وجهة نظر

يا معالي الوزراء.. خدام الوطن والأمة أولى من خدام الدولة والسلطة

أول تساؤل إنتفض في وجهي و عصف بخيالي و ذهني على إثر إصدار وزارتي الداخلية و المالية للبيان “التضامني” مع السيد والي الرباط، بعد ما تحدث الإعلام بجرأة و بطولة، عن إستفادته من قطعة أرضية في مكان للثراء العقاري في الرباط، و بثمن بخس مقارنة مع قيمته المالية الحقيقية، السؤال هو أيهما أولى في التكريم و العناية: خدام الدولة و الإدارة في مرحلة ما من نموها أم خدام الوطن و رجالاته الذين فنوا و ضحوا بدمائهم و حياتهم في خدمته و إعداده ليكون دولة لها خدام؟

لايوجد أي تبرير للحصول على منافع ضخمة مقابل الدولة أو حتى الوطن، لكن إن كان و لابد وضع ترتيب للمستفيدين من خيرات البلاد فخدام الوطن أولى من خدام السلطة و الدولة كمؤسسة أقل درجة من قيمة الوطن.

ثم تذكرت سؤال الملك الشهير : أين الثروة ؟ عندما قال أن الأغنياء في بلادنا يزدادون غنا و الفقراء يزدادون فقرا و بؤسا و شقاء، فقلت في قرارة نفسي ها هي الثروة موقوفة في حالة تلبس و هي تفر من جيوبنا إلى جيوب الخدام ذوي الأيدي و الألباب.

ثم تساءلت أوليس قدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير و أراملهم الذين في معظمهم يعيشون معيشة ضنكا، معيشة البؤس و الشقاء رفقة أسرهم و أمراضهم المزمنة التي يحملونها في أجسادهم، و الجميع يعلم أن مبالغ تقاعدهم التي تصرف لهم تتراوح مابين 500 إلى 1000 درهم ناهيك عن وضعية سكنهم و حياتهم أوليسوا أولى بفتات من هذه الثروة؟

أوليس الذين يدافعون و يرافعون عن الوطن في كل المحافل العالمية عبر بقاع الأرض أوليسوا خداما للدولة و للأمة و للشعب؟

ما يسمونهم خدام الدولة لا يعدون أن يكونوا مجرد موظفون سامون يخدمون السلطة التسلسلية أو السلطة بشكل عام، يتلقون رواتب سخية و تعويضات جمة من أموال الشعب، تشمل حتى مطابخهم و حدائقهم الغناء. هؤلاء يخدمون الإدارة المتغيرة حسب ظروف الزمان المتبدلة، و كم إكتشفنا من خدام لها كشفهم التاريخ بأنهم كانوا خونة و عملاء، و عدد منهم كانوا جد مقربين من الدوائر العليا و كان لهم من الصولة و الهيبة و التقرب ما جعل الناس وقتها تنظر إليهم حاملي سر الدولة بل هم الدولة بالفعل.
و كثير منهم دافعت عنهم الدولة بالبيانات أحيانا و أحيانا أخرى باضطهاد معارضيهم و اعتقالهم، إلى أن تبين أنهم كانوا يخدمون رؤساءهم فقط و يطبقون تعليماتهم التي لم تكن سوى خرقا للقانون و للحريات و الحقوق.

فهل يتفضل سعادة الوزراء وأن يشرحوا للشعب و لهذه الأمة من هم خدام الدولة و من هم حملة هذه الصفة التي تجيز التمتع بخيرات البلاد و أموال الشعب؟ كنا نظن انفسنا من خدام الدولة فإذا بنا كنا نخدم شيئا آخر لا يرقى الى هذه الصفة، فهلا خبرونا عن معايير الولوج لهذه الصفة حتى نعد العدة لنصبح من اليوم فصاعدا من بينهم، لأننا سئمنا خدمة الوطن التي لا تسمن و لا تغني من جوع و سئمنا خدمة هذه الدولة التي تميز بين خدامها برتب و درجات مختلفة. فكم من مواطن بسيط تجاهله التاريخ و خدم الدولة و الوطن و الشعب خير من عشرات الخدام الذين قاموا بأعمال لصالح الإدارة مقابل امتيازات لا نظير لها.

يا معالي الوزراء، من اليوم فصاعدا كل الشعب سيكون من خدام الدولة و على الدولة أن تفتح هذا المنصب للتباري لكل فئات الشعب خصوصا فئة المعطلين حاملي الشواهد العليا، للولوج إلى هذه الرتبة و الدرجة الرفيعة في سلم الوظيفة العمومية، لعلهم يظفرون بنصيب من هذا التحفيز العقاري و المالي الضخم، أو قد يبحث الشعب عن دولة أخرى لخدمتها تقدم له ما تقدم الدولة المغربية لخدمتها.

الموظف العمومي هو الموظف العمومي، سواء كان حارس بوابة إدارة أو واليا أو وزيرا، كل يخدم الجماعة المغربية من موقعه، و لا ننسى أن هناك خدام للدولة و الوطن لا يظهر لهم حس في العلن و هم الساهرون على سكينة و راحة و أمن الشعب، في مختلف الرتب بل منهم من يبيت الليل في العراء و في جميع الطقوس لحراسة التراب و الممتلكات، و هم أيضا يحق لهم من منطلق خدمة الدولة أن يستفيدوا من الأرض و الأموال الطائلة بدل العيش حياة خرساء.

السادة الوزراء تعمدوا مغالطة المغاربة و لم يحدثونا عن مضمون مرسوم الوزير الأول لسنة 1995، هل هو متعلق بمنح الأراضي لخدام الدولة بهذه الصفة، أم فقط متعلق بتحديد ثمن بيع عقار الدولة الخاص بشكل مجرد دون تحديد صفات المستفيدين طبقا لمفهوم التجرد و العمومية و الموضوعية الواجب توفرها في أي قاعدة قانونية مهما كانت رتبتها، و ذلك وفق الأثمنة الرائجة آنذاك، و التي يتوجب على الإدارة مراجعتها كلما تغيرت الظروف الاقتصادية حتى لا تغبن خزينة الدولة و حتى لا يغبن الشعب في رزقه.

ثم لماذا لم يحدثنا السادة الوزراء عن مرسوم 2004 المتعلق ببعض العمليات العقارية لتفويتها للخواص، شريطة أن يكون الشخص الخاص المفوت له العقار شخصا معنويا في شكل شركة أو ودادية أو جمعية أو غيرها وليس شخصا عاديا، بعد تقديم مشروع دقيق و مفصل يعود بالنفع على الجماعة و على الدولة و هي المعايير و المبادئ التي كان يتعين تطبيقها على السيد الوالي، و هي نفسها المعايير التي تبناها المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية ل 7 مارس 2002 زمن حكومة التناوب الأولى و الذي عدل الفصل 82 للمرسوم الملكي الصادر 1966 في فترة الإستثناء حول المحاسبة العمومية، ليضع هذا التعديل معايير واضحة، مجردة و موضوعية لتفويت عقار الملك الخاص للدولة.

السيد الوالي الذي عندما بدأ أشغاله بالرباط و دخل في نزالات مع عمدة الرباط الذي أتهم بحيازة أموال دون وجه حق، قيل أنه رجل صارم و حريص على أموال الدولة و الشعب، غير أنه في قضية عقار شارع محمد السادس، إتضح أنه أحرص الناس على حياة.

لذلك ينتظر المغاربة إتخاذ الإجراءات اللازمة في حقه على غرار باقي المستفيدين من ثروة البلاد دون وجه حق.
ولكن ربما و من جهة اخرى أعمق، يحق لنا أن نقول أنه ربما آن الأوان، لأن تعرف وزارة الداخلية في شخص رجالاتها أن زمن قد ولى، كان فيه المال بدون حراس، و أن زمنا جديدا قد ولد تولى فيه الشعب حراسته من منطلق الدفاع المشروع عن النفس و المال، كما آن الأوان أن تصطف هذه الوزارة إلى صف الوطن و المواطن في إطار مهام تقنية إدارية و أمنية على غرار التجارب الديمقراطية الدولية، حيث يتقلص فيها دورها السياسي و الإقتصادي المتضخم حاليا إلى حدود مقبولة و معقولة.

ـــــــــ

باحث في العلوم السياسية.