أخرت محكمة الاستئناف ببني ملال النظر في ملف شخصين أدينوا بالحبس النافذ بقرار سابق من المحكمة ذاتها في قضية ما باتت تعرف بالجمعية الوهمية بدمنات، إلى غاية 21 يناير الجاري، وذلك بعد أن تقدم الشخصان، أحدهما موظف والآخر صاحب مهنة حرة، بطعن في القرار الذي صدر بحقهما غيابياً.
وقال الطرف المدني في الملف ذاته في تصريح سابق لجريدة “العمق”، إنه لم يتسلم أي استدعاء لحضور الجلسة التي تم فيها إصدار قرار الإدانة من محكمة الاستئناف. وتتناول القضية، التي حظيت بمتابعة إعلامية واسعة، اتهام رئيس جماعة دمنات وخمسة آخرين بتهم تتعلق بـ “تزوير محررات عرفية والمشاركة في ذلك واستعمالها”.
وكانت محكمة الاستئناف قد أصدرت حكمها في نوفمبر الماضي، وقضت بتأييد الحكم الابتدائي مع تعديل العقوبة، بحيث أصبح الحبس نافذاً للمحكوم عليهم، بعد أن كانت المحكمة الابتدائية قد قررت عقوبة الحبس موقوف التنفيذ لمدة أربعة أشهر مع غرامة مالية قدرها 1000 درهم لكل متهم.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس جماعة دمنات، الذي انتخب أميناً جهوياً لحزب الأصالة والمعاصرة في بني ملال خنيفرة في مارس 2023، يُتهم بتزوير محررات عرفية واستعمالها، طبقا للفصلين 358 و359 من القانون الجنائي المغربي. وقد أثار هذا الحكم اهتماماً واسعاً في الأوساط المحلية والوطنية، خاصة مع الضغوط التي تتعرض لها الأحزاب السياسية فيما يتعلق بمكافحة الفساد.
وتعد هذه القضية إحدى المحاكمات البارزة في إقليم أزيلال التي تركز الضوء على محاولات التزوير واستعمال وثائق مزورة، في وقت تشهد فيه البلاد دعوات متزايدة لضمان الشفافية وتطبيق القانون بحزم ضد المخالفين. وفيما تواصل المحكمة النظر في القضية، ينتظر الجميع تفاصيل الجلسة المقبلة في 21 يناير، والتي من المتوقع أن تشهد فصولاً جديدة في هذه القضية التي تتفاعل مع العديد من الجوانب القانونية والسياسية.
وفيما يتعلق بالموضوع، كانت جريدة “العمق” قد أشارت في خبر سابق إلى اتخاذ خطوة جديدة في قضية النزاع المالي بين جمعية التنمية والرياضة والفن والثقافة بدمنات وجهة بني ملال خنيفرة، وذلك بعد مرور أكثر من عامين على إصدار الحكم من المحكمة الابتدائية بأزيلال. حيث تم تكليف مفوض قضائي بتبليغ الحكم الصادر في 2022.
وحسب مصادر الجريدة، فقد تمت إحالة الملف إلى المفوض القضائي بتاريخ 4 دجنبر الجاري، ليباشر إجراءات تبليغ الحكم على الأطراف المعنية. ويتضمن الحكم الذي صدر ضد الجمعية في شخص رئيس وأعضاء مكتبها إلزام الجمعية بإرجاع مبلغ 500,000 درهم إلى جهة بني ملال خنيفرة، إضافة إلى دفع تعويض مدني قدره 10,000 درهم، مع تحميلها كافة المصاريف القانونية المرتبطة بالقضية.
وكانت مصادر “العمق”، قد أشارت إلى أنه من المنتظر أن يباشر مجلس جهة بني ملال خنيفرة الخطوة الموالية، وهي تبليغ الحكم قصد تنفيذه، تزامناً مع النقاش الذي خلفه أسباب وخلفيات ما وصف بـ “تقاعس” الجهة وعدم تحركها لاسترجاع هذه المبالغ المهمة منذ أزيد من سنتين، خصوصاً أن الأمر يتعلق بالمال العام وليست أموالاً خاصة بأحد أعضاء مجلس الجهة.
وانفردت جريدة “العمق” قبل أيام بنشر تفاصيل القضية، إذ كشفت مصادر جيدة الاطلاع للجريدة عن تفاصيل جديدة حول ما يُعرف بـ “الجمعية الوهمية”، التي شغلت بال الرأي المحلي بدمنات، مشيرة إلى أن مجلس الجهة رفع مذكرة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بأزيلال منذ أزيد من سنتين ضد جمعية التنمية والرياضة والفن والثقافة، التي تربطها بها اتفاقية شراكة لتوفير دعم مالي للجمعية لتغطية مصاريف تنظيم مهرجان ثقافي وفني بالمدينة.
وأوضح مصدر من داخل مجلس جهة بني ملال للجريدة، أن جمعية التنمية والرياضة والفن والثقافة بدمنات تقدمت بطلب للحصول على دعم مالي من الجهة المعنية، بموجب الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين الجهة والجمعية، لافتاً إلى أن الاتفاقية نصت على تقديم دعم مالي قدره 500,000 درهم للجمعية للمساهمة في تغطية مصاريف تنظيم مهرجان ثقافي وفني بدمنات، شريطة أن تقوم الجمعية بتقديم كافة الوثائق المالية التي تثبت صرف الدعم، بما في ذلك الكشوفات البنكية والفواتير المتعلقة بالمصاريف.
وأكد المصدر ذاته أنه بالرغم من قيام مجلس الجهة بتوجيه عدة رسائل للجمعية المستفيدة من الدعم من أجل الحصول على هذه الوثائق، إلا أنها لم تتلق أي رد رسمي، وهي رسائل مؤرخة في 1 غشت 2017، و22 يناير 2018، و15 أكتوبر 2019، و20 نونبر 2019.
المعطيات التي حصلت عليها “العمق” تفيد أن رئيس مجلس الجهة السابق إبراهيم مجاهد المنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وجه رسالة أخرى للجمعية في عام 2020 لعقد اجتماع لتفعيل بنود الاتفاقية من أجل التسوية الرضائية، لكن الجمعية لم تحضر الاجتماع الذي انعقد بتاريخ 16 دجنبر 2020 مما أدى إلى تحرير محضر سلبي يثبت عدم التزامها بالشروط المنصوص عليها في الاتفاقية.
وأكدت مصادر الجريدة أنه في ظل عدم وفاء الجمعية بالتزاماتها، تقدمت الجهة بطلب للمحكمة لإرجاع المبلغ المالي الذي تم تقديمه للجمعية، بالإضافة إلى المطالبة بتعويض قدره 40,000 درهم عن الأضرار التي لحقت بالجهة نتيجة تقاعس الجمعية عن تنفيذ التزاماتها، وفق تعبير المصدر.
وبتاريخ 17 فبراير 2022، أصدرت المحكمة الابتدائية بأزيلال حكماً قطعياً يقضي بالحكم على المدعى عليها، أي الجمعية في شخص ممثلها القانوني، بإرجاع مبلغ 500,000 درهم لفائدة المدعية، أي جهة بني ملال خنيفرة، وبأدائها لفائدة الأخيرة تعويضا مدنياً إجمالياً قدره 10,000 درهم مع تحميلها المصاريف ورفض باقي الطلبات.
وفي سياق متصل، طالبت أصوات مدنية بإعادة فتح تحقيق في هذه القضية، خاصة بعد إدانة رئيس جماعة دمنات ومن معه بالحبس النافذ، حول ما إذا كان هناك ارتباط للملف الذي يتابع فيه رئيس الجماعة والمتعلق بتزوير محررات عرفية واستعمالها والمشاركة فيها، بملف الجمعية التي قضت المحكمة بإرجاع مبلغ 500,000 درهم لفائدة جهة بني ملال خنيفرة.
ويرى متتبعون أن الحكم الصادر والمتعلق بإلزام الجمعية بإعادة أموال إلى الجهة المانحة، وهي مجلس جهة بني ملال خنيفرة، يسلط الضوء على شبهة سوء تدبير أو استغلال غير مشروع للمال العام، مشيرين إلى أنه إذا ثبت وجود علاقة مباشرة بين هذه القضية وملف رئيس جماعة دمنات ومن معه، فإن ذلك يفتح الباب لإعادة تقييم التكييف القانوني للملف، علماً أن محكمة جرائم الأموال هي المختصة بالنظر في القضايا التي تشمل اختلاسات أو تبديداً أو إساءة استعمال الأموال العامة، مما قد يجعل الملف يدخل ضمن اختصاصها.