في تحول لافت في الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء، حطت وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، الرحال في الأقاليم الجنوبية للمغرب يوم أمس، لتدشن بذلك أول زيارة رسمية لمسؤول حكومي فرنسي إلى المنطقة.
الخطوة، التي وصفت بـ”التاريخية”، تجاوزت حسب المهتمين بالعلاقات المغربية الفرنسية البعد البروتوكولي لتكرس دعما فرنسيا واضحا للسيادة المغربية، مجسدة تحولا سياسيا ينسجم مع توجهات الرباط في ترسيخ سيادتها على الأقاليم الجنوبية.
هذا، ولم تقتصر الزيارة على البعد السياسي، بل حملت معها إشارات ثقافية قوية، عبر إطلاق مشاريع تهدف إلى تعزيز الحضور الفرنسي في الصحراء، ما يعكس إرادة باريس في لعب دور أكثر فاعلية في معادلة المنطقة، وسط متغيرات إقليمية ودولية متسارعة.
في هذا الإطار، أكد خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، أن زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية للأقاليم الجنوبية المغربية تحمل دلالات سياسية واضحة، إذ تؤكد دعم فرنسا للمقاربة التنموية التي يعتمدها المغرب في الصحراء، ما يعكس اعترافا ضمنيا بالدور المغربي القيادي في المنطقة.
وأضاف أن الزيارة تعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، حيث تصبح الثقافة أداة لتعزيز العلاقات الثنائية، مسجلا أن هذه الزيارة تأتي في سياق إقليمي حساس، ما يمنحها بعدا دبلوماسيا يعكس دعم فرنسا لاستقرار المنطقة بقيادة المغرب.
واعتبر المتحدث أن فرنسا ترسل من خلال هذه الزيارة رسالة واضحة بأنها تتابع عن كثب المشاريع التنموية التي يشرف عليها المغرب في الأقاليم الجنوبية، ما يؤكد دعمها للجهود المغربية على الأرض، كما تعبر أيضا عن موقف سياسي غير معلن لكنه قوي، حيث تتجاوز الرمزية الثقافية لتبرز كخطوة داعمة للوحدة الترابية للمغرب.
وأشار الخبير السياسي، إلى أن هذه الزيارة تتزامن مع التوترات الإقليمية ما يجعلها خطوة تحمل بعدا سياسيا إضافيا، حيث تشير إلى أن فرنسا ترى في المغرب شريكا أساسيا للاستقرار الإقليمي، كما أن حضور وزيرة الثقافة يضفي طابعا مرنا على الدعم السياسي، ما يعكس أسلوب فرنسا في التعبير عن مواقفها من خلال قنوات متعددة.
ويرى معتضد، أن هذه الزيارة تعكس التزام فرنسا بموقفها الداعم للحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، حيث يمثل الحضور في الأقاليم الجنوبية دعما عمليا يتجاوز التصريحات الرسمية، مشددا على أن هذا الموقف يتماشى مع السياسة الفرنسية التي تعتبر مبادرة الحكم الذاتي أساسا جديا وواقعيا للحل.
وتابع بالقول : “الزيارة تؤكد أن فرنسا لا تقتصر على الدعم الدبلوماسي، بل تعمل على تعزيز الشراكة التنموية والثقافية في المنطقة، ما يعد ترجمة فعلية لموقفها السياسي، المشاركة في مشاريع بالأقاليم الجنوبية تعكس أن باريس ترى في التنمية جزءاً من الحل الإقليمي للنزاع”.
وختاما، أكد خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، أن الزيارة تبرز استمرار التنسيق الاستراتيجي بين البلدين حول قضايا المنطقة، حيث تظل قضية الصحراء جزءا من التفاهمات الكبرى التي تجمع بين الرباط وباريس، وهو ما يؤكد أن فرنسا مستمرة في دعمها للمغرب رغم التغيرات الإقليمية والدولية، وتماشيا مع التوجه الدولي الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه في الصحراء.
جدير بالذكر أن الوزيرة الفرنسية شبهت العلاقات الفرنسية المغربية، خلال ندوة صحفية مشتركة مع وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، محمد المهدي بنسعيد، صباح الثلاثاء بالرباط،بـ “قصص الحب التي تعرف هي الأخرى صراعات وتقلبات”، في إشارة رمزية إلى طبيعة العلاقة الثنائية بين البلدين.
وأشارت داتي، إلى أن هذه العلاقات، رغم التوترات التي قد تمر بها، تظل مبنية على الثقة والتعاون المشترك في مختلف المجالات، وخاصة في الجانب الثقافي الذي اعتبرته ركيزة أساسية للتفاهم بين البلدين.
وأضافت الوزيرة الفرنسية أنها سعيدة للغاية بزيارتها للمغرب، التي وصفتها بالناجحة، مشيدة بدور السفير الفرنسي في تحقيق هذا النجاح، مؤكدة أن زيارة الدولة التي قام بها قادة البلدين قبل أشهر رسمت خارطة طريق واضحة لتعاون مثمر في عدد من المجالات، من بينها التراث، ألعاب الفيديو، والاتصال السمعي البصري.
وخلال زيارتها التي شملت مدنا عدة، منها طرفاية والعيون، أثنت داتي على حجم التطور الذي شهدته البنية التحتية الثقافية في الصحراء المغربية، مشيرة إلى مشروع مستقبلي في مدينة العيون يعكس رؤية واعدة للمنطقة، وأوضحت أن المغرب لم ينتظر أحدًا لتطوير هذه المناطق، بل عمل باستقلالية وفعالية على تحقيق تقدم ملموس.
يذكر أنه تم التوقيع على 10 اتفاقيات جديدة تشمل مجالات الألعاب الإلكترونية والسينما والقطاع السمعي البصري والتراث وعلم الآثار والأرشيف، إلى جانب إطلاق معهد للإعلام والسمعي البصري.