أدب وفنون

طفولة مبدع”… فوزي: “كان في بيتنا حمار” أحببته والتحمت معه إلى حد بعيد

“طفولة مبدع ” هي نافذة نلتقي من خلالها مع المبدعين المغاربة للحديث عن عوالم طفولتهم، وتأثيرها على كتاباتهم، وما الذي بقي راسخا في الذاكرة من ذلك الزمن البعيد، وملامسة حضور تيمة الطفولة في نصوصهم الإبداعية، هي نوستالجيا لزمن البدايات في دروب الحياة.

حلقة اليوم مع الشاعر و الناقد المغربي عبد الغني فوزي، من أعماله  ديوان “هواء الاستدارة ” عن مطبعة تنمل مراكش، وديوان ” عالقا ببال الحافة” ، صدر له كذلك ديوان “حطب بكامل غاباته المرتعشة”، ومجموعة من المقالات والنصوص ضمها في كتابه “الهوية المفتقدة “، وفيما يلي نصه الذي وسمه بعنوان” مناديل الطفولة”:

1 -كلما فتحت بابا على طفولتي، إلا وأصبت بكثير من الحرج واضطراب أركان الداخل، ببساطة لأني ابتعدت بالقسر والسلخ عن العديد من قيم ماضي الأول، ماضي العفوية والالتحام مع الطبيعة والآخر دون وسيط أو سنن، وعليه فحين أغوص في ذاكرتي، أحس ـ في قرارة نفسي ـ أن هذه الأخيرة مشروخة عن آخرها بين مد وجزر ، بين الانطلاق والجدار ، بين حرية المخلوق وحبس السلط، بين الأنا والآخر .

2- كان طفلي يستكين للصمت والتراخي، يلعب ليل نهار بين المزابل والتراب العاري ضمن جماعات من الأطفال، تختلق السيوف من القصب، والحمير من الأعواد. وبالمناسبة كان في بيتنا حمار أحببته والتحمت معه إلى حد بعيد، أعود إليه بعد عبء المدرسة الثقيل نظرا للمعلمين القساة والجفاة الذين أسسوا للخوف بدواخلنا عوض قيم المعرفة والجرأة…أعود للحمار التائه في التعبير، أقول كلما عدت من تلك المدرسة إلا وصاحبته ركوبا للتجول بالحقول المجاورة، وأحيانا آخذ معي بعض الأصدقاء للصيد بوسائل بسيطة، وفي الغالب لا نلوي على شيء…نعود لاهثين لنختبىء ليلا في الليل، وبالنسبة لي كنت ألوذ بحضن جدتي ـ أم الأب ـ عوض أمي، أتلذذ بلمساتها وعطفها علي، وفي آنه أصغي لحكيها حول ” الأرض والزمن الحار “.

والغريب أن هذه المرأة تقضي الليل كله أنينا تحت ضربة مرض الرأس، وكان يبكيني ذلك كثيرا، وكم بحثت عن الخالق لأقتله ببراءة الطفولة، لأنه فيا بعد أخذ مني جدتي، وأتلف حضني، وأظن أن سؤال الموت كان دافعا حقيقيا للكتابة لتبديد اليتم والتموقع حياة في الموت …

3- كان يخيفني الظلام، أتصوره آنذاك كتلة من الأشباح الليلية، وبالتحديد أخاف صمت المقابر ليلا، وبالتالي، أنتظر كلما مررت محاذيا لمقبرة ما صحوة الأموات وتحلقهم حولي، غير أني كنت أبدد ذلك بسهر الأعراس ـ على طبيعتها البدوية ـ واتخاذ أولى المقاعد الحجرية أمام ” اعبيدات الرمى ” المتجولين بين الدواوير والقرى.

أشياء كثيرة تقع تحت جنح الظلام : طفل ينكح صاحبه دون مبرر للجنس، وثان ينكح حمارة في مشهد ساخر، وثالث يدخن ” الكاغيط “، ورابع يغني بلكنته البدوية، ولا أدري أين كنت بينهم ؟….

4- أية الطفولات كنت ؟، أقول كأي طفولة محرومة، لاهثة، ضالة ضمن وضع الأسرة المغربية المختل على أكثر من صعيد، طفولة تبحث عن أفق جماعي للاحتضان.

والآن تأكد أن لا أفق إلا ما يصنع ويقنن له ـ مخافة تسرب الرياح والأمزجة ـ تحت سلطة الإيديولوجيا وإفحام السلط، لو عدت لطفولتي، لاخترت الغرق في إحدى مغامراتها كغرق صديقي آنذاك في أحد الوديان …فمهما كانت طفولتنا محرومة وبئيسة، فإنها غنية الداخل والدواخل بدفء الحكايا وحنو الحضن، وطرائف الأصدقاء المشاغبة، ويغلب ظني، أن لا كينونة بدون طفولة، أعني بدون بدايات وتشكلات أولى، الطفولة التي أتحدث عنها بالتأكيد هي جماعية، فلنحيا قيم هذه الطفولة في حاضرنا دون خبث العلاقات وقتل لعفويتنا الأولى ؟ وهو ما يقتضي القول إن الكينونة هي التجذر في الحياة، والتأسيس الدائم لأفق إنساني يستوعبنا ونتنفسه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *