وجهة نظر

لماذا لا يثق بن كيران في كفاءات حزبه لتسيير وزارة الصحة

كلما حانت ساعة توزيع الحقائب الوزارية على الأحزاب و الشخصيات المقترحة يراود موظفي الصحة و المهتمين بالشأن الصحي ببلادنا سؤالا مألوفا عن اسم و لون حزب الوزير الجديد و معه تُطرح أسئلة أخرى عديدة قبل تشكيل الحكومة. 

لماذا يتردد و يخاف أو يرفض السيد بن كيران أن يكون على رأس وزارة الصحة أحد أعضاء حزبه ؟؟؟ هل لأنه يثق ثقة عمياء في العضو المحظوظ لحزب التقدم و الاشتراكية بناءً على المدح و الثناء الذي حظي به السيد الوردي سابقا والرضا التام الذي لقيه من رئيس الحكومة رغم كل ما شاب المرحلة السابقة من تمكين المقربين في مناصب المسؤولية و تمتيعهم بامتيازات عديدة و شكاوي المواطنين من الغياب التام للأطر لنقص في أعدادهم أو لسوء في توزيعهم و شكاويهم في غياب البنيات و التجهيزات الأساسية و طول مواعيد الانتظار، مرحلة طبعتها أيضا اختلالات كثيرة و تهميش لأطر و موظفي القطاع الذين لاحظوا ارتفاع الاعتداءات عليهم في فترة السيد الوزير و لاحظوا أيضا تغليب مصالح الخواص عن مصالحهم و عاشوا أزمات من جراء تهميشهم فتعاقبت انتفاضات الأطباء و المتصرفين و التقنيين و الممرضين الذين قاطعوا بشكل غير مسبوق امتحانات الكفاءة المهنية لهذه السنة مطالبين بالمعادلة التي كانت أمام السيد الوزير خمس سنوات للوفاء بعهود الحكومة السابقة ، إضافة إلى الإخفاق في التعامل مع الملفات الحساسة من قبيل محاصرة و محاربة الاختلاسات و ما فضيحة الصفقة الأخيرة و ملابستها مما يعلمه السيد بن كيران نفسه إلا ما تم كشفه و معرفته أما ما خفي فأكيد أكبر ؟؟
هل السيد بن كيران لا يثق في الكفاءات الكبيرة لأعضاء حزبه وعدم قدرتهم على تدبير و تسيير وزارة الصحة أم أن هذه الكفاءة منعدمة أو مشكوك فيها أو لأنهم لا يستحقون ؟؟ هل رصيد الحزب الغني من أسماء وازنة و قوية مشهود لها في القوة و الأمانة مثل : البروفيسور كريم أولديم أو البروفيسور الرحيوي أو الصيدلاني خالد الزوين و غيرهم كثير ، ليسوا بقادرين على رفع رأس الوزارة و تصحيح مسارها و تحقيق مكاسب للحكومة و للوطن والمواطنين كما فعل السيد لحسن الداودي و جميلة المصلي في التعليم العالي ، أم أن السيد بن كيران كما عوّد الجميع هو القائد الذي لا يُناقش رأيه و يفعل ما يشاء دون تشاور أو اهتمام لرأي من حوله ؟؟ وحتى إن تشاور فقط للأخذ بالخواطر و ليس التعمق فيما يُقترح.
صحيح أنه يبقى التقدير و المصلحة و المسؤولية من اختصاص أهل الحل و العقد و على رأسهم السيد بنكيران أولا ، رغم ما نعرفه و نقدره جميعا من حجم الضغوطات الكبيرة و الإكراهات السياسية المحيطة و التي لا ندرك إلا جزءا منها ما يدعو للإشفاق على السيد بن كيران ومن معه في مواجهة كل الحيل و المخططات التي تحيط برجليه و فمه و قراراته وحركاته و سكناته و لا تريد له تحقيق أي شيء لإحراجه أمام الثقة التي جددها فيه و في حزبه الناخبون ، لكن مع ذلك لو تعمق السيد بن كيران في الأمر قليلا لوجد أن وزارة الصحة كوزارة اجتماعية وحساسة يجب أن تكون في أيدي أكثر قوة و أكثر أمانة و أكثر جرأة و صدق و إخلاص لثلاثة أسباب رئيسية :
1/ وزارة الصحة من الحقائب الوزارية ذات الطابع الاجتماعي التي تسيل لعاب بعض الأحزاب التي تدرك حسب تجاربها السابقة ، أن مسؤولية تسيير” الصحة ” غنيمة سياسية مهمة توفر لها رصيدا كبيرا من الأتباع و المنخرطين في المحطات الانتخابية ، من داخل القطاع و من خارجه سواءً عبر ما يقدم لهم من خدمات مشروطة بالانتماء و الولاء أو عبر التحكم في القرار الإداري لاستمالة ذوي الحاجات و الراغبين في المناصب و الامتيازات أو بإضعاف الخصوم السياسيين و محاربتهم و تقزيم دورهم ، و أهل القطاع من أطباء و ممرضين و متصرفين و تقنيين يدركون هذه الحقيقة جيدا و يفهمونها فهما دقيقا ، ففي الوقت التي كانت الاستقلالية ياسمينة بادو على رأس الوزارة لاحظ المتتبعون الإنتعاشة القوية و الغير مسبوقة لحزب الاستقلال و لنقابته في أوساط موظفي القطاع ، كما لوحظ ارتماء العديد من الوصوليين في أحضان اللون الجديد رغبة في اقتناص فرصة من الفرص التي يوفرها تغيير الولاء بمنصب ما أو أنتقال أو امتحان أو أو (مع استثناء المخلصين بالطبع )، و نفس الأمر وقع مع مجيء الوزير الوردي ، حيث خفت نجم الاستقلاليين بشكل واضح في الوزارة بدءًا بتغيير الكاتب العام السابق للوزارة و الكل يتذكر الصراع القوي لمحاولة إبقائه و زرعه بالقوة للإبقاء على سلطة الحزب داخل الوزارة دون جدوى ، إضافة إلى تغيير مجموعة من المناديب و المدراء المركزيين و الجهويين و مديري المستشفيات بآخرين موالين لحزب الوزير الجديد ، الذي استطاع منذ البداية أن يضمن لمدير ديوانه منصبا مهما على رأس مؤسسة الأعمال الاجتماعية التي لازالت لم تحصل لحدّ الآن على رضى معظم موظفي الصحة و على إجماع كامل منهم على شفافية تسييرها و نزاهة خدماتها ، هذه المؤسسة التي عرفت أيضا إلحاق مجموعة من الموالين للحزب في مناصب في فترات لاحقة و هكذا انتعش مرة أخرى صدى حزب التقدم و الإشتراكية و نقابته الإتحاد المغربي للشغل في أوساط موظفي الصحة بما يقدم لهم
حتى الخدمات التي كانت تقدم عبر وساطات للمرضى الفقراء و المواطنين البسطاء داخل المؤسسات و المصالح الكبرى أو عبر الحملات و القوافل الطبية أو غيرها كانت في غالبيتها مشروطة و مصبوغة بأهداف سياسية و انتخابية و موسمية ، لكل الألوان السياسية التي تعاقبت على تسيير قطاع الصحة
هذا التأثير الجذاب و المغناطيسي للون السياسي الذي يقود الوزارة ، أصبح أمرا معتادا و معروفا و مألوفا ، و لم يعد مستغربا تغيير الانتماء لدى مجموعة من موظفي الصحة خصوصا المسؤولين رغبة منهم في الحفاظ على سلطاتهم و امتيازاتهم ، في انتظار ولاء آخر و تغيير آخر كلما تغير لون الوزير السياسي .
و هنا يأتي السؤال ، ماذا لو تحمّل حزب العدالة و التنمية مسؤولية وزارة الصحة ؟؟ هل سيستمر هذا التأثير و يتحول المدراء و المناديب و مدراء المستشفيات إلى أعضاء في حزب العدالة و التنمية ؟ هل سيمارس حزب العدالة و التنمية ما مارسه السابقون من استغلال لكسب أعداد و أرقام من مناصري الحزب ..؟؟ هل سيعبث بميزانية الصفقات و بمصالح الموظفين ؟؟
كل المعطيات السابقة والمؤشرات تؤكد أن حزب العدالة و التنمية هو الحزب الوحيد الذي لا يرضى على نفسه أن يكرس هذا المنطق و هذا الأسلوب في التسيير و التدبير ، و هذا ليس دفاعا عن الحزب و لكنه واقع لاحظه المواطنون و المهتمون و المراقبون في جلّ الوزارات التي تحملها حزب العدالة و التنمية في الحكومة السابقة و كمثال على ذلك وزارة العدل ، حيث عانى المنتسبون للحزب و نقابته من صرامة الوزير الرميد و تضييقه عليهم مخافة اتهامه بمحاباتهم وبتمييزهم عن غيرهم ، إلى حدّ المبالغة .و كذلك الأمر في باقي الوزارات ، مقابل التساهل و التعاطف مع غير المنتسبين للحزب .
وهذا ليس غريبا كون قادة الحزب ووزراءه يدركون جيدا أنهم مراقبون أكثر من غيرهم و أن أخطاءهم و هفواتهم ليس كأخطاء الأخرين و أن مجهر الإعلام و الصحافة و الخصوم و المتربصون ينتظرون بفارغ الصبر زلة من زلاتهم من هذا القبيل ، لكنهم اجتازوا الاختبار بتفوق و نجاح كبير رغم المبالغة في كثير من الأحيان مما اكسبهم استمرار التعاطف تُرجم إلى حصولهم على المرتبة الأولى في انتخابات 7 أكتوبر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
لهذا السبب لا خوف من تسيير حزب العدالة والتنمية للوزارة بل سيمكن من تصحيح وضع مظلم ظل لسنوات ينتعش على الزبونية والمحسوبية و جمع الأصوات و زرع الموالين و استغلال النفوذ

2/ السبب الثاني الذي يدعو السيد بنكيران أن يقتحم وزارة الصحة دون خوف أو تردد كما اقتحم الحكومة هو خوض التجربة الميدانية في قطاع اجتماعي له كحزب و لمناضليه ككفاءات ، لينظروا ما بداخل البئر كما يقول دائما ويكتشفوا اسرار هذا القطاع الذي ظل بقرة حلوب لكل من دخله ، لأن غالبا الصورة التي يوصلها الآخر ليست هي نفسها التي تُرى مباشرة ، و موارد و أموال و طاقات وزارة الصحة بكل أسف مهمة و غنية ، لكنها لا تستثمر بالكيفية اللازمة أو لا يراد لها أن تستثمر بالطريقة الصحيحة لإيهام السيد بن كيران و المواطن المغربي فعلا أن الموارد قليلة و منعدمة و و ، وهناك أمثلة حية و واقعية تخالف هذا الوضع الذي يحسن البعض ترويجه في كل المناسبات رغبة في استغلاله و استثماره بطرق أخرى
هل يقبل مثلا وزير منتم لحزب العدالة و التنمية أن تظل جل بنايات المديريات لوزارة الصحة بالرباط إضافة إلى مبنى مؤسسة الأعمال الاجتماعية تستنزف نسبة مهمة من ميزانية وزارة الصحة و تذهب لجيوب أصحاب هذه العقارات عبر كرائها للوزارة بأثمنة باهظة شهريا ، لو أحسنت وزارة السيد الوردي أو من سبقته التدبير ، لحولت تلك المبالغ إلى ورشات لبناء ما تحتاجه الوزارة من بنايات على أراضيها و ممتلكاتها من مساكن وظيفية لازال معظمها محتلا في جل المغرب من طرف موظفين تقاعدوا أو تم تفويتهم للأقارب بعد الوفاة و أضاعت الوزارة من أجلها طيلة سنوات و لازالت أمولا طائلا كأتعاب لمحامين من الوكالة القضاء في استردادها دون جدوى .
و هل سيتم قبول تفويت جميع صفقات البناء و التجهيزات و الأدوية على كل المستويات مركزيا او جهويا أو إقليميا دون مراقبة و دون صرامة و دون محاسبة ، ودون تقييم
هل سيتم قبول الاستمرار في جلد موظفي الصحة بكل فئاتهم عبر تهميشهم و عدم الاعتناء بهم رغم ما يقدمونه من تضحيات و جهود و رغم ظروف العمل الصعبة و المزرية مما دفع بالعديد منهم إلى مغادرة الوزارة و البحث عن التخلص منها حتى لو اقتضى الحال الهجرة نحو بلدان أخرى كالخليج و كندا .
كثيرة هي الأمثلة التي تقتضي جرأة أكبر و صرامة واضحة لتصحيح الأوضاع و الوزراء السابقون كانوا مقيدين بالتبعية السياسية أكثر بالواجب الوطني و بقداسة المسؤولية أمام الله و الوطن و هذا الشعب وفوتوا فرصا للإصلاح الحقيقي و ليس إصلاحا شكليا إعلاميا يغطي عن جوهر الأمور .
3/ السبب الثالث الذي يُعتقد أنه مهم للتفكير فيه لإسناد حقيبة الصحة لحزب العدالة و التنمية هو سبب سياسي بالدرجة الأولى، فمن حق الحزب أن يمارس السياسة النظيفة الواضحة في قطاع له خصوصيته و رمزيته الاجتماعية المباشرة كونه مرتبط بصحة المواطنين و سلامتهم و هي أغلى ما يملكون فإن ذهبت عافيتهم و صحتهم ذهب كل شيء . و حين يحس المواطن المغربي غدا أن حكومة عبد الإله بن كيران الثانية ، جعلت من أولوياتها رضى المواطنين على الخدمات الصحية بالمجان أو بتسهيلات و بتنظيم محكم و بجودة عالية و استقبال و عناية كبيرين سيتغير السلوك السياسي للمواطن اتجاه حكومته و اتجاه دولته لأنها جعلت كرامته فوق كل اعتبار و لم تتركه عرضة لتهافت سماسرة الصحة الذين لا ينظرون من المواطن المريض إلا لجيبه و ليس لقيمته و كرامته كإنسان أولا أو كمواطن من حقه أن توفر له دولته و حكومته الغذاء إن جاع و الدواء إن مرض لا قدر الله .
جل المواطنين اليوم و منهم الطبقة الوسطى تخشى الأمراض ليس لأنها خطيرة أو مكلفة و لكن خشية الإهانة في المستشفيات وأمام المصحات .

لهذه الأسباب و لغيرها لا يجب أن يخاف السيد بن كيران أو يتردد من جعل وزارة الصحة هدفا قويا من أهدافه السياسية الكبرى في المرحلة القادمة كرئيس حكومة و كأمين عام لحزب يضم فريقا كبيرا من خيرة الخبراء و المختصين و السياسيين ممن لهم تجارب و اطلاع واسع على أنظمة صحية عالمية و لهم قدرات هائلة في العطاء و الإبداع لا يُخشى على أهليتهم ، و الأهم من ذلك أنهم من الأمناء و الصادقين في مساراتهم المهنية و العلمية و السياسية و الذين بكل تأكيد لم و لن يضعوا أولويات الحزب فوق أولويات الوطن و المواطنين كما هو شعار الحزب ، يكفي أن يثق السيد بن كيران في كفاءات حزبه و أن يضع نصب عينيه معاناة المواطنين و طول صبرهم ورغبتهم في تغيير منظومتهم الصحية التي ظلت أسيرة منطق الربح الذاتي للأحزاب ،
و في الأخير نقول : إن لم يستفد المغاربة اليوم في صحتهم و سلامتهم وكرامتهم من صدق هؤلاء و من نظافة أيديهم و إخلاصهم فممن يا ترى سيستفيدون ؟؟
أم أن التوافقات و الترضيات ستؤجل اقتحام العدالة و التنمية أسوار وزارة الصحة ؟؟

عبد الله المحمدي