكوين المهني من المتوقع أن يعلَن عن فتح نواة جامعية في إقليمي تيزنيت وطاطا، وإنشاء مراكز التكوين المهني وتكوين كفاءات التسريع الصناعي، وإعلان مشاريع التعليم اﻷولي في اﻷقاليم.

– في المجال البحري والصيد: تجديد الميناء وتطوير قدراتها ﻻستيعاب السفن التجارية والنقل البحري المتطور؛ وإعلان مشروع تربية اﻷحياء البحرية.

– في مجال الفلاحة والماء: إعلان الشروع في مشروع تحلية مياه البحر للأغراض الفلاحية والماء الصالح للشرب؛ وإنشاء السدود من واجهتي اﻷطلس الصغير: واجهة سوس اﻷقصى (وادي سوس) وواجهة سوس اﻷدني (على طول إقليم طاطا)، وإعلان انطلاق إنجاز السد بوادي طاطا الكبير، وإعلان مشاريع تجديد الواحات وتنمية الفلاحة فيها..

– المجال السياحي والثقافي: من المتوقع إعلان النهوض بالسياحة وإعلان مشروع كبير لتهيئة المآثر التاريخية كموقع أكادير أوفلا المهمل من الفاعلين المحليين حتى انهدمت بقية معالمه التاريخية، وتأهيل أكبر متحف طبيعي في أفريقيا المتمثل في عشرات مواقع آثار العصور الحجرية بمئات الرموز والرسوم بإقليم طاطا، وعشرات القصبات والقصور القديمة في كل مدينة وفي كل قرية؛ باﻹضافة إلى مشاريع أخرى من المتوقع إعلانها في مدينة أكادير مركز الجهة وتراب الجهة وعلى الخصوص مشاريع تنمية المناطق الجبلية، وتهيئة عدد من الجماعات الترابية الصغيرة والمتوسطة.

تلك هي بعض المشاريع الملحة في التنمية على سبيل المثال لا الحصر، وتبقى أسئلة كثيرة في علاقة هذه المشاريع بالفاعلين المنتخبين المدبرين للشأن العام، والفاعلين المعينين الوالي والعمال والمدراء وتابعيهم، ودورهم في النجاح واﻻخفاق.

* عضو مجلس جهة سوس ماسة (كاتب المجلس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *