في السنوات الأخيرة، تصاعدت النقاشات في المغرب حول موقع اللغة الفرنسية في النظام التعليمي، وفي الحياة العامة بشكل أوسع، وسط تحولات جيوسياسية وانفتاح المغرب على شراكات دولية جديدة. في هذا السياق، تبرز تساؤلات عن مستقبل اللغة الفرنسية في البلاد، خاصة مع بروز مشاريع تعليمية تنحو نحو اعتماد اللغة الإنجليزية وإعادة الاعتبار للعربية والأمازيغية، باعتبارها اللغات الرسمية. فهل تسير اللغة الفرنسية نحو الأفول في المغرب؟ أم أن الشراكات التاريخية والاقتصادية مع فرنسا ستضمن لها مكانة دائمة؟
إرث تاريخي يتحدى التغيير
تعود هيمنة اللغة الفرنسية في المغرب إلى فترة الحماية الفرنسية (1912-1956)، حين كانت أداة رئيسية للإدارة والتعليم. ورغم استقلال البلاد، استمرت الفرنسية كلغة تعليمية ومهنية رئيسية، خاصة في العلوم والتكنولوجيا. اليوم، ما زالت الفرنسية لغة التدريس في تخصصات عديدة في الجامعات المغربية، حيث يتم تقديم 60% من البرامج التعليمية باللغة الفرنسية. وتشير التقارير إلى أن الفرنسية لا تزال متداولة بين فئات واسعة من المجتمع المغربي، وتستخدم في التعاملات الاقتصادية والإدارية.
تغيرات في السياسة اللغوية
مع تطور المجتمع المغربي، بدأت تظهر توجهات جديدة في السياسة التعليمية، تهدف إلى تحرير الأجيال الشابة من التبعية اللغوية التقليدية لفرنسا. فقد أصبح هناك وعي متزايد بضرورة تعلم الإنجليزية، التي أصبحت اللغة الأبرز في ميادين العلوم والاقتصاد العالمي. في تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين لعام 2021، أوصى التقرير بضرورة تعزيز تعدد اللغات وإعطاء الأولوية للإنجليزية لتمكين الطلاب المغاربة من المنافسة في الأسواق الدولية. ويعكس هذا التوجه رغبة المغرب في تنويع علاقاته الثقافية واللغوية والانتقال من نموذج فرنكوفوني إلى آخر عالمي.
زيارة الرئيس الفرنسي: إعادة الاعتبار للفرنسية أم تأكيد الانفتاح؟
تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب في توقيت يحمل رمزية خاصة، إذ قد يُنظر إليها كإشارة لدعم العلاقات الثنائية وتعزيز الشراكة اللغوية والثقافية بين البلدين. فعلى الرغم من الانتقادات الداخلية حول هيمنة الفرنسية، تبقى العلاقات السياسية والاقتصادية بين المغرب وفرنسا في أوجها، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتعليم العالي. وتعزز هذه العلاقات الحاجة إلى التواصل الفعّال بالفرنسية، وهو ما قد يدعم بقاء الفرنسية كلغة رئيسية، على الأقل في قطاع الأعمال والمؤسسات ذات العلاقات الفرنسية.
من ناحية أخرى، تعكس هذه الزيارة فهمًا فرنسيًا للتحولات الجارية في المغرب. ففي الوقت الذي يستعد فيه المغرب لتعزيز وجود اللغة الإنجليزية في المناهج، لا يمكن لفرنسا تجاهل تأثير ذلك على الحضور الثقافي الفرنسي. فقد يتطلب المستقبل تطوير برامج ثقافية وتعليمية جديدة تستهدف تعزيز اللغة الفرنسية عبر شراكات معززة، دون أن يتعارض ذلك مع تطلعات المغرب السيادية في التنوع اللغوي.
مستقبل اللغة الفرنسية: إلى أين؟
رغم التقارب بين البلدين، يبدو مستقبل اللغة الفرنسية في المغرب غير مضمون بالكامل. ففي استطلاع حديث، أعرب 79% من الشباب بالمغرب عن تفضيلهم تعلم الإنجليزية على الفرنسية، مما يعكس تحولًا جذريًا في النظرة إلى اللغات الأجنبية. ويرى الشباب في الإنجليزية فرصة للاندماج بشكل أعمق في الاقتصاد العالمي المتسارع، بينما يُنظر إلى الفرنسية بشكل متزايد كلغة مرتبطة بماضٍ استعماري.
ومع هذا، فإن اختفاء الفرنسية من المشهد المغربي يبدو مستبعدًا في المدى القريب، خصوصًا أن العديد من الشركات الفرنسية الكبرى ما زالت تعمل في السوق المغربي وتوفر فرص عمل تستوجب المعرفة بالفرنسية. ويمثل هذا الاقتصاد المرتبط بفرنسا عاملاً رئيسياً في استمرار الطلب على اللغة الفرنسية، كما أن العلاقات السياسية المستمرة بين المغرب وفرنسا قد تدعم مكانتها على المدى البعيد.
وفي الأخير يتجه المغرب نحو عصر جديد يتسم بتعدد الخيارات اللغوية، حيث أصبح الشباب المغربي ينظر إلى الإنجليزية كلغة للمستقبل في ظل تطلعات الانفتاح الدولي. ومع ذلك، قد تظل اللغة الفرنسية حاضرة، بفضل علاقات اقتصادية متينة تربط المغرب بفرنسا. لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً: هل تستطيع الفرنسية الاحتفاظ بمكانتها في مجتمع ينفتح على العالم ويبحث عن تنويع شراكاته؟