مجتمع

كوفيد 19 .. حجر مضاعف على المهاجرين من جنوب الصحراء بالمغرب (فيديو)

مهاجر إفريقي بالمغرب

مريم التايدي – الرباط

أقلام مسموعة · كوفيد ١٩ حجر مضاعف على المهاجرين الغير نظاميين بالمغربفي صباح من صباحات آبريل (منتصف مرحلة الإغلاق التام الذي شهدته العاصمة الرباط، حيث فرضت السلطات المغربية حجر صحيا لثلاثة أشهر منذ 28 مارس/ آذار 2020)، حين كانت العاصمة المغربية الرباط تكاد تظهر مهجورة من سكانها، والرياح تزمجر في جنبات شوارعها الفارغة، بينما كنا نقوم بجولة لتغطية سلوك المواطنين الاستهلاكي خلال فترة الحجر، كان الجو عاصفا والأمطار تتهاطل بغزارة، في وقت لاذ فيه معظم سكان العاصمة إلى بيوتهم وقد اكتنزوا ما اكتنزوه من مواد غذائية ومعقمات، لفت انتباهنا بعض المهاجرين من جنوب الصحراء في العراء، يتسولون ما يسدون به الرمق، كان وضعهم باديا لكل من اضطر للخروج، وكان البعض يتعاطف معهم فيمدهم ببعض المقتنيات والغذاء، أو دراهم معدودات. ومن رصد تلقائي كان يظهر على بعضهم عدم ولوجه لأبسط شروط الحماية.

مواجهة بمكنسة

مهاجر إفريقي بالمغرب

يتذكر كاران نييا (مهاجر من الكامرون/ 37 سنة) أيام الإغلاق التام بالكثير من الأسى، ويقول بآهات مسموعة وبريق في عينيه لم تخفيه ابتسامة عريضة ظل يحرص عليها طيلة لقاء أجريناه معه بعد الحجر “عانينا كثيرا، لولا عناية الله، كان من الممكن أن نكون بالشارع، لم نستطع شراء حليب للصغير، ولا شراء الأكل ولا دفع الإيجار..”.

يتابع كران وهو يفرك يديه ليخفي التوتر ويبقى متماسكا “بقينا في الحجر المنزلي لا نخرج، ولا نعرف ماذا نفعل”، إلا أن كاران سيختار المواجهة بدل الخوف، حكى لنا كيف ابتاعت زوجته لأجله مكنسة، وقالت له “امسك، تشجع وربي سيساعدك”. حمل كاران، الذين يناديه معارفه من المغاربة كريم، مكنسته وتشجيع زوجته والكثير من القوة والصبر، وجاب ممرات وأزقة الأحياء، ينظفها دون كلل. يقول كاران بثقة وصمود “كل انسان فوق الأرض له كرامة، لم يكن سهلا القيام بذلك، لكن حين تكون لديك أسرة يجب أن تعولها، تتحمل كل الصعاب”.

ويتابع كاران وزوجته ترمقه في غرفتهما الصغيرة المقسمة بستار من الثوب يفصل بين فراش النوم وبعض اللوازم تستعمل كمطبخ وغرفة معيشة وجلوس وربما ينام فيها الطفل الصغير الذي لا يتجاوز السنتين، “خرجت أول يوم وعدت بما نسد به الجوع، من عطاء الناس من درهم إلى عشرة وفرت عشاء أسرتي”.

المكنسة أنقذتني


بعد انقضاء الإغلاق التام استمر المغرب في فرض وضع الطوارئ الصحية، واستمر كاران في عمله بأريحية أكبر، خصص لكل حي يوم من الأسبوع وأصبح تنظيف الأزقة عمله الذي يقوم به بفخر.

بقوة ذهنية ومرونة نفسية يستطرد كاران أن تنظيف الشوارع وأخذ المساعدة من الناس، قد يبدو مخجلا أو ماسا بالكرامة من جهة، لكنه من جهة أخرى غذى الإنسان بداخله وحافظ على كرامته حيث مكنه من دفع إيجار غرفة تحفظ خصوصيته، ومكنه من شراء حليب وحفاظات من أجل ابنه. ليعود للتأكيد أن المكنسة أنقذته من الموت جوعا في ظل كوفيد19 وما فرضه وضع الطوارئ من عزلة مضاعفة وانسداد سبل الرزق والعمل، وأنقذت أسرته من المبيت في العراء.

يقول كاران “أواجه تبعات فايروس كورونا بالكثير من الإيمان، أحمل مكنستي وأنظف حيثما وجدت، أعرف شيئا واحدا أن المكنسة أنقذتني”.

حجر مضاعف

مهاجر إفريقي بالمغرب

قصص كثيرة عاشها المهاجرون من جنوب الصحراء، قصص من عرق ودمع وقهر على الطرقات. مروا بطرق صعبة، وظروف عصية، ليرسو بهم المسير على أرض المغرب. منهم من استقر ومنهم من هو في مرحلة انتظار واستكمال الرحلة نحو فردوس راود الكثير منهم في أحلام وردية، قبل أن تسود على الطريق.

تتفاوت وضعياتهم بين الاندماج السلس عبر العمل، إلى التشرد والتسول والعيش على هامش الحياة. تشبثوا بكثير من الأمل في غد أفضل، قبل أن يداهمهم كغيرهم وحش متناهي في الصغر شديد في الخطر، ويضعهم فايروس كورونا في بوتقة التدافع بين الحماية من العدوى والتزام الحجر والنجاة من الموت جوعا.

وإن كان فايروس كورونا قد هدد الإنسانية جمعاء، وتداعيات الحجر والإغلاق مست العديد من القطاعات والفئات، ففئة المهاجرين من جنوب الصحراء بالمغرب اعتبرت الأكثر هشاشة والأكثر تضررا لأن الفايروس ضاعف من معاناتهم المعهودة، وفرض حجرا على حجرهم، وجعل في الكثير من الحالات عزلتهم مضاعفة.

مؤشرات معاناة إضافية

مهاجر إفريقي بالمغرب

خلصت دراسة حديثة أصدرها المعهد المغربي لتحليل السياسات تحت عنوان “المهاجرون غير النظاميين وكورونا: المعاناة المزدوجة” إلى أن المهاجرين جنوب الصحراء غير النظاميين يعدون إحدى الفئات الأكثر هشاشة في البلاد.

وفي حديث مع الصحفي والباحث محمد كريم بوخصاص الذي أعد الدراسة، يوضح أن فئة المهاجرين تعاني من مظاهر الهشاشة قبل كورونا تتمثل في انعدام وغياب الوصول للمقومات الأساسية للعيش من مأكل والمشرب ومأوى، على اعتبار أن أغلب المهاجرين يقيمون في مخيمات عشوائية تفتقر لأبسط المقومات، أبرزها انعدام الأمان، ومن يقطنون بالمدن منهم يسكنون في مجموعات ويتكدسون في الشقق.

ويضيف بوخصاص أن المهاجرين الغير نظاميين يعانون من صعوبة الولوج للعلاج، رغم التوجيهات للمستشفيات باستقبالهم، وتتفشى في أوساطهم بعض الأمراض نتيجة الاكتظاظ وغياب النظافة. ومن المؤشرات أيضا يرصد بوخصاص امتناع المغرب عن تشييد مراكز الإيواء الخاصة بالإضافة إلى الترحيل داخل البلد وما ينطوي عليه من مخاطر، وكذا تربص شبكات التهريب بهم.

مهاجر إفريقي بالمغرب

وترصد الدراسة مؤشرات ميدانية حول تفاقم أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال أشهر الحجر الصحي مثل عدم تسليم السلطات وثيقة التنقل الاستثنائية إليهم على غرار المواطنين المغاربة. وتقلص عمل جمعيات حماية المهاجرين خلال أشهر الحجر الصحي. ثم استثناء المهاجرين من الاستفادة من الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة.

يقول كاران إنه لا يتسول، بل يعمل ويتلقى مقابل من المارة ومن السكان الذين استحسنوا ما يقوم به، وهو يبذل مجهود فيه، ويأكل من عرق جبينه.

يعد كاران أن يلتزم بالعمل إن وجده، فهو كان قد تخصص في دراسة تصميم البناء والمنشآت في موطنه قبل الهجرة، مؤكدا أن لا أحد يسعد بالتجول بالشوارع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *