حوارات، مجتمع

باحث: الإيمان بالمصير المشترك زاد من منسوب التضامن لمواجهة كورونا (حوار)

ساهمت أزمة كورونا منذ تسجيل أول حالة بالمغرب بتاريخ 2 مارس الماضي في ظهور أشكال تضامنية جديدة بين المواطنين استحسنها الجميع، وعادات قديمة تم إحياؤها في المطبخ وأساليب العيش وطريقة الترويح عن النفس منحتها وسائل التواصل قوة وانتشارا وتفاعلا.

من أجل تسليط الضوء على إرتفاع منسوب التضامن الإجتماعي في أزمنة الأوبئة، وأشكال التضامن وإمكانية تغيير الروابط الاجتماعية وأشكال التضامن الاجتماعي، أجرت جريدة “العمق” حوارا مع أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض، مولود أمغار، وهذا نصه:

لماذا یرتفع على غير العادة منسوب التضامن الاجتماعي في أزمنة الأوبئة؟

دائما عندما یتم الحديث عن التضامن تتبادر إلى ذھني عبارة الأنثروبولوجي الفرنسي جورج بالاندييه؛ إننا أمام مفھوم لتاریخ طویل، فھو من الموضوعات القدیمة التي تتجدد أشكاله وآلیات اشتغاله باستمرار، نظرا للأخطار التي تحدق بالمجتمع. إذن، توجد دائما أسباب موضوعیة ترتبط بالأزمات، تدفع بالأفراد في المجتمعات أمام تدبیر ھذه الأزمات بإبداء الكثیر من التضامن، التي یبتكرونھا في الأزمنة المتفجرة لضمان تماسك المجتمع وتثبیت استقراره.

كیف یمكن أن نقرأ التضامن الاجتماعي مع أزمة تفشي كوفید 19؟

من العادي جدا، أن ترتفع معدلات التضامن الاجتماعي في أزمنة الأوبئة والأزمات وأن تتقوى الروابط الاجتماعیة، وھذه اللازمة التي خلفھا تفشي فیروس كوفید 19 عالمیا، جعلنا نعید التفكیر بشكل جماعي وبمستویات مختلفة في مصیرنا المشترك، لأن المجتمعات الیوم ینتابھا شعور بأنھا في سفینة واحدة ولكن اختلاف مواقع تموضعھا في ھذه السفینة.

أعتقد بأن الإيمان بفكرة المصیر المشترك، ھو ما ساھم في الرفع من زیادة الطلب الاجتماعي الدولي على التضامن والتشبیك من أجل محاصرة ھذه الجائحة، والتخفیف من حدة ظروف تفشي المرض، ولكن ما ینبغي أن نسلط الضوء علیهھو أن ارتفاع مستویات التضامن یكشف عن لا مساواة عمیقة أمام ھذه الجائحة على المستوى العالمي والوطني، على المستوى العالمي نحن أمام دول ببنیات استشفائیة كبیرة وبموارد بشریة ومادیة مھمة، ولھا ما یكفي من القدرة على إجراء اختبارات عدیدة للكشف عن أعراض مرض كرونا، بالإضافة إلى توفرھا على مختبرھا بمیزانیات ضخمة، ولھا أیضا إمكانیات مالیة ضخمة تسمح لھا باحتواء ما یمكن أن یترتب عن الحجر الصحي من مشاكل اجتماعیة واقتصادیة.

وأمام دول ببنیات استشفائیة متوسطة أو ضعیفة لا تستطیع أن تستوعب الأعداد المتزایدة للمصابین بفیروس كوفید 19، وبموارد بشریة ومادیة متوسطة أو ضعیفة، ولیس لھا القدرة على تحمل الأعباء الاجتماعیة والاقتصادیة الناجمة عن الحجر الصحي. وحتى على المستوى الوطني نحن غیر متساویین أمام المرض على الرغم من المجھودات التي تبدلھا الدولة بشتى قطاعاتھا، وذلك نتیجة لعدد من الأسباب سأكتفي بذكر ثلاثة منھا: أولھا عدم التوزیع العادل للبنیات الاستشفائیة والخدمات الصحیة بین المناطق، وثانیھا التفاوتات الاجتماعية الفجة بین الشرائح الاجتماعية، وثالثھا ضعف أنظمة الحمایة الاجتماعیة والتغطیة الصحیة.

ما ھي أشكال التضامن المنتشرة الیوم؟

ینبغي أن أشیر ھنا إلى مسألة غایة في الأھمیة وھي أن أشكال التضامن أخذت مساریین مختلفین لكنھما متكاملین إلى حدا ما وھما: التضامن المؤسساتي، الذي بادرت إلیهالدولة من خلال إنشاء الصندوق الخاص بتدبیر جائحة فیروس كورونا “كوفید”19 ،خصصت جزء من عائداتهلتأھیل البنیات الصحیة وشراء المعدات والوسائل الطبیة ذات الطابع الاستعجالي، وخصصت جزءه الآخر لدعم الاقتصاد الوطني، وأیضا لدعم شرائح اجتماعية عدیدة تعیش حالة فقر وھشاشة.

والتضامن الاجتماعي، الذي یمكن أن نمیز فیه بین شكلین مختلفین وھما: التضامن الاجتماعي التقلیدي الذي يأخذ شكل الصدقة، والإعانة والتكفل والإعالة، والتي غالبا ما تنتج داخل الفضاءات الأسریة والعائلیة، حیث یتحمل فیھا المقربون بشكل آلي الأعباء المادیة الناجمة عنھا، أو التضامن الاجتماعي الحدیث الذي یتشكل في الفضاءات العامة،بین غرباء تجمع بینھم روابط ضعیفة. ووسائل الاتصال الحدیثة خصوصا شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت تلعب دورا محوریا في تقویة وتوسیع دائرة التضامن بین الغرباء.

تشكل الیوم وعي اجتماعي عام بأننا أمام وباء نواجهه كما أشار إلى ذلك السیوسیولوجي آلان توران “بأیدٍ فارغة”، فإلى حد الساعة لا دواء ولا لقاح. لذلك من الموضوعي جدا أن نمیل إلى الحذر والاحتراز، وأن نتخذھما كـآلیتین أساسیتین للوقایة. ومن العادي جدا في ھذه الظروف المتشبعة بالخوف والقلق أن یعتبر الخروج من المنزل مخاطرة غیر محمودة العواقب. إذن إن أكثر ما یمكن أن نقول في إطار ھذا السیاق ھو إن المسافة والانعزال الیوم ھما أرقى أشكال التضامن الاجتماعي.

یرى البعض أن الروابط الاجتماعیة وأشكال التضامن الاجتماعي ستتغیر بعد ھذه الأزمة؟

أنا كذلك قرأت الكثیر من ھذه التصورات ذات الطابع التفاؤلي، وأنا آمل ذلك لكن غیر متحمس كثیرا لھذه التصورات. صحیح أن مرض كورونا كشف عن ضرورة تضامننا مع بعضنا البعض عالمیا ووطنیا، إلا أن تغيير أنماط العلاقات وأیضا الروابط وأشكال التضامن من الصعب أن تتغیر بشكل جذري لأنھا ترتبط ارتباطا وثیقا بتغیر نمط الإنتاج الاقتصادي. والسؤالان اللذان یطرحان نفسھما بقوة علینا ھما: ھل ھناك بدیل اقتصادي جاھز یمكن أن نستبدل به النظام الاقتصادي الرأسمالي؟ وإن لم یكن. ھل ھناك استعداد لتغییر آلیات اشتغال ھذا الأخیر؟ أعتقد أنه لحد الساعة لیست ھناك أي تحركات دولیة یمكن أن نستخرج منھا مؤشرات للإجابة عن ھذین السؤولین، ھناك فقط آمال ھشة متفرقة من الصعب أن نواجه بھا رھانات ومصالح صلبة.

أعتقد على المستوى الداخلي كذلك، یصعب الحدیث عن تغییر أشكال الروابط الاجتماعیة بین أعضاء المجتمع من جھة، بین المجتمع والدولة من جھة أخرى، إذا یمكن أن تكون كل ھذه الأمور مجرد ظواھر ظرفیة تختفي باختفاء شروط إنتاجھا وھي الأزمة. ولكن ما ینبغي التفكیر فیه ھو أن نستثمر بشكل إيجابي في ھذه اللحظة وأن ندفع بالدولة ومؤسساتھا إلى تقویة البنیات الصحیة، وأیضا توسیع نظم الحمایة الاجتماعیة، والرعایة الصحیة، تحسبا لأي أزمة قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *