كشف تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع قانون المسطرة الجنائية 01.18 عن العديد من الإشكالات القانونية والعملية المتعلقة بإجراءات الحراسة النظرية، مؤكدًا ضرورة مراجعة العديد من النصوص القانونية لضمان احترام حقوق الإنسان وحماية المشتبه فيهم من التعسف أو الانتهاكات المحتملة.
وسجل المجلس أن المشروع وسع من السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية في تقدير مدى توافر الأسباب المبررة لوضع الشخص تحت الحراسة، مما يستدعي تعزيز مراقبة النيابة العامة على هذه الإجراءات، داعيًا إلى تدقيق الحالات المبررة للوضع تحت الحراسة، والتنصيص على حق النيابة العامة في رفع الحراسة النظرية فورًا في حال عدم توفر الشروط القانونية.
وأشار التقرير إلى أن مصطلح “الحراسة النظرية” الوارد في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية يعد ترجمة حرفية غير دقيقة للمصطلح الفرنسي “la garde à vue”، موضحًا أن المصطلح العربي “الوضع تحت الحراسة”، الذي كان مستخدمًا في المسطرة الجنائية الصادرة سنة 1958 قبل تعديلها سنة 2003، هو الأكثر دقة ووضوحًا.
وأبرز التقرير إشكالية عدم النص على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه من طرف الشرطة القضائية دون وضعه تحت الحراسة النظرية، مع إحاطة هذه الوضعية بضمانات المحاكمة العادلة، مشيرًا إلى أن القانون لم يتطرق لحالات عدم وضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية، مما يفتح الباب أمام الاستخدام المفرط لهذا الإجراء. ودعا إلى ضرورة التنصيص على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه دون وضعه تحت الحراسة.
كما أكد على ضرورة تمتيع المشتبه فيه بالحق في الإدلاء بتصريحات أو التزام الصمت، والحق في المؤازرة من طرف محام، حتى في إطار المساعدة القضائية، والحق في الاستعانة بترجمان إذا لزم الأمر، والحق في مغادرة مقر الشرطة القضائية إذا لم يكن موضوعًا تحت الحراسة.
ورغم أن المادة 1-66 من مشروع القانون نصت على أن الحراسة النظرية تدبير استثنائي، إلا أن التقرير أشار إلى أن الأسباب المذكورة تبقى عامة وفضفاضة، مما يجعل من الصعب عمليًا تصور حالة لا تتوفر فيها أحد هذه الأسباب.
وأكد التقرير على أن مشروع القانون أغفل حق الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية في إعلامه بمدة الوضع تحت الحراسة وطريقة تنفيذها. وأوصى المجلس بضرورة التنصيص على هذا الحق، وتوفير مطبوع يوضح للمشتبه فيه حقوقه باللغة التي يفهمها، مع تلاوته عليها وتوقيعه على استلامها.
وأشار إلى أن طريقة إشعار الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بحقوقه تتطلب مراجعة لضمان وضوحها وفعاليتها. حيث أوصى بتعداد حقوق الشخص الموضوع تحت الحراسة بشكل واضح، وإلزام ضابط الشرطة القضائية بسردها عليه، مع التأكيد على حقوق مثل الإعلام بدواعي الاعتقال، والحق في الصمت، والحق في الاتصال بمحام، والحق في إعلام العائلة، والحق في التغذية على نفقة الدولة، والحق في طلب إجراء فحص طبي.
ورغم أن المشروع نص على حق الشخص الموضوع تحت الحراسة في الاتصال بمحام منذ الساعة الأولى لتوقيفه، إلا أنه لم ينص على حق حضور المحامي أثناء الاستجواب، حيث أكد المجلس على أهمية هذا الحق كضمانة أساسية لتكافؤ الفرص بين السلطة والمشتبه فيه، داعيًا إلى التنصيص على إمكانية حضور المحامي أثناء الوضع تحت الحراسة، خاصة أثناء الاستجواب، مع ضمان سرية التشاور بين المحامي وموكله.
قدم المجلس توصيات إضافية لتعزيز حقوق المشتبه فيه، منها تقليص مدة الوضع تحت الحراسة في جرائم الإرهاب وأمن الدولة، والنص على تأجيل استنطاق المشتبه فيه في انتظار وصول المحامي، وإمكانية الاتصال بالمحامي مرة ثانية بعد تمديد الوضع تحت الحراسة، وتقليص مدة تأخير الاتصال بالمحامي في جرائم أمن الدولة والإرهاب، والنص على حق المشتبه فيه في الاطلاع على ملف الشرطة القضائية.
كما أوصى المجلس بتقرير حق الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية في طلب إخضاعه للفحص من طرف طبيب خلال فترة وضعه تحت الحراسة، مع ضمان نفس الحق لمحاميه أو أقاربه إذا كان عاجزًا عن تقديم الطلب.