وجهة نظر

خربشات

تمنت أن تولد في كنف أسرة لا صلة لها بالأعراف الجاهلة والأفكار الخاطئة التي كانت سببا في تناقضات تعيشها منذ أن كانت في سن السادسة.

أم مهملة، وأب قاس زرع أحاسيس الرهبة والخوف من الجنس الآخر لدى بناته، فدمر بذلك جهازا نفسيا جعله عليلا وحساسا من كلمة “رجل”.

كان يضرب بناته ويهينهن، إذا ما وضعت إحداهن القليل من الزينة على وجهها يوم عاشوراء أو في أيام العيد، تقليدا لبنات الجيران ونعتهن بقليلات الأدب وأنهن عن طوعه قد خرجن.

الرجال كلاب هكذا اعتاد القول.

 طرحت احدى بناته سؤالا كان في الصميم، وتحدت جبروت أبيها وبطشه، فهي قد اعتادت المذلة والإهانة والقمع كأنها تعيش “وأد البنات” في زمان أصبح للمرأة حقوقا يكفلها القانون للدفاع عن كرامتها ورغبتها في العيش بحرية.

الرجال كلاب، إذن أنت كلب؟

لست عاقة ولكن سأنتفض في وجهك أبي، أنت قد دمرت حياة شابتين في عمر الزهور وجعلتنا في قفص العادات والتقاليد الجاهلة التي تفرض أن تبقى الفتاة حبيسة المنزل وأن لا حق لها في العيش داخل المجتمع مهما كان الاختلاف.

كيف سأربي نفسي وكيف سأعيش حياتي دون علم أو طموح…إن عشت بلا طموح سأنتحر…

في ذاك اليوم كانت ضحية عنف وقمع ليس مصدره الزوج أو الأخ، عنف مرضي أكد الأب من خلاله أن  قراراته لا تناقش ولا ترفض، فهو لم يتقبل أسلوب المعارضة الذي ناله من ابنته.

بنبرة حزينة تحدثت عن تناقضات نشأتها، حجاب ولباس واسع، الزمت بتكشير ملامحها وأن الحديث مع الجنس الآخر خطيئة لا تغتفر، ومن تقوم بذلك، تلقى نظرة احتقار وتهميش من محيط الأسرة، في اعتبارهم زانية لا يمكن أن يجالسونها أو يشاركوها أطراف الحديث، فقط لأنها أرادت أن تجد إجابات واضحة عن أسئلة عميقة ومترابطة تربت في ذهنها.

ما هذا الفكر الجاهلي، ما هذه النظرة العتيمة للأمور، كيف يمكن أن نقبل بتربية طفلة بريئة على هذا النهج الخاطئ؟ فليس من حق أي شخص مهما كانت صفته أن يقرر مصير الآخرين؟

حطت رحالها في بيت جدرانه يابسة، شيدت بأنانية وقسوة، أطفأت نور غرفتها وجلست مع نفسها تحاول أن تجد إجابات شافية عن أسئلة معقدة ومركبة، كانت اشكالات بسيطة إلا أن المجتمع في شخص الأسرة جعلها كذلك، بأنانيته وتناسيه لقيم التسامح والرحمة، كنا متسامحين متحابين في الله، التعاون شعارنا وحب الآخر دون مقابل، المبدأ السائد في أغلبية النفوس.

ما الذي حصل؟

اندمجنا مع العولمة وتطورات العصر، لكن لم نحذر من الإنزلاق الذي أصبحنا اليوم نعيشه في الواقع، فقد نجح الغرب في جعلنا مجتمع تخلى عن القيم والأخلاق بإرادته فأصبحت مخططات أغلبية أفراده تؤسس على مبدأ “البروفيطاج”.

ما الذي حصل؟ كيف أصبحت قيمة الإنسان يحددها لباسه وليس تفكيره؟

المجتمع المغربي، مجتمع مظاهر بامتياز ولا أجزم، لأن هناك أقلية لا تعنيها الشكليات وتظل صامدة أمامها مهما ارتفع مستوى الإغراء.

مغاربة يؤمنون بالمظهر إلى حد التعبد، أستغفر الله…مظهرك أنيق وحذاؤك نظيف ووجهك ظريف، فأنت قد يحسب لك ألف حساب، تنال حظك من المدح والثناء وأنك مول الدار الكبيرة.

أنت أشعث أغبر، سيتم استبعادك واحتقارك في مغرب القرن 21…لا يهم أنك ذو أخلاق عالية وأنك أحببت أن تكون زاهدا في دنيا الله واخترت البساطة والعيش كالبسطاء.

المظهر أصبح ثابت من الثوابت المغربية…من تعتني به وترفع مستوى الإغراء، تستحق المراتب العليا، بداية في أذهان الناس إلى أبعد الحدود، ومن تختار الاهتمام بفكرها ونضجها ومستوى علاقاتها الإنسانية، تلك عدوة الحضارة والتفتح…يستحسن إبعادها، لأنها ببساطة ستعكر مزاج الأغلبية.

حين تصاب الزوجة بالسرطان، ويندثر نصف جمالها، يزداد وزنها أو تنحف حسب طبيعة جسم كل أنثى، تصبح عالة على مجتمعها ويشمئز منها الزوج، لا يقربها كأنها جيفة، لم تعد كما كانت، جسم جميل وأنوثة طاغية.

 هنا نستوعب جيدا أن معيار الارتباط والزواج أصبح يعتمد على مبدأ جاذبية الآخر ومدى جمالية المرأة ووسامة الرجل، فإذا غاب هذا المعيار، أو أصابه (عطب)، الطلاق أو الموت البطيء، ذاك مصير بنات حواء.

لماذا هذا الاهتمام المفرط بمظهر الآخر وبنيته الفيزيولوجية؟ لماذا لا نبحث في طريقة تفكيره وحمولته الثقافية؟ أليس هناك شيء آخر من أجله نعجب بالآخر ونقدره ونشتاق لرؤيته؟ لماذا نركز على الشكل والطول ولون البشرة وملامح الأنثى؟ لا يهم إن غابت الثقافة؟ لا يهم إن كنا سنقوم بأشياء لا تتوافق مع مبادئنا وقيمنا وما نؤمن به؟

المرأة تعاني العنف بشتى أنواعه بعد اصطدامها برجل لا يقدر الجنس الآخر، بعد أن كان يظهر طيب الكلام وكثرة الإحترام،  والرجل أحيانا يدرك حجم أخطائه لكن بعد فوات الأوان وإنجاب أطفال في زيجة شيدت من دمار، لأن معيار الجمال كان مهيمنا في قرار الارتباط، تناسيا لوصية سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليمات، ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ). وفي حديث آخر( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي.