أدب وفنون، مجتمع

“المغتصب هو نتا”.. أغنية نسائية بتطوان تثير الجدل وأصحابها يوضحون (فيديو)

أثارت أغنية أطلقتها ناشطات في مجال دعم القضايا النسائية بمدينة تطوان تحت عنوان “جسدي حريتي”، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب وصفها الرجل بـ”المغتصب والأناني والحكار”.

ووجه نشطاء انتقادات لاذعة للأغنية وأصحابها معتبرين أنها توجه رسالة سلبية إلى المجتمع وتشيع روح الكراهية بين الجنسين، فيما أعلن آخرون تأييدهم للمبادرة معتبرين أنها تشكل أسلوبا جريئا في الدفاع عن حرية المرأة في جسدها والتنديد بتعنيف النساء.

الأغنية تأتي ضمن مبادرة نسائية تدعى “دينامية جسدي حريتي” بتطوان، والتي تسعى للانخراط في “النشيد النسائي الأممي” الذي انطلق من دولة الشيلي السنة الماضية من أجل مناهضة التحرش والعنف ضد النساء، إلى جانب عريضة أطلقتها نفس الدينامية بتطوان للمطالبة بالحريات الفردية للنساء.

ويظهر في فيديو الأغنية التي تقول الناشطات إنها عبارة عمل تجريبي وليس نهائي، عدد من النساء بتطوان معصوبات الأعين وهن يرددن كلمات تنتقدن العقلية الذكورية، وذلك بقيادة الرسامة التشكيلية خديجة طنانة.

وتقول الأغنية في كلماتها: “شكون أنا.. أنا الساس أنا الراس.. حرة.. حرة فعقلي وفكري حرة فقلبي وجسمي.. شكون تكون نتا باش تحكمني.. مغتصب حكار.. أناني جبار.. والمغتصب هو نتا.. هو القضاء البوليس السلطة الدولة.. ما يهمني قضاء ما يهمني حكومة.. وفين هو القضاء.. بغاوني نعيش منكوبة”.

وخديحة طنانة صاحبة فكرة الأغنية المذكورة، هي رسامة تشكيلية معروفة بتناولها للمواضيع النسائية بشكل خارج عن المألوف وفق ما تعتقد أنه “كسر للطابوهات المرتبطة بجسد المرأة”، حيث سبق للسلطات أن منعت معرضا لها بتطوان تحت عنوان “كاماسوترا”.

انتقادات و”سخرية”

فيديو الأغنية لقي انتقادات لاذعة من طرف نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مع موجة من السخرية بسبب مضمونه وشكله، خاصة وأن طريقة التصوير والإخراج لم تكن احترافية، كما كان واضحا عدم تناسق حركات الناشطات اللواتي أدين الأغنية، حسب تعليقات نشطاء بموقع فيسبوك.

ناشط يدعى رضوان القسطيط، علق على الفيديو بالقول: “المحتوى سطحي جدا يطفو فوق السطح، ينهل من خطاب نسواني طفولي، “المغتصب هو نتا” هو الذكر. أنا ذكر ما عمري غتصبت شي حد”، فيما كتب أمين طه: “هاذ لجمعيات مكيهضروش على المرأة لقروية ولا عن معاناة نساء الجبال ومشتشفيات الولادة، كيهضرو غير على حرية لجسد”، فيما كتب

وعلق محمود المغربي في تدوينة له: “ربنا لا تآخدنا بما فعله السفهاء منا، نحن ندعو إلى الحشمة والعدل والحرية بمعناها الإيجابي، ندعو إلى ضمان العيش الكريم للجميع، وأنتم للأسف تدعون إلى التعري والتفسخ الأخلاقي، تقلدون التشيلي؟ هل تعرفون كم من ابن زنى في الشيلي وكم من أبناء مختلطي الأنساب وكم من قاصرات لديهن أطفال زنى بالرغم من استعمال كل وسائل منع الحمل”.

من جانبه، كتب الناشط مروان الداهية: “مع احترامي الكامل لبعض السيدات في ذلك المقطع، إلا أنه عمل سيئ والقضية لا يمكنها أن تتعالج بذلك الشكل، وموضوع جسدي حريتي فيه وفيه، ولم يتم فتح نقاش عمومي وحوار وطني جرئ حوله، واحد المجموعة من السيدات وصافي كان خصهم أولا يفتحوا نقاش ومن تما يبدا العمل الاحترافي ماشي بذلك الشكل لي خلا الفديو من أسواء ما يكون وخلا كلشي يضحك وينتقد مع كامل الأسف، تقديم المضمون كان بواحد المستوى طايح بزاف”.

كما كتب يوسف اليعوتي: “هادشي ديال “دينامية جسدي حريتي” يعكس حالة الارتباك التي تعاني منها التنظيمات الجمعوية بالمغرب، ويعكس كذلك القيمة المنحطة لي كيشوف بيها المجتمع الفن بشكل عام، والموسيقى كأشهر فن أداء في العالم بشكل خاص. والحاصول عاشت الحركة النسائية اللي فعلا حرة”، وفق تعبيره.

“الجرأة” في الدفاع عن المرأة

بالمقابل، يقول أصحاب الأغنية، إن هدفهم من هذه المبادرة هو “التصدي لكل أشكال العنف الجسدي والجنسي الذي تتعرض له المرأة، والدفاع عن حقها وحريتها في التصرف في جسدها”، مشيرين إلى أنه ليس عملا نهائيا، بل فيديو تجريبي على أساس إخراج العمل النهائي في وقت لاحق بمشاركة مختلف المدن المغربية.

كوثر مقدمي، فاعلة جمعوية بتطوان وإحدى الناشطات اللواتي شاركن في الأغنية، أوضحت أن الفئة المعنية عبر هذه الأغنية هم النساء ضحايا العنف والاغتصاب، لافتة إلى أنها مبادرة دولية وليست خاصة بالمغرب، حيث انطلقت من دولة التشيلي واحتضنتها دول مختلفة كبريطانيا وتركيا ولبنان وتونس وكولومبيا وغيرها، لافتة إلى أن هذا العمل سيبقى وفيا للرسالة الأممية في مناهضة العنف البنيوي المبني على النوع، مع إدخال لمسة مغربية عليه.

وأشارت مقدمي في تصريح لجريدة “العمق”، أن سبب انضمامها لهذه المبادرة يرجع بالأساس إلى ملف الأطفال المتخلى عنهم في الشوارع، وهو من بين المشاريع التي تشتغل عليها بمدينة تطوان، لافتة إلى أن سبب هذه الظاهرة هو اغتصاب مجموعة من الفتيات أغلبهن قاصرات ومن ضواحي المدن.

وأوضحت المتحدثة أن الأغنية هي “جزء من مشروع مجتمعي ونضال طويل تخوضه الحركة النسائية من أجل الحريات الفردية للنساء، لأن الحرية حق إنساني”، لافتة إلى أن رسالة هذه المبادرة هي التنديد بـ”كل ما تتعرض له الفتيات والنساء المغربيات من خنق لحرياتهن وتضييق على حقوقهن وبكل المفارقات الصارخة بين القوانين والخطاب السائدين”.

وتابعت قولها: “شاركت لأن الكل مشارك في الجريمة، الكل مغتصب، القانون القضاء الدولة، عندما ترى طفلا تم التخلي عنه في القمامة، وعندما نرى حاضنة الأطفال في المستشفيات لم تعد تتسع للعدد المتزايد كل يوم، وعندما ترى أطفالا يفترشون الشارع ويتلحفون بالسماء”، وفق تعبيرها.

ومضت قائلة: “عندما ترى شابة في مقتبل العمر أو قاصر تنتحر بسبب تخلي أحدهم -الذي ينصب نفسه رجلا- عنها في أصعب وقت لأن المجتمع يكفل له براءته ويدينها هي وحدهن عندما تستغل أزمتها من المجتمع لينهال الكل عليها باعتبارها هي المذنبة ليستمر استغلالها بأبشع طريقة أكثر من الأولى، فهنا سنقول المغتصب هو أنت، نعم أنت، يكفينا نفاقا”.

وبخصوص الانتقادات التي طالت الأغنية، قالت كوثر إنها “كانت متوقعة وكنا نتوقع أن تكون الانتقادات أكثر حدة، لأننا نعرف مجتمعنا والعقلية الذكورية السائدة فيه والسطحية في التفكير، فنحن لم نقصد الرجل بحد ذاته بل الرجل الذي يغتصب ويتعامل بوحشية مع النساء، وقصدنا القضاء والدولة والمجتمع والقوانين التي لا تقف في صف النساء”.

وشددت على أن هذه الأغنية “تأتي ضمن معركة مجتمعية لتعديل القوانين والتصرفات والخروقات وتسليط الأضواء على الطابوهات المسكوت عنها”، مشيرة إلى أن الدينامية ستواصل العمل من أجل إخراج الإغنية في صيغتها النهائية، على اعتبار أن الفيديو المنشور كان تجريبيا وضم عددا قليلا من الناشطات مع عدم تجانس حركاتهن.

وأضافت مقدمي التي تعمل كمساعدة اجتماعية بمدينة تطوان، أن آخر الإحصائيات الرسمية التي كشفت عنها وزيرة الأسرة والتضامن تدعو للقلق وتدق ناقوس الخطر حو الأطفال المتخلى عنهم يوميا، مستغربة تحميل المرأة دوما المسؤولية عن الحمل غير المرغوب فيه وكأن الرجل لم يفعل شيئا رغم أنه هو المغتصب والمعتدي، وفق تعبيرها.

انتقادات من الداخل

غير أن الأغنية أثارت انتقادات من داخل بعض مكوناتها والفاعلين في “دينامية جسدي حريتي” بسبب كلماتها وطريقة إخراجها، حيث كتب ناشط يدعى يوسف البرغوتي: “نحن كشباب كنا متفقين مع الدينامية، فجأة نرى العمل فكانت الصدمة، نلاحظ كل التعليقات السلبية تأتي من الطرف المؤيد للدينامية، ومن كل هذا نلاحظ أن الفيديو عبارة عن مضيعة للوقت وهراء ويهاجمون الرجال بطريقة واضحة جدا”.

وعلق الناشط محمد الهراس بالقول: “في إطار نقاش الضجة التي أحدثها الفيديو الذي أطلقته دينامية حريتي جسدي، وبعد تحوله لمادة للسخرية من طرف العديدين، أقول وبكل اختصار وجب الإبتعاد وعدم الاكتراث لملاحظات البعض ولتعاليق بعض الصفحات التي اعتادت الهجوم على جميع مبادرات الحركات النسائية وإقبار جميع الأصوات التحررية المناهضة للفكر الذكوري المستشري في مجتمعنا المغربي”.

وتابع قوله: “لكن هذا لا يمنعنا من مناقشة الفيديو من زاويته كعمل فني وتصويب الملاحظات التقنية التي تخص جودة الصورة والصوت وكذلك طريقة إخراج الرقصة، والذي لم توفق فيها الصديقات بالدينامية مع الأسف، هناك العديد من الملاحظات حول إخراج العمل سواء من حيث محتوى النص ولحن الأغنية وكذلك تناسق الحركات المستعملة، بالإضافة إلى رداءة مونتاج الصوت وكذلك زاوية التصوير إذ يطول النقاش في هذا المستوى”.

وكتب أنوار بلحاج بالقول: “نحن مع الدينامية، لكن هذا العمل الذي يفتقر إلى العديد من الأشياء كالكلمات المستعملة وتعميم الجنس الذكري “المغتصب هو نتا”، وأيضا الحس الإبداعي غير موجود بتاتا في الفيديو، بصراحة عمل ليس فني بل كوميدي”، فيما قال محمد الورياشي: “إخراج فيديو كان خطأ كبيرا جدا رغم سمو الأفكار الضمنية للأغنية، الشي الذي حول الفيديو إلى مادة دسمة”.

وأضاف: “بالنسبة لي كمتلقي صراحة شعرت بإحراج كبير جراء مشاهدة الفيديو. كنصيحة للحركة أنصحها بأن تعمل على طرق إيصال الأفكار، فمهما كانت المبادئ والقيم التي تدافع عنها الحركة عميقة وسامية ومتشبعة بـفكار الحرية والمساواة ومناهضة العنف، لن يفهمها الجمهور وحتى إن فهمها فلن يأخذها على محمل الجد”، حسب قوله.

كما كتب الهواري غوباري: “الفيديو يضم نساء يؤدين نشيدا نسائيا برسالة نبيلة وهي مناهضة للعنف ضد النساء والتسلط الذكوري وساهمت فيه نساء مشهود لها بنضالهن من أجل قضية المرأة. لكنه للأسف ناقص إبداعيا وجماليا مما جعل الكثير يسخر منه متناسيا القضية التي جاء منها، هذا هو خطر الفن إذا لم نحكم أدواته نحصد دائما نتائج عكسية، ورغم ذلك يجب أن نشجع خروج النساء في نضالهن من المقرات والأوطيلات والفاسبوك واقتحام وسائل السمعي البصري واستغلال جمالية الفنون”.

“عمل تجريبي”

من جهة أخرى، قالت الناشطة حليمة العربي في ردها على انتقاد زملائها للأغنية: “أتمنى من الشباب والشابات أن يحاولوا عدم تجريح بعضنا، الاختلاف شيء جيد وصحي ومن رأيي اقترح عقد لقاء حتى نناقش بهدوء تام لأن الكلام الجارح لن يخدم قضيتنا وهي الحرية الفردية، والتي هي أساس الدينامية، أما المغتصب فهو طبعا الذكر وهو الذي يغتصب وليس بالضرورة أنت، بل هو واحد الذكر لي ما عندو لا مروءة ولا إحساس وهو المعني بالاغتصاب”.

وكتبت زهرة الإدريسي دغوغي “موضوع الإحترافية ليس هو الأساس لأن الإعلان يشرح أنه عمل تدريبي في بدايته. ولكن الكلمات هي المشكل الأساسي وعلينا أن نفهم أننا نوجه رسالتنا إلى المغتصب والحاكم والقاضي وكل الجهات المعنية برفع الوصاية عن النساء ومسؤولية الدولة حماية كل النساء من كل أشكال العنف. نساء ورجال مدافعون عن الحرية والمساواة، وهذا نشيد نسائي عالمي وكل عمل يرتبط بحرية النساء سيتصدر كل المقاومات بكل أشكالها”.

يُشار إلى “دينامية جسدي حريتي” كانت قد أطلقت عريضة تطالب من خلالها كل من الحكومة والبرلمان بغرفتيه، بالعمل على “ضمان الحق في الحرية للنساء والفتيات وحمايتهن من العنف وضمان الأمن والأمان لهن، وضمان حقهن في الإيقاف الإرادي لحمل غير مرغوب فيه في شروط إنسانية وصحية حتى لا تؤدي أية امرأة أو فتاة بعد ثمن ذلك بحياتها أو حريتها”.

كما تنص العريضة التي اطلعت عليها جريدة “العمق”، على المطالبة بـ”ضمان احترام الحق في إقامة علاقات رضائية بين راشدين دون تدخل القانون والمجتمع في مراقبة هذا الحق، والعمل على ملائمة جميع القوانين الوطنية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية” في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *