منتدى العمق

رماه بعصا السنوار!

لا يخفى على القاصي والداني، عربيا كان أم غربيا، ساميا أم حاميا أم يافثيا، المشهد الهوليودي الشامخ الذي صورته طائرة الدرون الإسرائيلية للحظات الأخيرة لرئيس المكتب السياسي والعسكري لحركة حماس يحيى السنوار، قبل ارتقائه والتنكيل بجثته، وهو جالس على أريكة في أحد المنازل بعيد قصفه، ينزف من يده اليمنى، متلثما بكوفية فلسطينية، ناظرا إلى الكاميرا في لقطة يعجز عنها كبار المخرجين والسينمائيين، وكأنه فارس سيترجل عن صهوة الفرس بكبرياء، رغم النزيف، لا يظهر ضعفا ولا يستجدي عطفا، بل يقذف الدرون بعصا كانت بيسراه، وكأنه يقول : “أديت ما علي، بآخر ما لدي”.

هذا المشهد الذي يبرز لنا أنفة وعزة وشجاعة الغزاويين والفلسطينيين عموما، الذين يفضلون الموت في سبيل تحرير أرضهم وبلادهم من هذا الاحتلال الغاشم، مشهد سيظل راسخا لأنه من إخراج رباني، ندم على تصويره جنود الاحتلال، بل إن هناك أقوال تصرح بأنه تمت معاقبتهم جراء تسريب هذا المشهد الذي يدحض كل روايات الجانب الإسرائيلي حول جبن واختفاء قيادات حماس خلف الناس والأسرى، وفي نفس اللحظة يحول يحيى السنوار إلى رمز من رموز التحرر من الاستعمار إلى جانب عمر المختار غيرهم من أبطال أمتنا.

ثم أن تلك العصا التي رمى بها في لحظاته الأخيرة تلقفها أسود غزة أشبالها، كما تلقفتها شعوب الأرض التي ترفض العدوان وترفع كلمة الحق، فرأينا مسيرات في دول متعددة، ولعل مسيرات المدن المغربية خير دليل، فمسيرة يوم الأحد الماضي بالدارالبيضاء، خير دليل على الدعم اللامشروط للقضية الفلسطينية، قيادة وشعبا، وعلى احترام التضحية والموت بعزة، والذي رأيناه في نهاية السنوار.

إن الاحتلال يتبجح ويتفاخر بقتل يحيى السنوار وأبطال المقاومة، وهو لا يعلم أنه لهوانه على الله قد جعله الذبابة التي تصيب الناس بالمرض، والبعوضة التي تقتل بالحمى، والقملة التي تعدي بالطاعون، فلو تفاخرت ذبابة أو بعوضة أو قملة لارتفع طنينها في الأرض، ولم يفعل الاحتلال غير ذلك.

لقد أودى الاحتلال بأناس يقوم إيمانهم على أن الموت في سبيل الحق هو الذي يخلدهم في الحق، وأن انتزاعهم بالسلاح من الحياة هو الذي يضعهم في حقيقتها، وأن هذه الروح الإسلامية لا يطمسها الطغيان إلا ليجلوها.

لقد أحيوه في التاريخ، أما هو فقتلهم في التاريخ، وجاءوه بالرحمة من جميع المسلمين، أما هو فجاءهم باللعنة من العالمين جميعًا!