أخبار الساعة

دراسة غريبة عن الجوع.. هذا ما يتمناه كل إنسان

حرمان النفس من الطعام لدرجة قريبة من التجويع لا تبدو فكرة جذابة، إلا أنه بإمكان ذلك أن يطيل من عمر الإنسان ويمنع ظهور الأعراض المرتبطة بالتقدم بالسن.

وأظهر تحليل مشترك لدراستين أجريتا لفترة زمنية طويلة، أن تقليل استهلاك السعرات الحرارية هي آلية فعّالة لإطالة أعمار القرود، ما يشير إلى إمكانية أن تكون التقنية فعالة على البشر.

ومع ذلك، فإن استمرار الحاجة للمزيد من الدراسات قبل التيقن من أن النتيجة نفسها تنطبق على البشر، يفضل تجنب القيام بأي تدابير جذرية لتغيير الأنماط الغذائية في الوقت الراهن.

وأظهرت دراسة مشتركة من جامعة ويسكونسون ماديسون والمعهد الوطني للشيخوخة أن الحد من السعرات الحرارية المستهلكة باستطاعته تحسين الصحة وإطالة الحياة عند قرود المكاك الريسوسي.

وتساعد الدراسة الجديدة المنشورة في دورية “نايتشر كمينويكايشونز” العلمية في حل أحد أكثر مجالات البحث المثيرة للجدل في أبحاث الشيخوخة والتقدم في السن، كما تفسر كيف يعمل تقليل استهلاك السعرات الحرارية في الحيوانات التي تتبع لرتبة الرئيسيات، مثل: الإنسان والقرود.

ولاحظ الباحثون في الثلاثينيات من القرن العشرين أن الفئران التي حرمت من الطعام عاشت لوقت أطول من التي حصلت على تغذية جيدة. وكان ذلك أول الأدلة التي أظهرت أن التقدم في السن “الشيخوخة” هو عملية بيولوجية يمكن تغييرها.

وأعطت دراسات أخرى أجريت على الخميرة نتائج مماثلة، معززةً بذلك صحة مقولة إن كمية السعرات الحرارية المستهلكة مرتبطة بالصحة وطول العمر.

ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي، حاول العديد من فرق الأبحاث إثبات هذا الإدعاء من خلال إجراء تجارب على الحيوانات عادةً من خلال تقليل كمية السعرات الحرارية الطبيعية المستهلكة. والأهم أن هذه الحيوانات لا تتضور جوعًا ولا تعاني من سوء التغذية لكن كانت قريبة جدًا من نقطة “التجويع”.

وفي دراسة مهمة نشرت عام 2009، أظهر فريق من جامعة ويسكونسون ماديسون أن تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة منح قرود المكاك فوائد كبيرة، وحسن من قدرتها على البقاء وساعد في تجنب الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتقدم بالسن كالسرطان وأمراض القلب ومقاومة الأنسولين.

وبعد مرور ثلاثة أعوام، أشار فريق من المعهد الوطني للشيخوخة إلى عدم وجود تحسن ملموس في معدلات القدرة على البقاء ضمن القرود، لكنهم لاحظوا وجود ميل لتحسن الصحة.

وأشارت العالمة روزالين أندرسون من المعهد الوطني للشيخوخة وهي أحد مؤلفي التقرير في تصريح لها أن “النتيجتين المتضاربتين ألقتا ظلالاً من الشك على قدرة ترجمة نموذج تقليل السعرات الحرارية المستهلكة كطريقة لفهم التقدم بالسن وأسباب قابلية الإصابة بأمراض مرتبطة بالعمر”.

ومن أجل الدراسة الجديدة، اجتمع الفريقان البحثيان المتنافسان للعمل معًا لمحاولة معرفة سبب اختلاف نتائج دراساتهما. وفي سبيل ذلك، بحثا في بيانات جُمعت خلال الأعوام الماضية، بما في ذلك دراسات أجريت على قرابة 200 قرد. وأظهر تحليلهما أن الحد من كمية السعرات الحرارية المستهلكة يساعد القرود حقًا على التمتع بحياة أطول وأكثر صحة، كما أكدا وجود اختلافات جذرية في الدراستين؛ ما جعل نتائجهما غير مترابطة.

وكان أحد الاختلافات في الدراستين أن قرود المكاكا التي عُرّضت لتقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة في الدراستين كانت من فئتين عمريتين مختلفتين.

وتبين أن تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة مفيد للحيوانات الرئيسة البالغة والأكبر سنًا لكن ليس للرئيسيات من الفئة العمرية الصغرى، إذ إن النتيجة في الرئيسيات مختلفة عن القوارض التي تتأثر بتقليل كمية السعرات الحرارية حتى في سن مبكرة، من ناحية إطالة العمر وتحسين الصحة.

واكتشف الباحثون -أيضًا- أنّ كمية الطعام المستهلك لم يكن ثابتًا ضمن مجموعات الاختبار والمقارنة المختلفة، وأن أصغر الاختلافات في كمية الطعام المستهلك في الرئيسيات أثر على التقدم في السن والصحة.

وعلى صعيد متصل، اكتشفوا أن نوعية الطعام الذي قدم للقرود تنوع كثيرًا واختلف بين الدراستين. في حين غذيت القرود من المعهد الوطني للشيخوخة أطعمة من مصادر طبيعية، بينما تناول القرود من جامعة ويسكونسون ماديسون طعامًا مصنّعا يحتوي على نسبة أعلى من السكر. وأدى هذا إلى جعل القرود من مجموعة المقارنة والضبط  أكثر بدانة في جامعة ويسكونسون ماديسون من قرود مجموعة المقارنة والضبط في المعهد الوطني للشيخوخة.

ووجد الباحثون -أيضًا- أن التقليل المعتدل لكمية السعرات الحرارية المستهلكة يعد فعالاً أيضًا، إلا أن تقليل استهلاك الطعام بشكل حاد لم يكن مفيدًا لصحة القرود؛ ففي دراسات تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة، يعد التقليل بنسبة 20% خفيفًا، و30% متوسطًا، و50% شديدًا.

وفي تجربة جامعة ويسكونسون ماديسون، عاشت القرود لفترات أطول بكثير من قرود مجموعة الضبط، إذ عاش الذكور الذين اتبعوا حمية غذائية منخفضة السعرات الحرارية لمدة سنتين إضافيتين بينما عاشت الإناث المتبعات لتقليل كمية السعرات الحرارية مدة 6 أعوام أطول. كما أظهرت القرود انخفاضًا في معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض القلب.

والآلية التي يعمل فيها تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة في إطالة العمر لا تزال موضع نقاش. وتتضمن العوامل المساهمة التي حددها العلماء في انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية، وانخفاض في الانقسامات الخلوية ومعدلات “أيض” منخفضة، وانخفاض تلف الحمض النووي.

فيما أشار الباحث جاي أولشانكسي المختص في الشيخوخة من جامعة شيكاغو في ولاية إلينوي والذي لم يكن مشاركًا في الدراسة إلى أنه “لم يسبق وأن اجتمع فريقان بحثيان معًا هكذا وجمعا بياناتهما وعثرا على طريقة لتفسير استنتاجاتهما المختلفة، أصبح بإمكاننا إضافة تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة إلى مجموعة التدخلات المحتملة المصممة لتمديد فترة الحياة الصحية للإنسان.. لكن حتى الآن لا توجد أسباب تدفع للاعتقاد بأن تمديد الحياة الصحية يعني تمديد العمر أيضًا”.

ويشير أولشانكسي إلى أنه لم يثبت للآن بأن تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة يعمل عند البشر بآلية عمله نفسها عند القرود، إلا أننا يقول أولشانكسي “نملك أسبابًا تدفعنا للتفاؤل بأن تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة ينتج عنه فوائد صحية وإطالة في عمر الإنسان”.

ولم يتم التخطيط لإجراء أي تجارب على البشر للآن، لكن بدأ بعض الناس في تبني تقنية تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة بالفعل. ويقدم الموقع الإلكتروني “CR Society International” معلومات ومصادر للأشخاص المهتمين بالتقنية.

من جانبه، يشعر كيفين بيروت، مدير مؤسسة ” SENS” بالحماسة تجاه النتائج ويقول إن هذا العمل ينبغي أن يكون مصدر إلهام للمختبرات التي تعمل على المشكلة نفسها.

وأفاد لموقع “غيزمودو”، أن نقص الشفافية وتبادل المعلومات في المراحل الأولية لتخطيط التجارب ينتج عنه تأخير يكلف في نهاية المطاف الحياة ويتسبب في توقف التقدم لعقود بينما يكافح المجتمع العلمي من أجل الحصول على تمويل لتكرار النتائج. ولو كانت التجارب السابقة منسقة وتمت مشاركة المعلومات في مرحلة تصميم التجارب لكُنا حصلنا على هذه المعلومات نفسها في وقت سابق”.

بينما يشير عالم الشيخوخة الحيوي أوبري دي غري إلى أن هذه الدراسة تتخلص من التناقضات الموجودة في الدراستين، لكنه قلق من أن يتم المبالغة بالفوائد الصحية للتقليل من كمية السعرات الحرارية المستهلكة.

وقال دي غري متحدثًا لغيزمودو: “للأسف، هذه الدراسة ترسخ من الاستنتاج الذي اختار الكثير من العاملين في المجال التقليل من شأنه، وتحديدًا الأثر على إطالة العمر، وحتى الأثر على الصحة، الذي أنتجه تقليل كمية السعرات الحرارية في القرود مقاسًا كنسبة من العمر حيث لن يرتقي بنسبة قليلة من أثره على القوارض.

وهذا الاستنتاج متنبأ به بقوة من قبل نظرية التطور الأساسية، لذلك يعد تأكيد هذه الدراسات الطويلة والشاقة مثلجًا للصدر على نحو ما، إلا أنه يزرع الشك في قيمة الكثير من الجهود الجبارة لتحديث “محاكيات تقليل كمية السعرات الحرارية المستهلكة” التي يمكن استخدامها على البشر.

ومن خلال “محاكيات التقليل من كمية السعرات الحرارية المستهلكة”، فإن دي غري يشير إلى رتبة افتراضية من المكملات الغذائية أو الأدوية التي تستنسخ آثار اتباع نظام غذائي مقيد للسعرات الحرارية.

ومن الجدير بالذكر أنه ليس من الواضح مباشرةً إذا كانت هذه العقاقير ممكنة، أو إن كان لديها أثر قابل للقياس على الصحة وإطالة العمر.

ومثل مناصرين آخرين لأصولية إطالة الحياة، فإن دي غري يعتقد بأن تدخلات أكثر بالمواد ستكون ضرورية لوقف الشيخوخة وآثار التقدم بالعمر، وليس مجرد دواء يحاكي ظاهريًا آثار “التجويع”.