وجهة نظر

على ضوء الانتخابات الجزئية بجهة وادنون.. القبيلة والحزب

يقول هشام شرابي في كتابه النظام الأبوي ومشكلة تخلف المجتمع العربي متحدثا عن النظام الأبوي و بنية القبيلة داخل المجتمع العربي:” تكمن الدينامية البارزة للبنية القبلية في العصبية، وهذا منحى سلبي، إذ تقوم بادئ ذي بدء بالفصل بين الأنا والآخرين، ثم وعلى مستوى أعلى، تقسّم العالم إلى نصفين متعارضين، القرابة واللاقرابة، العشيرة والعشيرة المعادية لها….وهكذا و بالنسبة إلى العصبية فإن التجاذب القائم على روابط الدم يتقدم على أي علاقة أخرى.”(ص 47)، ليضيف “إن الأخلاق العصبية بسيطة و محدودة، فالالتزامات داخل البنية القبلية محددة بدقة، أما خارج تلك البنية فليس هناك التزامات أخلاقية أو اجتماعية محددة بوضوح، ما عدا تلك الطارئة أو التعاقدية منها.”(ص47)

تظل القبيلة الجانب المفضل في طبيعة التحكم لدى النظم العربية ( البدوية أو التقليدية)، وفي صناعة المشهد السياسي الصوري ( برلمانات و مجالس محلية)، بل تصبح القبيلة في بعض الأحيان البديل للقانون في حل مشاكل المواطن اليومية ( نزاع فردي، تجاوزات مرورية، مباريات وظيفية أو تعليمية…)، و هو ما يكرس سلطة القبيلة لدى الفرد ( المدني الذي تظل أعماله ضمن نطاق المسؤولية الجماعية للقبيلة) مهما كانت درجة وعيه و رغم سيرورة التحديث و الانتقال نحو مجتمع مدني صوري، تأقلمت مع طبائعه هذه المؤسسة إلا أنها مازالت حاضرة بشكل رمزي و موجه للقيم و الممارسات ( هذا في المجتمعات الشبه مدنية).

الشاهد في هذه المقدمة، ما وقع في الانتخابات الجزئية للمقعد الشاغر بمجلس المستشارين بجهة واد نون (جرت بتاريخ 18 يونيو 2020)، حين غابت المؤسسات الحزبية عن المشهد لا من حيث التأطير و لا الحشد و لا التصويت ، لينتقل منتموها من الوعاء الحزبي ( ظاهريا و هي حالة من التقية المؤسساتية) إلى مؤسسة القبيلة كحاضنة للعملية و متحكمة في فصولها بشكل يكاد يكون مطلقا، حيث تحدثت عنه بعض الصفحات و المواقع من ممارسات مشبوهة كشراء أصوات و هي أمور لم تثبت رسميا.

حضرت القبيلة كما العادة و حضرت معها السلطة الأبوية ( النظام الأبوي) المتمثلة في سلطة الانقياد و التبعية لرئيس الجماعة ( القروية أو البلدية) مثلا كمتحاور وحيد لمنح الثقة و التصويت ضمن صفقات ( تعاقد عصبي أو تبعا لمصالح متبادلة)، هذا ما يفسر ربما تصويت مستشاري جماعات بعينها لشخص محدد دون أدنى معارضة بالمقابل.

وسط هذا الواقع الانتخابي البائس، كانت الحالة المؤسساتية الوحيدة، هي للطرف المعارض و الذي حصل على سدس الأصوات، ليزاوج بين منطق الولاء للحزب ( القوة التنظيمية) و منطق ” العصبية أو الضدية” ( النصف الأخر)، وهي سمة لحزب كسر منطق الولاء لمؤسسة الأعيان التي احتكرت المشهد السياسي في الجهات الثلاث، و حقق نتائج ملموسة في الاستحقاقات السابقة تؤشر على تغير مجتمعي (المتغيرات الاقليمية بعد 2011، نسبة التمدن، البحث عن بديل، القوة الشبابية…)، لكنه يبقى فوزا نسبيا تؤطره و تحد منه عوامل شتى، لا نعرف هل ستمكنه من الفوز مستقبليا أو سينحسر مع الاستحقاقات القادمة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *