الأسرة، مجتمع

“العادات الغذائية”7: تأثير المعتقدات الشعبية على النظام الغذائي

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”.

الحلقة 7

 أنثربولوجيا التغذية والبعد الإيكولوجي

 لقد أولت الدراسات الأنثربولوجية أهمية للبعد الإيكولوجي للغذاء، فهي ما فتأت تميز بين المجتمعات حسب ما تتوفر عليه من الاحتياجات الغذائية، كما رصدت تطور المجتمعات حسب درجة تلاؤمها مع الوسط الطبيعي وطرق استغلاله.

 في كتاب حول المقاربات المعاصرة المنصبة على الغذاء والثقافة، قام مجموعة من الباحثين برصد جانب من الدراسات الأنثربولوجية التي تناولت البعد الإيكولوجي للغذاء.

من بين هذه الدراسات، نذكر أعمال ليزلي وايت (Leslie White) في الأربعينات، إلمان سرفيس (Elman Service) في الستينات والسبعينات، فضلا عن المساهمة الهامة التي قدمها جون بنيت (Bennett Jean) في كتابه الذي  صدر سنة 1976 حول الانتقال الإيكولوجي.

لاشك أن قوة المقاربات المتناولة للبعد الإيكولوجي للغذاء تنبع من كونها نجحت في وضع المحددات البيولوجية والثقافية للغذاء في ذات مستوى التحليل، لقد أكدت هذه الأبحاث أن التجربة الإنسانية ليست ذات بعد بيوثقافي فحسب، بل هي أيضا متطورة وقابلة للتحول.

 بيد أن تطور المجتمع قد يحدثه التحول الإيكولوجي ذاته، ذلك أن التحول الذي عرفته طرق الحصول على الغذاء كان وراء التزايد السكاني، بل كان له أثر أيضا على التنظيم الاجتماعي.

لقد انتبهت بعض المقاربات الغذائية والجغرافية بل والتاريخية، المعروفة بمغالاتها في التأكيد على دور المحدد الإيكولوجي، إلى دور الاجتماعي والثقافي في صياغة النظام الغذائي، حيث حاولت الاستفادة من مكتسبات  أنثربولوجيا التغذية على ثلاث مستويات:

– تحليل الفروق بين الوضعيات الاقتصادية، ونوعية المهام التي تفرضها الوضعية الغذائية وعلاقة ذلك  بالمرودية والتحفيز.

– مساءلة الاختلافات الثقافية التي تمليها الفروق في الإدراك والإحساس وأثر ذلك على الوضعيات الغذائية.

– دراسة تكوين الأسر، بنيتها وتفاعلها والقنوات الاجتماعية القمينة بانتقال العادات التي تومئ بالاختلافات في الوضعية الغذائية. 

يرى كل من نورج جيروم (Jerome Norge)، راندي كاندل (Randy Kandel) وجرتيل بيلطو (Pelto Gretel) في تناولهم للمقاربة الإيكولوجية للغذاء، أن هناك أيضا مجموعة من المعتقدات الشعبية التي تؤثر بدورها على النظام الغذائي، بالنظر إلى المعاني والقيم التي تضفى على الأغذية: كاعتبار الخبز الأبيض والأرز اللامع  أغذية تدل على الوجاهة والترف، النظر إلى الحليب في أمريكا والأرز بآسيا كأغذية توفر الأمن الغذائي، فضلا عن مجموعة من الأطباق التي يعتبرها البعض دالة على هويته، ناهيك عن المحرمات الغذائية التي تدخل في  صميم المعتقدات الدينية.

لقد ربطت المقاربات الإيكولوجية الاستهلاك بالإنتاج والفلاحة، وهنا نجد أن تطور الفلاحة من وجهة النظر الثقافية قد أدى إلى ظهور تقنيات جديدة للزراعة والتخزين وأشكال جديدة للتنظيم الاجتماعي، كما أن توزيع المنتوجات الغذائية غذا يتطلب مجموعة من الترتيبات الاجتماعية، ناهيك عن نشاط الرعي والقطف الذي يبقى رهينا بالمواسم وبوفرة الماء والكلأ، وهذا يعني أن علماء الزراعة صار عليهم ملائمة التعقيدات التي تحكم الاقتصاد الفلاحي مع طبيعة  المؤسسات الاجتماعية.

من جهة ثانية تتأثر البيئة ذاتها والنظام البيئي ببعض الأنشطة الإنسانية من قبيل تعويض بعض الأغذية المحلية بأخرى معدلة جينيا، وهذا من شأنه المس بتوازن النظام البيئي. سيعني  ذلك أن تطور الفلاحة لا ينسجم ولا يسير جنبا إلى جنب مع  تطور البيئة، ذلك أن تطور النشاط الفلاحي يسير  في اتجاه الإفراط في استغلال الأرض والكلأ، فضلا عما يتبع ذلك من جفاف و ما يسفر عنه من مجاعة وسوء تغذية .

يبدو أن المقاربة الإيكولوجية للغذاء تفقد نجاعتها أما قوة المحددات الأخرى التي تحكم ما هو غذائي ، من هنا تتبين النقائص التي قد تعتلي المنهجية التي تعتمدها مثلا بعض مشاريع السقي بالوسط القروي، حيث تركز في الغالب على كل ما هو إنتاجي وتقني وتغفل الاهتمام بماهو ثقافي واجتماعي، من هنا نتساءل  مثلا عن دور الزراعات الجديدة التي تأتى بها مثل هذه المشاريع في تحقيق الأمن الغذائي. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *