منتدى العمق

المدرسة المغربية: القيم وإشكالية التنزيل والتفعيل

إيمانا بأهمية الموضوع وتفاعلا مع بعض الأحداث التربوية المعزولة التي عرفتها بعض المؤسسات التعليمية في مدن مغربية مختلفة، نتيجة الصراع الخفي ما بين إشكاليتي التنزيل والتفعيل.
وفي غمرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعرفها المغرب، فقد أضحت الحاجة ملحة للحديث عن ترسيخ مجموعة من المبادئ والقيم داخل المؤسسات التعليمية باعتبارها اللبنة الأساس في تكوين المواطن الصالح وبناء المجتمع.

ومدخل القيم هذا يحتل مكانة متميزة في المنهاج التربوي المغربي، حيث عملت وزارة التربية الوطنية والتعليم بتنسيق مع مديرية المناهج والبرامج على إدماج البعد القيمي في الكتب المدرسية. وذلك بتعديل البرامج والمناهج الدراسية، والتخطيط لوضعيات تعليمية حياتية حاملة لقيم مختلفة، بغية تكوين متعلم قادر على الاندماج الفعلي والايجابي بمجتمعه، متشبع بمجموعة من القيم والمعارف.

وعليه فسؤالنا العميق “المدرسة المغربية… أي قيم؟” وماهي خصوصية المدرسة التي نريد؟ باعتبارها مؤسسة اجتماعية رائدة في تطوير المجتمع وتنشئة الفرد وتربيته، وهذا ما يستدعي الاهتمام بها وبطبيعة القيم التي ننشدها من خلالها، غير أن الواقع يختلف تماما، من خلال طرح المدرسة لوضعية متناقضة بين خطاب التنظير وآليات الممارسة، رغم أن الوزارة الوصية على القطاع لا تدخر جهدا لتكون رائدة  في تنزيل الموضوع على أكمل وجه، خصوصا أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين أصدر تقريرا خاصا في الموضوع بنى تصوره للتربية على القيم أنها مقاربة شاملة تستدعي الأبعاد النفسية والسلوكية والاجتماعية والمدنية والثقافية والبيئية.

كما أن تنشئة الأطفال كذلك لا تنحصر فقط في تعليمهم الأخلاق والسلوك الحسن وتوفير وسائل التربية والتعليم لهم (المدرسة الرائدة نموذجا) بل للتنشئة مطالب ومرامي أبعد يجب أن تضم جناحي التعليم والتربية الروحانية. والمتعلم كذلك في حاجة دائمة ومستمرة إلى نظام تعليمي متجدد، يدرك حاجة متعلميه ومتطلباتهم النمائية، وليس نظام يبتدأ بالكلام وينتهي بالكلام. لأن الكنز الحقيقي للإنسان هو علمه الذي هو عزة نفسه   خصوصا إذا علمنا مسبقا أن العلاقة بين القيم والتربية علاقة متبادلة تتبادل التأثير والتأثر الذي قد يولد الفرح والنشاط والبهجة والانبساط أو العكس تماما.

فإذا كانت هذه القيم ثابتة مصدرها الأديان؛ فالتدين جاء لتهذيب السلوك وجعله مطابقا لمقتضى تعاليم الخالق من عباده وتوجيه البشرية نحو الكمال الأخلاقي والإنساني، بعيدا عن نوازع الذات والهوى. وحقيقة أخرى لابد من طرحها وهي أن المجتمع المغربي يستمد قيمه من الدين الإسلامي أولا، ومن العادات والتقاليد المتوارثة ثانيا، ثم من التراث الإنساني الكوني والعالمي ثالثا وأخيرا وهذا هو بيت القصيد الذي يجب أن ننتبه إليه، خصوصا مع العالم الجديد المتقدم للعولمة أصبح العالم اليوم بمثابة قرية صغيرة. منفتح على ثقافات وعادات ذات مبادئ كونية قد يستطيع أطفالنا وشبابنا التشبع بها انطلاقا من وسائل التواصل الاجتماعي، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها. وهذا ما دفع الوزارة الوصية على القطاع في أحد رافعاتها من جهة تعزيز الجوانب المرتبطة باللغات والمعارف والكفايات، وإعطاء أهمية خاصة للوسائط التكنولوجية الجديدة، اعتبارا للمكانة الوازنة التي أضحت تحتلها الأجيال الحالية، خصوصا في حياتها ومواقفها وتمثلاتها للذات وتفاعلها مع الآخر. ومن جهة أخرى توازيا مع تفعيل أهداف خارطة الطريق 2022-2026 خاصة في البرنامج الرابع المتعلق بالأنشطة الموازية والذي يهدف بالأساس إلى تفعيل الأنشطة الإبداعية والثقافية كوسيلة مهمة في التنشئة والتربية على القيم وتصحيح سلوك الناشئة.
ومع ذلك فالمدرسة المغربية تحتاج إلى وصفة سحرية، خاصة بتنزيل القيم وبالخصوص ذات البعد الكوني لتتجاوز إشكالية التنزيل والتفعيل، حتى نستطيع إنتاج مواطن يؤمن بالوحدة الوطنية والعالمية وبوحدة الجنس البشري.