أما بعد

أما بعد .. لا نريد أشواطا إضافية في الطوارئ الصحية

رغم أن المغرب كان ذو نظرة استباقية في تعاطيه مع جائحة “كورونا – كوفيد19″، وكان من الدول التي اتخذت عددا من الإجراءات الاحترازية الصارمة بشكل مبكر جدا ونال التنويه والإشادة، إلا أنه لم يسلم من الوصول الألفية الأولى ثم الثانية في عدد المصابين، ويسير نحو تجاوز عتبة الثلاثة آلاف مصاب، كما فقد ما يزيد عن 130 روحا بسبب الفيروس المذكور.

وليس ذلك فقط، بل تزايدت الأرقام في الأيام الأخيرة بشكل يمكن وصفه بالمخيف، وغير المسبوق منذ دخول المغرب الحرب ضد الفيروس الذي أرهق العالم، ويمكن إرجاع ذلك لعاملين أولهما إيجابي يتجلى في زيادة عدد مراكز إجراء التحاليل المخبرية وهو ما يعني الكشف عن حالات أكثر في وقت أقل، فيما السبب الآخر غير محمود وهو في ظهور نوع جديد من البؤر الوبائية المتعلقة بالبؤر المهنية والتجارية بعد البؤر العائلية.

ورغم ما يمكن أن نسجله على الدولة من ملاحظات جزئية في تواصلها وطريقة تنزيل القرارات المتعلقة بمواجهة الوباء، لا يمكن إلا أن نجزم أنها قامت بواجبها في الرصد واتخاذ ما يجب من قرارات، فقد أوقفت الدراسة مبكرا بالمؤسسات، ثم أغلقت المطاعم والمقاهي وأماكن التجمع غير الأساسية في الحياة اليومية، وأتبعتها بعد أقل من أسبوع بفرض حالة الطوارئ الصحية، ثم اجتهدت في تعقيم الشوارع والممرات، وأجبرت المواطنين على ارتداء الكمامات.

بالموازاة مع ذلك اجتهدت في توفير أسرة الإنعاش وتوسيع الطاقة الاستعابية للمستشفيات، وعالجت المشاكل المتعلقة بشكايات المرضى، وأطلقت دينامية جديدة في قطاع الصناعة لتوفير جزء من الحاجيات والمستلزمات الصحية، ودعمت الطب المدني بالعسكري، وأقامت مستشفيات ميدانية، واجتهدت في الحد من الآثار الاقتصادية للجائحة وتعويض المتضررين ولو بالقليل، ومازالت تظهر المزيد من الاستعداد لمواجهة الوباء.

الأطباء والممرضون وجميع الأطر الصحية تخلوا عن أسرهم وعائلاتهم واعتكفوا في خط الدفاع الأول ضد الوباء، والأمن والسلطات يسهرون ليل نهار على الدفع نحو الظفر بالمعركة ضد الفيروس المجهول الهوية، والأساتذة رابطوا أمام شاشاتهم يواصلون أداء واجبهم المهني، وعمال النظافة لم يخلوا مواقعهم مواصلين معركتهم الدائمة ضد أنواع شتى من الفيروسات…

كل هذه الجهود بقيت فعاليتها محدودة، وستبقى كذلك ما لم يتجند المجتمع كله دون استثناء في حماية الثغر الموكول له والقيام بواجبه البسيط والسهل، والذي لا يتجاوز المكوث في المنزل والاستعانة على الفيروس بالماء والصابون، ولعل خرق البعض لهذه القاعدة كان سببا رئيسيا في تمديد المبارزة مع الوباء شوطا ثانيا، فإما أن نحصن منازل ضد الفيروس الذي لا يدخلها إلا ملتصقا بأحدنا، لكي نتمكن من العودة إلى حياتنا الطبيعية، ومعانقة الأحباب وتقبيل جبين الوالدين والتنعم بحرية الخروج الدخول دون قيود ولا شروط، وإما أن نمدد الطوارئ شوطا ثالثا وربما أكثر.

إنها مسألة حياة أو موت ومعركة لا تنتهي إلا بتوقيف انتشار الفيروس بيننا لتستمر الحياة، وهذا غير ممكن إذا ما تواصلت مظاهر اللامبالاة والعبث والاكتظاظ في الأسواق والمحلات التجارية، والخروج بدون حاجة قاهرة وضرورة قصوى، وعدم التزامنا جميعا الحجر المنزلي الإرادي قبل أن يتحول إلى حجر اضطراري.

خليك فدارك لكي لا نضطر إلى أشواط إضافية في الطوارئ الصحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *