أخبار الساعة

سبعيني مغربي يحضر أحفاده حفل تخرجه

بهدوء ووقار يجلس أحمد المنصور في مدرج جامعة الحسن الثاني بالمغرب محاطا بزملائه الطلبة الذين يصغرونه بنصف قرن، يتحدث إليهم عن محاور العرض الذي سيقدمه بين يدي أستاذه الذي يصغره بحوالي 15 عاما، وهم يستمعون إليه باهتمام وتركيز.

وعلى الرغم من أنه أنهى دراسته الجامعية منذ أكثر من ثلاثة عقود، فإن شغف هذا الرجل السبعيني بالتعلم ظل يتقّد في داخله، فقرر أن يخرج عن المألوف ليجعل لحياته بعد التقاعد مذاقا مختلفا.

عاد إلى مقاعد الدراسة الجامعية وهو في خريف عمره، وهي مرحلة عادة ما يعيش فيها المرء على ذكريات الماضي، لكن أحمد المنصور أثبت بعزيمة قوية أن عالمه مليء بقصص البحث عن الغد.

في سن السبعين من عمره، تحقق حلم أحمد، وهو أكبر طالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك في جامعة الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء، بحصوله على البكالوريوس في شعبة اللغة الإنجليزية بتفوق.

وكشفت الدرجات العالية التي أحرزها في الامتحانات وحضوره بانتظام ومشاركاته والأبحاث التي قدمها عن حيوية هذا الشيخ، الذي أصر على استكمال دراسته العليا في سلك الماجستير.

جدية وانضباط

ويقول عبد المجيد بوزيان نائب عميد كلية الآداب إن المنصور يتطلع لتتويج مساره الدراسي الاستثنائي بالحصول على الدكتوراه، مشيرا إلى أن الكلية سبق أن سجلت طلبة محالين على التقاعد لكنهم لم يواصلوا مسارهم على عكس هذا الطالب الذي برهن على جدية وانضباط استثنائيين.

ويرى بوزيان في المنصور نموذجا يُحتذى به، فهو أول جد سيحضر أحفاده حفل تخرجه من الدراسات العليا نهاية الموسم الجامعي الحالي.

ينحدر الطالب السبعيني من قرية أيت بويلول بأعالي جبال الأطلس المتوسط قرب مدينة جرسيف شرقي المغرب، وهو من مواليد عام 1944، وقد نال شهادة البكالوريوس في الحقوق باللغة الفرنسية عام 1978 من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس وسط المغرب.

وأحيل أحمد على التقاعد عام 2004 بعد 26 عاما قضاها موظفا في وزارة الداخلية التي اشتغل فيها مسؤولا عن الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في محافظات عدة، ثم حصل على البكالوريوس في شعبة اللغة الإنجليزية عام 2012، وسبق أن كان مديرا لشركة ومسيرا لأندية رياضية.

شغف باللغات

ولا يخفي الطالب السبعيني -وهو أب لسبعة أبناء وله ثلاثة أحفاد- شغفه باللغات، التي يعتبر تعلمها من الضروريات للراغب في الاطلاع على مختلف الثقافات، وهو يتحدث الأمازيغية والعربية والفرنسية، كما تلقى دروسا خصوصية في اللغة الإنجليزية قبل التحاقه بالكلية عام 2009.

ويقول المنصور إن الأمر كان غريبا بعض الشيء لمسن مثله عندما قدم وثائق تسجيله للكلية، و”لكني وجدت تشجيعا كبيرا من أهلي وأساتذتي وعميد الكلية، حتى إنني كنت بمثابة الأب لكل الطلبة الذين يدرسون معي”.

وتحدث زملاء الطالب الشيخ عن تلقائيته التي جعلته محبوبا، وعن تعاونه إذ لا يضيق صدره بمطالب مدّهم بالدروس التي يحتاجونها، أو مراجعة ما استعصى عليهم فهمه، والانتفاع من معرفته وخبرته.

وتقول رفيقته الطالبة سمية إنه يتابع دراسته العليا بنفس حماس الطلبة وحيويتهم وكأنه في سنهم

تجربة ممتعة

ويصف المنصور تجربته مع طلبة أصغر منه سنا بأنها “ممتعة”، ويقول “استطعت أن أجدد شبابي من خلالهم، وضمنهم ابنتي التي تدرس بالشعبة ذاتها بنفس الكلية”.

في مشهد يجسد المقولة الشهيرة “كل فتاة بأبيها معجبة”، عبرت صفاء المنصور عن الفخر والامتنان لوالدها ولدوره العظيم في حياتها، فهو بالنسبة لها أكثر من أب، فهو رمز وقدوة تحفز على السير في طريقه بقوة وتفاؤل بالمستقبل.

أما أساتذة المنصور فيجمعون على أنه جاد في تعلّمه، ويلمسون فيه حيوية وتجربة مثيرة لا تعترف بقيود السن في السعي وراء المعرفة.

الجزيرة نت