وجهة نظر

كلمة بمناسبة الذكرى 81 للانتفاضات الشعبية في كل من الرباط وسلا وفاس أيام 29 و30 و31 يناير 1944

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛

فهذه كلمتي في عجالة بمناسبة الذكرى 81 للانتفاضات الشعبية في كل من الرباط وسلا وفاس أيام 29 و30 و31 يناير 1944، ضمن اللقاء الفكري الذي خصص لعنوان:

“الرصيد التاريخي والوطني لمراكش في الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، أدوار المؤسسات العمومية ومراكز البحث لإبرازه وتثمينه إغناء لقيم المواطنة الإيجابية في صفوف الأجيال القادمة”.

فأقول: إن المناسبات والأعياد الوطنية فرصة لتجديد شكر الله تعالى على المملكة المغربية التي شرفها الله وخصها بنعم كثيرة، وعلى رأسها إمارة المومنين الحامية للملة والدين، يقول الله تعالى: (وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).

فالوقوف مع ذكرياتنا ومناسباتنا الوطنية فيه تذكير بجهود المتقدمين، وما بذلوه من غال ونفيس في سبيل تحقيق أمن بلدنا واستقراره، وفي ضمنه بيان وتأكيد على وفاء السابقين في خدمة الثوابت الدينية والوطنية للمملكة المغربية الشريفة، متذكرين في شأن ذلك لآية عظيمة في الحث على العمل والعطاء، وهي قوله جل شأنه: (سنكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين).

ومن هذا المنطلق فإن الوقوف مع هذا الموضوع ” الرصيد التاريخي والوطني لمراكش في الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير…” له أهميته وقيمته، وذلك لارتباطه بعنصرين أساسين:

أحدهما: العنصر التاريخي، فلا يخفى على عموم الباحثين مكانة الدراسات التاريخية وعلاقتها بجل العلوم في إطار التكامل المعرفي، وتدوين الأحداث بمختلف حيثياتها يؤكد على الصيرورة المتوالية في تطور العلوم والأحداث، وليس ببعيد عنا ما دونه المؤرخون والعلماء في رحلاتهم؛ كرحلة ابن بطوطة ورحلة الغيغائي من تفاصيل حول الأعراف السائدة آنذاك إلى جانب ما يتعلق بالجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ويعتبر الحديث عن العصر الذي عاش فيه العلماء من هذه النواحي المختلفة أثناء تراجمهم من آكد المهمات؛ لما له من أثر على المترجم له.

وثانيهما: العنصر الوطني: ونقصد به روح الوطنية عند الصادقين من أبناء هذا البلد الآمين والأمين في مختلف الأعصار والقرون، وقد دون التاريخ جملة من بطولات هؤلاء الأبطال؛ وعلى رأسهم سلاطين وملوك الدولة العلوية؛ كبطل التحرير جلالة المغفور له السلطان محمد الخامس، وولي عهد آنذاك الملك العبقري الباني السلطان الحسن الثاني طيب الله ثراه ومن معهم في الحركة الوطنية المنبثقة من حس التشبت بإمارة المومنين الحامية للملة والدين ضد كل أطماع المستعمر الذي يطمع في الاستيلاء على أجزاء من مملكتنا المغربية الشريفة حرسها الله.

وإذ يأتي التأكيد في هذا المحفل على “الرصيد التاريخي والوطني لمراكش في الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، فما ذلك إلا لمكانة هذه المدينة وقيمتها الحضارية والثقافية، حتى عدت عاصمة الثقافة، ويكفي فخرا أنها مدينة الألف سنة.

ولا شك أن مدينة مراكش حوت إرثا ثقافيا مهما؛ سواء في جانب المخطوطات والوثائق؛ وخير شاهد على ذلك خزانة ابن يوسف العامرة بنفيس التراث، والذي يحتوي أيضا على تحبيسات كثيرة تؤرخ لهذا الاهتمام.

ونؤكد على هذا الاهتمام أيضا من خلال البيعات التي شهدتها مدينة مراكش للسلاطين والملوك، ونذكر من بينها بيعة السلطان سيدي محمد بن عبد الله وبيعة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن بجامع الكتبيين.

كما ينبغي التأكيد على أدوار هذه الفضاءات بما تحويه من هذا الرصيد الحسي والمعنوي في مختلف ربوع المملكة المغربية الشريفة، حيث يتوافد عليها بشكل مستمر عدد من المواطنات والمواطنين من مختلف الفئات العمرية صغارا وكبارا للاطلاع والتعرف على شيء من هذا الرصيد الذي هو بمثابة وصل بين الخلف والسلف بجامع خدمة الدين والوطن متمثلين هذا الشعار الدائم والمتأصل في النفوس والقلوب: الله الوطن الملك، وذلك من أجل غاية عظمى ألا وهي أن يحيى بلدنا وينعم بالأمن والاستقرار ويصير في ركب هذه المواكبة الحضارية والإنسانية في ظل إمارة مولانا أمير المومنين وحامي حمى الملة والدين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله ونصره.

هذا الملك الهمام الذي ما فتئ في خدمة جميع المجالات، بما في ذلك الشأن الديني الذي يرعى فيه جلالته عموم القيمين الدينين، ويكفي في الاطلاع على هذا العطاء المتواصل التأمل في الكتاب الذي صدر بعنوان ” عشرون سنة من العهد المحمدي الزاهر”.

ومن هذا المنطلق لا ننسى التأكيد على أهمية إبراز وتثمين وإغناء قيم المواطنة في صفوف الأجيال الجديدة، ويتأكد هذا الاهتمام والتهمم في هذا المقام وفي مجتمعنا على:

1-المؤسسات العمومية: حيث لها أدوار ومسؤوليات في التحسيس والترسيخ لثوابتنا الدينية والوطنية، فينبغي الاشتغال على ربط الأجيال الجديدة بمن سبق من الآباء والأجداد الذي أسهموا في بناء حضارتنا والحفاظ على تراثنا التاريخي والوطني، وعليه فينبغي علينا جميعا المساهمة في مواصلة هذا البناء، كل من موقعه، ولا ينبغي احتقار المجهودات ولو كانت صغيرة، فالعبرة بالإخلاص في العمل، والله تعالى يجازي ذلك الإنسان الذي تصدق بشق تمرة، رغم أنها في أعيننا لا تساوي شيئا.

2-مراكز البحث: ويتأكد عليها الإسهام في إحياء هذا الرصيد التاريخي والوطني بكل الوسائل المتاحة، وعلى رأسها التدوين والتأليف إلى جانب الندوات  والأيام الدراسية.

وقد سعينا بفضل الله بإخراج مجلة جعلنا عنوانها النبوغ، ويأتي في أولوياتها البحث في الثوابت الدينية والوطنية، والذي سيخصص عدد من أعدادها القادمة إن شاء الله للمناسبات الوطنية، كما أن من مجالات البحث فيها أيضا الوقوف مع تراث مراكش وأحوازها.

ونعتزم إن شاء الله قريبا إنشاء مركز يحمل هم خدمة وترسيخ الثوابت الدينية والوطنية.

فنسأل الله تعالى في ختام هذه الكلمة أن نكون ممن يسعى في تقديم ما ينفع هذه الأمة، ويمضي بها قدما إلى تحقيق معالي الأمور، وتحقيق الأمن والاستقرار بتوفيق الله وتيسيره.

حفظ الله مولانا أمير المومنين، وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس وأدام عزه ونصره، وأدامه لهذا الوطن منارا عاليا وسراجا هاديا، وأبقاه ذخرا وملاذا لهذه الأمة، وأقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل المولى الحسن، وشد عضده بصنوه السعيد مولاي رشيد، وفي كافة أسرته الملكية الشريفة.

وارحم اللهم الملكين الجليلين؛ مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأدخلهما برحمتك في عبادك الصالحين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.