انطلقت صباح اليوم الأربعاء بكلية أصول الدين بمدينة تطوان، أشغال ندوة علمية دولية في موضوع “تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية: النشأة والتطور”، والتي تمتد على مدار يومين بمشاركة مجموعة من الأساتذة والباحثين المتخصصين من المغرب وخارجه.
الندوة تشرف على تنظيمها شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة بتنسيق مع فريق البحث فلسفة وتكامل العلوم في الحضارة الإسلامية بكلية أصول الدين بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط.
وستناقش الندوة الدولية 36 موضوعا موزعا على ستة جلسات علمية، إلى جانب محاضرة افتتاحية وأخرى ختامية، وذلك بمشاركة أساتذة وباحثين من جامعات مغربية مختلفة، إلى جانب أكاديميين من قطر وبريطانيا.
ويتعلق الأمر بمحاور “العلوم الإسلامية: النشأة والتطور”، “تاريخ العلوم العقلية والتجريبة في الحضارة الإسلامية”، “تاريخ الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية في الحضارة الإسلامية”، “الترجمة والرحلة وتطور العلوم”، “تصنيف العلوم في الحضارة الإسلامية”، “الاستشراق والإسهام العلمي للحضارة الإسلامية”، “التكامل بين العلوم في الحضارة الاسلامية”.
وتتضمن أشغال الندوة محاضرتين افتتاحيتين،الأولى في موضوع مسالك الفاعلية البرهانية في العلم، أطرها بناصر البوعزاتي، أستاذ الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، والثانية حول العلوم البحتة ضمن الحضارة الإسلامية شمولية وتكامل وانفتاح، سيؤطرها محمد زين العابدين الحسيني، أستاذ التعليم العالي المتخصص في التراث العلمي للحضارة العربية الإسلامية؟
عميد الكلية، عبد العزيز الرحموني، أشار في كلمته الافتتاحية إلى أهمية إبراز موضوع تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية في الوقت الراهن، موضحا أن اللجنة العلمية للندوة استقبلت ما يقرب 160 ورقة علمية، تم انتقاء 36 منها لعرضها في 7 جلسات علمية على مدار يومية.
وأوضح الرحموني في الجلسة الافتتاحية للندوة، أن الندوة تبتغي إبراز أدوار العرب والمسلمين في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية في مختلف العلوم، وتتبع هذه العلومن وكيف أسهم المسلمون في تقدم العلوم بمختلف تخصصاتها، مشددا على أن المسلمين لم يكونوا مجرد ناقلين من حضارات أخرى.
وأبرز عميد الكلية فضل العلوم في الحضارة العربية الإسلامية على باقي الحضارات، وكيف قاموا بأدوارهم الكبيرة في بناء الحضارة الإنسانية جمعاء، بما وصلوا إليه من تقدم وإنجازات في مختلف العلوم النقلية أو العقلية أو البحثة.
وأشار الرحموني إلى عدم الاكتفاء بدراسة واسكتشاف واستقراء هذه العلوم، مشددا على ضرورة توظيفها والاستفادة منها والبحث عن نقط القوة في هذا التراث العلمي الهائل، من أجل الاستفادة منها في حاضر ومستقبل الأمة الإسلامية.
من جانبه، قال أحمد الفراك، أستاذ الفلسفة والفكر بكلية أصول الدين، إن الندوة تسلط الضوء على علوم وتواريخ العلوم الإسلامية، وعلى الحضارة الإسلامية التي نشأت وتطورت فيها هذه العلوم، وأزمنة تلك النشأة ومخاضاتها ومناهج أنواع التلقي ومنعرجات التطور واتجاهاته.
واعتبر الفراك في كلمة باسم اللجنة التنظيمية للندوة، أن “تجديد الاهتمام البحثي بتاريخ العلوم في جامعاتنا، والآن من داخل كليتنا كلية أصول الدين، قد يكون لها في تقديرنا دلالات، منها التنبيه إلى أهمية تاريخ العلم، وتاريخ الأفكار، في ظل الاقتناع المتزايد بضرورة الاستيعاب العلمي لتاريخ العلوم في فضاءات الحضارة الإسلامية الممتدة على نطاق واسع”.
وأشار إلى أن الندوة تهدف إلى الإسهام في تنمية الوعي بالحاجة الملحة لدى المشتغلين بالعلوم الإسلامية إلى معرفة شبكة العلاقات الممكنة بين هذه العلوم، وهو تطور لافت بالنظر إلى أن التنافر بين العلوم وتنازع التخصصات، وفق تعبيره.
وكشف الفراك أنه مباشرة بعد إعلان الندوة، شرعت اللجنة العلمية في استقبال ملخصات الباحثين والتي بلغت 164 ملخص، تم قبول 74 منها، ووصل منها 52 بحثا، وبعد التحكيم تم انتقاء 36 بحثا، مشيرا إلى أن لجنة التنسيق واللجنة العلمية بذلت جهودا كبيرة، معربا عن عزم الكلية استثمار مضامين الندوة في كتاب خاص بها.
وخلال نفس الجلسة الافتتاحية، أفاد عبد الغني يحياوي، منسق فريق البحث فلسفة وتكامل العلوم في الحضارة الإسلامية بكلية أصول الدين بتطوان، بأن الحضارة الإسلامية تتميز بتراثها العلمي المتميز بغناه وتنوعه وتعدده، وذلك بفضل إسهامات أعلام هذه الأمة الكبار وما راكموه من إنجازات علمية على مر التاريخ الإسلامي، إبداعا وابتكارا واكتشافا وترجمة وتحقيقا وتنقيحا.
وأوضح قائلا: “نحن أمة حضارة وتاريخ مجيد، إلا أن هذا الفخر والاعتزاز لا ينبغي أن يكون كلاما عابرا في سياق عابر، بل ينبغي أن يتحول إلى أفعال تترجم على أرض الواقع ، ولذلك فمن أهم ما ينبغي الالتفات إليه والاهتمام به في واقعنا المعاصر هو تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية من أجل استثمار ذلك في النهضة والتقدم والرقي بالمعرفة”.
وأشار يحياوي إلى أن هذه الندوة العلمية الدولية جاءت استجابة لهذا المطلب الملح الذي ينسجم مع اهتمامات شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة، واهتمامات فريق البحث فلسفة وتكامل العلوم في الحضارة الإسلامية تاريخ واستشراف.
وشدد على أن الاهتمام بالتاريخ عموما هو ترسيخ للهوية، “فمن لا تاريخ له لا هوية له ولا حاضر ولا مستقبل له، فكذلك فيما يتعلق بهويتنا العلمية اذ بدون معرفة تاريخ العلوم في الحضارة نفقد البوصلة ونتيه عن الطريق الصحيح ونضيع الكثير من الجهود والأعمار”.
ويرى المتحدث أن هذه الندوة تأتي للاحتفاء بتاريخ الحضارة الإسلامية وبتاريخ علومها على وجه التحديد، وإبراز مكانة هذه العلوم ومدى تكاملها وتلاقحها والعلاقة بينها، سواء كانت نقلية أو عقلية تجريبية أو نظرية، لافتا إلى أن ما سيعرض مجرد نظرات وإشارات، نظرا لكون الخوض في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية يستدعي عشرات الندوات والمؤتمرات واللقاءات والمشاريع البحثية.
من جهته، أوضح الزبير درغازي، رئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة بكلية أصول الدين بتطوان، أن هذه الندوة تأتي في إطار تحقيق أهداف الكلية في استكمال تكوينات الطلبة الباحثين وتنويع مداركهم ومكتسباتهم، وتطوير مناهج البحث في التراث الإسلامي، ومواكبة المستجدات العلمية في هذا المجال.
وأشار في كلمته بالجلسة الافتتاحية، إلى “أهمية ما أسهم به علماء الأمة ونبغاؤها من علوم ومعارف في شتى مجالات الحياة، سواء مما له صلة بالأصول الشرعية من علوم القرآن والحديث والعقائد، أو له صلة بالحضارة الإنسانية عموما كالطب والهندسة والفلك، أو مما اتصل بعلوم الأوائل التي تلقوها وتلقفوها من حضارات قديمة مختلفة كالفلسفة والمنطق، فصهروها وكيفوها مع الحضارة الإسلامية حتى أصبحت فنا من فنون الحضارة الإسلامية، فسطع بذلك نجم الحضارة الإسلامية على الكون كله”.
واعتبر ردغازي أن هذه الندوة تأتي احتفاءً بتاريخ العلوم الإسلامية، ومن أجل توسيع النقاش حول قضية التكامل والتداخل بين العلوم على اختلاف مجالاتها وتخصصاتها.
كما تأتي الندوة، وفق المتحدث، من أجل فتح آفاق البحث وتوسيع المجالات البحثية لطلة الكلية، وكذا مختف الباحثين الذين حجوا إلينا من مختلف الجامعات والمدن المغربية لحضور هذا العرس العلمي الرائع، وفق قوله.