خارج الحدود، سياسة

احتجاجات أمريكا تعيد أحداث “الربيع العربي” إلى واجهة التواصل الاجتماعي

على وقع المئات من الاعتقالات، جرى بالولايات المتحدة الأمريكية، الخميس، تنظيم مراسم تأبين الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، بعد أزيد من ثمانية أيام من المظاهرات المنددة بوفاته، اختناقا تحت رجل الشرطي الأمريكي وهو يردد “لا أستطيع أن أتنفس”، وهي الصورة التي أعادت ذاكرة المشاهد المغربي إلى “طحن” المواطن محسن فكري في حاوية للأزبال، وأعيد إحياء الذاكرة بتداول صور له.

فلويد الذي لقي حتفه يوم 25 من الشهر الحالي، أشعل لهيب الغضب لدى مواطنين في أمريكا، وفرنسا، وغيرها من الدول، التي خرج مواطنوها في احتجاجات، منددين بمظاهر العنصرية في المجتمعات الغربية، غير آبهين بفرض التجول، وغير مبالين بإجراءات التباعد الاجتماعي المعلن عنها من قبل السلطات للحماية من تفشي فيروس كورونا.

وعلى وقع هذه الاحتجاجات، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، العربية، بإبراز مظاهر الشبه بين الغضب الأمريكي، وما كان يحصل خلال الاحتجاجات العربية قبل عشر سنوات، من صلاة جماعية في الساحات، وتنظيف لفضاء الاحتجاج آخر النهار، فضلا عن تعزيز مبادرات توزيع الماء بين المتظاهرين، وحمل لافتات تطالب بالحرية والعدالة وإصلاح القضاء، وأيضا من مظاهر عكسية من قبيل قمع المتظاهرين، وبروز مظاهر العنف والشغب وعمليات السرقة.

وكتب جبرائيل باني باحث مغربي في العلوم سياسية، على حسابه في “فيسبوك”، “إذا تظاهرت الشعوب العربية من أجل أبسط الحقوق ستجد التهم جاهزة كتخريب الممتلكات والإرهاب، ويتدخل كل العالم لشيطنة كل حراك سلمي، وزرع العملاء وقيام حروب بالوكالة تجعل البلد يرجع مئات السنين إلى الوراء”، مشيرا إلى أن “المتظاهرين في الغرب اليوم أمام فرصة تاريخية لقلب الموازين وإعادة تصحيح المسار الديمقراطي والحقوقي للثورة الفرنسية”.

وأردف “إن مقتل جورج فلويد أعاد التضامن والتكافل ببن كل شعوب العالم ضد العنصرية، زالت كل الحدود حيث رأينا مظاهرات وفعاليات للتضامن في مختلف بلدان العالم، في أكبر إشارة إلى أن أنانية كورونا زائلة، وأن لا شيء سيضمن سعادة الشعوب ورفاهيتها سوى التضامن والوقوف إلى جنب بعضهم “.

فيما قالت ريام المفرجي الباحثة العراقية في القانون العام والعلوم السياسية، إن “معطيات الربيع العربي ومسبباته تختلف عن المعطيات الأمريكية من ناحية الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إذ أن الربيع العربي بانطلاقته كانت هنالك أرضية وتراكمات أدت إلى انفجار الوضع، أما الوضع الأمريكي مختلف، خصوصا بما يخص مشكلة العنصرية، لأن امريكا كدولة تجاوزت هذه المشكلة منذ زمن، لكن تم إعادة استخدامها واستثارة مشاعر الناس، إما خارجيا للضغط على الولايات المتحدة أو داخليا للانتقال لمرحلة قادمة ضمن السياسة الأمريكية الخارجية”.

وأوضحت الباحثة العراقية في حديثها مع جريدة “العمق”، “لتقريب الفكرة يمكن العودة إلى أحداث 11 سبتمبر،  زوبعة ذهب ضحيتها 3000 مواطن أمريكي لغرض تمرير خطة الشرق الأوسط الكبير وغزو العراق”، مشيرة “أعتقد أننا في الفترة القادمة سنشهد صراع أمريكي صيني، وإن اختلفت الطرق لكن الغاية واحدة، هو التنافس على زعامة العالم أما الأوضاع بالشرق الأوسط ستبقى على ما عليه مع بعض التسويات بين بعض الدول العربية، أولها الخليج بعد الأزمات الأخيرة التي شهدتها السياسية الخليجية بين الإمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى”.

القضية الفلسطينية تعود للواجهة

العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، مصر، وغيرها من الدول عاشت الاحتجاجات وجربت ويلات الحرب، ولازالت إلى الآن تقاوم باحثة عن صبيب أمل للعيش، قال عدد من مواطنيها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن الاحتجاجات الأمريكية ما هي إلا “دليل على أن الزمن يدور”، رغم اختلاف الدوافع والأسباب والنتائج، إلا أن عددا من المواطنين من مختلف الدول العربية أعربوا عن “شماتتهم” في الوقت نفسه الذي أعربوا عن تضامنهم مع جورج فلويد، منددين بالعنصرية.

ففي واشنطن، احتج المئات أمام البيت الأبيض بسلمية، قبل أن تقوم مجموعة منهم برمي عبوات المياه على عدد من العناصر الأمنية، فتجمعت الشرطة ووقفت في مواجهتهم، وفي سياتل، وقف المئات في مواجهة الشرطة حاملين المظلات لحماية أنفسهم من الأدوات التي تستخدمها الشرطة لمواجهة الحشود، كالغاز المسيل للدموع، في مشهد أعاد إلى الأذهان مشاهد الاحتجاجات المصرية.

وفي أتلانتا، استخدم أفراد الشرطة والجيش الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد كبير تجمع قرب “سانتانيال أولمبيك بارك”. وألقى المتظاهرون الزجاج، وأطلقوا المفرقعات النارية باتجاه عناصر الشرطة لتتدخل الشرطة باستخدام القوة، ما دفع بالحشد إلى التفرق بعد وقت قصير، مما ذكر المشاهد العربي فيما جرى بلبنان.

من جهته، سيف الدين جرادات الباحث الفلسطيني في الدراسات القانونية والدبولماسية، أكد بأن ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية بوصفه سياسة عنصرية ضد السود يحصل كل يوم في فلسطين المحتلة وعلى نطاق واسع، فبعد حادثة قتل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس خرجت الولاية  كاملة للمطالبة بالعدالة له، أعقبتها أكثر من 30 ولاية داعمة ومطالبة بتحقيق العدالة، في المقابل في فلسطين، قتل الاحتلال الصهيوني رجل، ومسن، وامرأة، وفتاة، وطفل، وشاب، وشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة “إياد الحلاق وهو مصاب بمرض التوحد”، ودمر المنازل وجرف الأراضي وفرض حصاره على القرى والمدن ونصب الحواجز التي تعيق حركة المواطنين الفلسطينيين، وهذا فقط خلال فترة لا تزيد عن شهر، كل هؤلاء لم يجدوا أي حراك يطالب لهم بالعدالة”.

وتساءل جرادات، في حديثه مع جريدة “العمق” لماذا تحرك الشارع الأمريكي، وما زال الشارع الفلسطيني على وجه الخصوص والعربي على وجه العموم لم يتحرك؟ مردفا “ربما هي أسباب كثيرة تساهم في تأخير الحراك الشعبي الفلسطيني والعربي والثورة ضد الاحتلال وسياساته العنصرية، منها ما هو متعلق بطبيعة الاحتلال، ومنها ما هو متعلق بحجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ومنها ما هو متعلق بطبيعة الأفكار التي سممت العقول العربية بشكل عام”.

وأضاف الباحث الفلسطيني، “غير أنه وفي هذا السياق يمكن القول إن الظلم والاستبداد والعنصرية التي مارسها الاحتلال الصهيوني، ومازال، في فلسطين لا يمكن أن تولد إلا ثورة طالت الفترة أم قصرت، كما حصل في كل المجتمعات التي عاشت ذات التجربة” مشيرا  لدول جنوب أفريقيا، “وكما هو حال المجتمع الأمريكي اليوم، الذي انتفض ضد العنصرية وليست حادثة جورج فلويد هي الأولى من نوعها”.

المواطن الأميركي من أصول إفريقية جورج فلويد، الذي لقي حتفه تحت أقدام شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس الأميركية، ليس بأمر يحصل للمرة الأولى في الولايات المتحدة، التي شهدت في السنوات الماضية عدد من الحوادث المشابهة، التي كانت في كل مرة تشعل الإحساس بالعنصرية، غير أن المستجد في حادثة فلويد، هو استمرار الاحتجاجات في الشوارع الأمريكية لأزيد من أسبوع، رغم الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم من تفشي فيروس كورونا، ورغم ارتفاع عدد الحالات بأمريكا.

ويواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عصيانا مدنيا، في ولايته مع احتجاج آلاف الأميركيين على العنف الذي مارسته الشرطة، وفي محاولته لتهدئة الأوضاع، اختار التوجه، مساء الإثنين، سيراً على قدميه من البيت الأبيض إلى كنيسة سانت جون المجاورة لمقر الرئاسة، التي مستها أعمال تخريب ليلة يوم الأحد، واقفا أمام المعلم رافعا بيمناه الإنجيل وقائلا “لدينا أعظم بلد في العالم وسوف نضمن أمنه”، قبل أن ينضم إليه كل من وزير العدل بيل بار، غير أن محاولات التهدئة هذه باءت بالفشل، في ظل زيادة توافد المتظاهرين للاحتجاج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *