الأسرة، مجتمع

“العادات الغذائية” 17: تحولات لحقت السلوك الغذائي.. مقاربة اجتماعية

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”. 

الحلقة 17

تحول العادات الغذائية

مقدمة:

لقد هدفنا من خلال الفصول السابقة الخاصة بمحددات العادات الغذائية، إلى إلقاء الضوء على مداخل السلوك الغذائي بمختلف مقوماته البيولوجية والثقافية، ولا شك أننا نرمي  من خلال ذلك، إلى رصد  مستويات  تثبيت وتحول العادات الغذائية.

لقد قمنا بعرض محددات تختلف درجات ومكامن تأثيرها في صياغتها للعادات الغذائية، وبذلك نكون قد وضعنا اليد على مكامن إرساء أو مقاومة تحول هذه العادات.

غير أننا في هذا الباب نروم التطرق إلى العادات الغذائية كسيرورة في الزمن، تكشف إلى حد بعيد مدى التحول الذي يمكن أن يلحق السلوك الغذائي، وهو الباب الذي نقف من خلاله على خصوصية التحول في الظاهرة الغذائية .

 المقاربة الاجتماعية لتحول العادات الغذائية

لقد أصبحت التحولات الحاصلة في العادات الغذائية وعلاقتها بمنظومة القيم والبنيات الاجتماعية تثير السوسيولوجي أكثر من طبيعة وكمية الأغذية المتناولة في أوساط اجتماعية وجهات  مختلفة.  ويرجع ذلك بالأساس لأن دراسة تحول العادات الغذائية يمكن من معرفة منطق وقنوات التحول بشكل يسمح بالمساعدة على إمكانية التأثير في العادات الغذائية، كما يسمح بتتبع مسار الأغذية مثلا التي أصبحت تدل على الانتماء، مسار تلك التي تم النفور عنها، ومسار تلك التي ظلت في حدود النظام الغذائي ولم تدخل إلى الثقافة الغذائية.

وهنا يرى كالفو أن مجتمعاتنا تعرف  مجموعة من التحولات على مستوى بعض الممارسات والأنشطة اليومية، غير أن الأمر حينما يتعلق بالممارسات الغذائية، فإن تتبع هذه التحولات يغدو مهمة صعبة على خلاف ما يبدو عليه، فذلك يتطلب رصد نشاط يومي يتأثر بزمرة من العوامل الاجتماعية.

 إن تحليل التحولات الغذائية يتجاوز حدود الحدث اليومي البسيط إلى تمظهر وظائف البنيات الاجتماعية، لذلك، وبفعل كثافة اليومي الغذائي، فإنه يصعب التمييز بين ما إذا كان الأمر يتعلق بتحول، تغير، انتقال أو تجديد.

تكمن الصعوبة إذن في طبيعة التحولات الغذائية ذاتها، فعلاقتها ببعض مكونات الحياة اليومية دون غيرها يجعلها غير قابلة للتعميم على المجتمع برمته بل على مجموعات اجتماعية مختلفة، كما أن التحول يمكن أن يطال بعض مظاهر العادات الغذائية (التزود بالأغذية، تحضير الأغذية، الاستهلاك..) دون غيرها، أو أن يشملها بشكل متوالي أو متزامن.

قد يعود منطق تحول العادات الغذائية إلى منظور الباحث ذاته، عندما يركز مثلا في هذه التحولات على مستوى الطبقات الاجتماعية، راصدا مثلا تحول العادات الغذائية عند الطبقة الميسورة مقابل تحول تلك التي تخص الطبقة الفقيرة، محاولا بذلك إعطاء بعد عام للتحول يمكن إسقاطه على المجتمع ككل.

غير أن إمانويل كالفو يرى بأن الخاصية الأساسية للتحولات الغذائية تكمن في كونها ليست ثابتة و ليست منسجمة، فالأنماط الغذائية، كما هو الحال بالنسبة لأي دينامية اجتماعية، لا تتحول دائما بنفس الطريقة.

إن تحولات الغذائية هي عبارة عن  سيرورة تقارب  وتضارب مجموعة من الظواهر بين الحاضر والماضي، ويرجع رصد هذه السيرورة إلى جودة ووفرة المعطيات التي تم تحصيلها.

إن اهتمام العلوم الاجتماعية بموضوع التحولات الغذائية كان دوما يتم من خلال طرح أسئلة تقليدية: كيف تحدث التحولات الغذائية؟ ما هي طبيعتها ؟ كيف نميز بين التحولات الظرفية والبنيوية ؟ بين التحولات المحلية والكونية؟ ماهي مكامن الثبوت والتحول في الظاهرة الغذائية كمثيلتها من الظواهر الاجتماعية؟.

إلا أن الجواب على هذه الأسئلة يرجع إلى التخصص وزاوية النظر التي يرصد الباحث من خلالها الظاهرة الغذائية، فإذا كان الباحث في الموضوع يركز مثلا على الجانب البيوسيكولوجي، سنراه يميل إلى تحليل النسق الاقتصادي وأثره في السوق، الإعلام وتشكيل المخيال الجمعي.

 كما أن الانطلاق من الظاهرة الغذائية كظاهرة كلية،  يقود إلى مقاربة   تحول أو استمرار بعض الممارسات الغذائية، كناية عن الحديث عن تحول الشروط الاجتماعية التي تنتجها والتعديلات التي أضفيت عليها من قبل الفاعلين الاجتماعيين. 

يرى جاك كودي في ذات الإطار أن هناك بعدا خاصا يميز كل المقاربات الاجتماعية المتناولة لموضوع الغذاء وهو البعد الزمني والمجالي، الدياكروني والسانكروني، الأنثربولوجي و التاريخي، لهذا تستدعي دراسة تحولات العادات الغذائية  تدخل عمل المؤرخ. 

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *