حذّر أعضاء مجلس الأمن الدولي، (الأربعاء) إسرائيل من المضي قدماً في إقرار تشريعات تكبح نشاط وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
وإسرائيل على خلاف مع «الأونروا»؛ إذ تتّهم الدولة العبرية بعضاً من موظفي الوكالة الأممية بالمشارَكة في الهجوم غير المسبوق الذي شنّته «حماس» على جنوب الدولة العبرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأشعل الحرب في غزة.
ووافقت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، الأحد، على مشروعَي قانونَين يهدفان إلى «إنهاء نشاطات وكالة (الأونروا) ومزاياها في إسرائيل»، في خطوة سارَع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى التنديد بها.
وقالت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، (الأربعاء)، إن الولايات المتحدة «تتابع بقلق عميق المقترح التشريعي الإسرائيلي الذي قد يغيّر الوضع القانوني للأونروا».
وأضافت أنّ من شأن هذين التشريعين، إذا ما أُقرّا، أن «يعرقلا القدرة على التواصل مع المسؤولين الإسرائيليين، ويلغيا الامتيازات والحصانات الممنوحة لمنظمات الأمم المتحدة وموظفيها في كل أنحاء العالم».
وقالت الجزائر، التي دعت مع سلوفينيا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن الأزمة في قطاع غزة، إنّ «السلطات الإسرائيلية أعربت منذ سنوات عن رغبتها واستعدادها لتفكيك (الأونروا)».
وقال سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، الذي تشغل بلاده حالياً مقعداً غير دائم في مجلس الأمن إنّ «هذا القرار يرمز إلى اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم التي لا يمكن المساس بها. نؤكّد أنّ حقوق اللاجئين الفلسطينيين لا تخضع للتقادم».
أكبر قصة نجاح
وأجمع أعضاء مجلس الأمن، الذين تحدثوا كلهم، على دعوة إسرائيل إلى احترام عمل (الأونروا)، وحماية موظفي هذه الوكالة.
وحذّر السفير الفرنسي، نيكولا دو ريفيير، من أنه في قطاع غزة «لا يمكن تصوّر عمليات توصيل المساعدات دون (الأونروا)»، داعياً إسرائيل إلى «التخلي عن خططها الرامية إلى تجريم نشاطات الوكالة، وإغلاق مكاتبها في القدس الشرقية».
وحذّر رئيس «الأونروا»، فيليب لازاريني، مجلس الأمن الدولي من أنّ «كبار المسؤولين الإسرائيليين وصفوا تدمير (الأونروا) بأنه (هدف حرب)»، مشيراً إلى أنّ 226 من موظفي الأونروا قُتلوا خلال 12 شهراً.
وقال إنّ «التشريع الخاص بإنهاء عملياتنا أصبح جاهزاً للمصادقة النهائية من قبل الكنيست الإسرائيلي».
وأضاف أنّ إسرائيل «تسعى إلى حظر وجود (الأونروا) وعملياتها في الأراضي الإسرائيلية، وإلغاء امتيازاتها وحصاناتها، في انتهاك للقانون الدولي».
وأكد أنّه «إذا تم إقرار مشروعَي القانونَين، فإن العواقب ستكون وخيمة. من الناحية العملية، قد تتفكّك الاستجابة الإنسانية بأكملها (…) التي تعتمد على البنية التحتية للأونروا في غزة».
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، (الثلاثاء)، إلى أنه بعث برسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحذّر فيها من أنّ هذا التشريع «قد يمنع (الأونروا) من مواصلة عملها الأساسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة».
وقال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، لمجلس الأمن: «نحن ندعم (الأونروا) وما قاله لازاريني بشكل كامل، ونأخذه على محمل الجد، ونكرّم منظمةً لا غنى عنها، ومن الواجب حمايتها بالوسائل كلها».
وأضاف منصور أن «الأونروا أعظم قصة نجاح في تاريخ الأمم المتحدة».
وتأسّست «الأونروا» عام 1949 لدعم اللاجئين الفلسطينيين في كثير من البلدان.
وخلص تحقيق داخلي نُشر في أغسطس (آب) إلى أن 9 موظفين «ربما شاركوا في الهجمات المسلحة التي وقعت في 7 أكتوبر» على إسرائيل.
وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، لمجلس الأمن: «نعم، نحن نعمل مع وكالات الأمم المتحدة»، مضيفاً: «نحن قادرون وعلى استعداد للعمل على الأرض».
وتابع: «قارنوا جهودنا بإخفاقاتها، لقد سمحت (الأونروا) في غزة لـ(حماس) بالتسلل إلى صفوفها».
إسرائيل والجرائم ضد الإنسانية
قد أسفرت الحرب في غزة عن تجاهل صارخ لمهمة الأمم المتحدة، بما يشمل الهجمات الشنيعة على موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين، وعلى مرافقها وعملياتها.
ينبغي أن تتوقف هذه الهجمات ويجب على العالم أن يتحرك لمحاسبة مرتكبيها.
تحققت الوكالة من مقتل ما لا يقل عن 193 من موظفينا في غزة. وكذلك تعرض ما يقرب من 190 مبنى للأونروا للأضرار أو للتدمير. كما تعرضت مدارس الوكالة للهدم، وقُتل ما لا يقل عن 500 نازح أثناء إيوائهم في مدارس الأونروا وغيرها من المباني. ومنذ السابع من أكتوبر، قامت القوات الإسرائيلية باعتقال موظفي الأونروا في غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم في قطاع غزة أو في إسرائيل.
يتعرض موظفو الأونروا للمضايقة والإهانة بشكل منتظم عند حواجز التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وتستخدم القوات الإسرائيلية وحماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى منشآت الوكالة لأغراض عسكرية.
إن الأونروا ليست الوكالة الوحيدة للأمم المتحدة التي تواجه الخطر. حيث تعرضت مركبات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى إطلاق النيران في نيسان ، على ما بدا أنه غير مقصود، ولكنه حدث برغم التنسيق مع السلطات الإسرائيلية.
وقد امتدت الاعتداءات على الأونروا وصولا للقدس الشرقية، حيث قام أحد أعضاء بلدية القدس في التحريض على الاحتجاجات ضد الأونروا. ومن ثم ازدادت وتيرة خطورة التظاهرات، مع وقوع ما لا يقل عن هجومي حرق متعمدين على مجمع الأونروا، وتجمع حشد من بينهم أطفال إسرائيليون خارج مقرنا وهم يهتفون “أحرقوا الأمم المتحدة”. وفي أحيان أخرى، رشق المتظاهرون الحجارة على مكتبنا الرئيسي هناك .
ولا يهدد المسؤولون الإسرائيليون عمل موظفينا ومهمتنا فحسب، بل ينزعون أيضا الشرعية عن الأونروا من خلال وصفها بأنها منظمة إرهابية تشجع التطرف ووصم قادة الأمم المتحدة بالإرهابيين المتواطئين مع حماس. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يخلقون سابقة خطيرة تتمثل في الاستهداف المتكرر لموظفي الأمم المتحدة ومرافقها .
كيف يمكن أن يكون هذا ممكنا؟ وأين هو الغضب الدولي؟ يمثل غيابه مثابة تصريح لتجاهل الأمم المتحدة ويفتح الباب أمام الإفلات من العقاب وانتشار الفوضى. وإذا تسامحنا مع مثل هذه الهجمات في السياق الخاص بإسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، فلن نتمكن من التمسك بالمبادئ الإنسانية في نزاعات أخرى حول العالم. إن هذا الاعتداء على الأمم المتحدة سيزيد من إضعاف أدواتنا للسلام ومن قدرتنا على الدفاع ضد الأعمال اللاإنسانية في جميع أنحاء العالم. ويجب ألا يصبح هو المعيار الجديد.
وفي حين أن إسرائيل كانت معادية للأونروا منذ فترة طويلة، إلا أنها في أعقاب الهجمات البغيضة التي وقعت في 7 أكتوبر ، أطلقت حملة لمساواة الأونروا بحماس وتصوير الوكالة على أنها تروج للتطرف. وفي بعد جديد لهذه الحملة، أطلقت الحكومة الإسرائيلية مزاعم خطيرة بأن موظفي الأونروا متورطون في هجوم حماس.
ما من شك في أنه يجب التحقيق مع الأفراد المتهمين بارتكاب أعمال إجرامية، بما في ذلك الهجوم على إسرائيل. وهذا بالضبط ما تفعله الأمم المتحدة. يجب محاسبة هؤلاء الأفراد من خلال الملاحقة الجنائية، ومعاقبتهم إذا ثبتت إدانتهم.
ويشرف مكتب خدمات الرقابة الداخلية، وهو أعلى هيئة تحقيق في منظومة الأمم المتحدة، على هذا التحقيق. ويحقق المكتب في الادعاءات الموجهة ضد 19 من أصل 13,000 موظف في الأونروا في غزة. وحتى الآن، تم إغلاق قضية واحدة لعدم وجود أدلة. وتم تعليق أربع قضايا لعدم كفاية المعلومات لمواصلة التحقيق. ولا تزال 14 قضية أخرى قيد التحقيق.
علينا أن نميز بين سلوك الأفراد وولاية الوكالة لخدمة لاجئي فلسطين. إنه لمن الظلم والتضليل مهاجمة مهمة الأونروا على أساس هذه الادعاءات.
بعيدا عن هذه القضايا، كانت هناك مزاعم أخرى بالتواطؤ مع حماس، والتي أعتقد أنها جعلت – في نظر البعض – العاملين في المجال الإنساني التابع للأمم المتحدة وأصولها أهدافًا مشروعة. وهذا خطر على العاملين في الأمم المتحدة في كل مكان. ينبغي على العالم أن يتصرف بشكل حاسم ضد الهجمات غير المشروعة على الأمم المتحدة، ليس فقط من أجل غزة والفلسطينيين، بل من أجل جميع الدول. إن اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار رقم 2730 بشأن حماية العاملين في المجال الإنساني يعد تطوراً موضع ترحيب.
يحظى المجتمع الدولي بالوسائل والسبل للتصدي لارتكاب الجرائم الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، فإن حجم ونطاق الهجمات ضد موظفي الأمم المتحدة ومبانيها في الأرض الفلسطينية المحتلة في الأشهر الثمانية الماضية يستحق إنشاء هيئة تحقيق مستقلة ومخصصة بشكل عاجل، من خلال قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو الجمعية العامة، للتأكد من الحقائق، وتحديد المسؤولين عن الهجمات على وكالاتها. ويمكن لهيئة التحقيق هذه ضمان المساءلة، والأهم من ذلك، المساعدة في إعادة التأكيد على حرمة القانون الدولي.
علينا أن ندافع بشكل هادف وذي مغزى عن مؤسسات الأمم المتحدة والقيم التي تمثلها أمام التمزيق الرمزي لميثاق للأمم المتحدة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال العمل المبدئي الذي تتخذه دول العالم والتزام الجميع بالسلام والعدالة.