شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا واسعا عقب انتشار مقاطع فيديو تظهر شابا مغربيا، يدعى “عبد الإله”، يعرض سمك السردين للبيع بسعر لا يتجاوز خمسة دراهم للكيلوغرام الواحد في أحد أسواق مدينة مراكش، وهو ما أثار استغراب العديد من التجار والمواطنين على حد سواء، خاصة في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الأسماك في الأسواق المغربية.
وقد أعاد هذا الجدل إلى الواجهة النقاش حول دور الوسطاء والمضاربين في تحديد أسعار السمك، ومدى تأثير تعدد المتدخلين في سلسلة التوزيع على ارتفاع الأسعار، ما يطرح تساؤلات حول آليات ضبط السوق وضمان توازن الأسعار بما يخدم المستهلك والصيادين على حد سواء.
غياب الرقابة
في تصريح للخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أشار إلى أن الإشكالية الرئيسة التي تواجه الاقتصاد الوطني تكمن في غياب الرقابة الفعالة على الأسواق، خصوصا فيما يتعلق بالأسعار، قائلا: إن المضاربين أو “الشناقة” يستغلون أي فرصة سانحة لرفع الأسعار، مما يؤدي إلى ضرر بالغ بالمنتجين المحليين، الذين يجدون أنفسهم أمام منافسة غير عادلة من الوسطاء الذين يحققون أرباحا أكبر من أرباحهم.
وأوضح الكتاني في تصريح لـ “العمق”، أن الرقابة على الأسعار يجب أن تكون مستمرة ودائمة، مسجلا أهمية الرقابة على جودة المنتجات أيضا، ومعتبرا أن المشكل ليس في ارتكاب المخالفات بل في غياب الرقابة الفعالة. إذ على الدولة أن تتخذ إجراءات صارمة لضمان تنفيذ القوانين المتعلقة بالأسواق بشكل مستمر، وليس فقط عند حدوث المخالفات.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن المسؤولية لا ينبغي أن تلقى فقط على عاتق الفاعلين في السوق، بل يجب أيضا أن تتحمل الرقابة جزءا من هذه المسؤولية، وأضاف: “النظام الرقابي يجب أن يشمل المراقبة الدائمة للفاعلين، لضمان عدم استغلال أي فجوات قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر”.
وأكد الكتاني أن “الوطنية والإحساس بالمسؤولية” يمكن أن تكون دافعا قويا للتصدي لهذه الظواهر السلبية، مسجلا أن التربية والأخلاق المكتسبة سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة أو الإعلام تلعب دورا كبيرا في التحفيز على اتخاذ مواقف إيجابية تحارب الفساد والممارسات الاستغلالية.
وأردف: “ما نشهده اليوم من تزايد في ظواهر الاستغلال والاحتكار ما هو إلا نتيجة لتدني الأخلاق في المجتمع، وهذا الوضع يسمح بانتشار مثل هذه الممارسات التي تؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي”.
وأشار عمر الكتاني إلى أن غياب الرقابة ينتج عن حاجة ملحة لوجود رقابة على الرقابة نفسها، وهو ما يدخل البلاد في دائرة مفرغة، موضحا أن هذا الوضع أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع، مما جعل النقود تفقد قيمتها بشكل متسارع، ما يشكل تهديدا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
أثمنة تثير التساؤلات
وبالعودة إلى المقطع المنتشر مؤخرا، أكد عبد الإله، المعروف بـ “عبدو” في تصريح لـ “العمق” أن سمك السردين والتي لم تتعد 5 دراهم، حقيقية وليست إشاعات كما ردد ذلك بعض تجار الأسماك، لكنه عاد ليؤكد أن الأسعار تخضع للعرض والطلب وأنه سيتجنب الإفصاح عن أثمنة السمك خوفا من أن يتعرض لأي اعتداد من طرف تجار السمك.
وأوضح تاجر السمك بمراكش، أن بيع السردين بسعر خمسة دراهم للكيلوغرام الواحد كان خلال فترة شهدت انخفاضًا عامًا في أسعار السمك، مشيرًا إلى أنه يحرص دائمًا على مواكبة الأسعار في السوق المحلي.
وأضاف قائلا: “حينما تنخفض الأسعار في السوق، أبيع بسعر منخفض، وعندما ترتفع، أضطر أيضا إلى الرفع من الثمن، لكنني أحاول دائمًا أن يكون هامش ربحي محدودًا، وأحيانًا لا يتجاوز درهما واحدا للكيلوغرام”.
الأثمان المتداولة والتي تفيد بأن سعر الكيلوغرام الواحد لا يتجاوز 5 دراهم، أمر نفاه عبد القادر التويربي، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لبحارة وربابنة الصيد البحري، موضحا أن الأسعار الحقيقية تختلف تماما عن تلك التي يتم الترويج لها.
أسعار غير واقعية
وأوضح التويربي في تصريح لـ “العمق” أن سعر السردين من المنبع يتراوح حاليا بين 7 و9 دراهم، مشيرا إلى أن تكلفة الإنتاج مرتفعة، حيث إن الصندوق الواحد، الذي يزن 24 كيلوغراما، يباع بـ 200 درهم، مضيفا أن تكاليف النقل والتبريد وعملية الإنتاج ترفع السعر النهائي، ما يجعل الرقم المتداول على المنصات الاجتماعية غير واقعي.
وأكد أن أسعار السردين تختلف بين المناطق الساحلية، حيث يتراوح سعره في هذه المناطق بين 13 و15 درهما للكيلوغرام، بينما يباع الصندوق الواحد بـ 250 درهما، وقد يصل أحيانا إلى 300 درهم، وفقا لظروف السوق وحجم العرض والطلب.
وأشار التويربي إلى أن الفترة الحالية تشهد نقصا في توفر السمك، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب مقارنة بالعرض، مشيرا إلى أن المصانع التي تعمل وفق العقود تحصل على السردين بسعر 6 دراهم للكيلوغرام، وهو ما يختلف عن الأسعار في الأسواق المفتوحة.
وفيما يخص التكلفة النهائية، شدد التويربي على أن السعر المتداول لا يغطي حتى مصاريف النقل من منطقة إلى أخرى، واستشهد المتحدث بمدينة آسفي، حيث يبلغ ثمن صندوق السردين من المنبع 200 درهم، ومع إضافة تكاليف التبريد والنقل وأجور العمال، يصبح من الطبيعي أن يشهد السعر ارتفاعا.
مجلس المنافسة
دخل مجلس المنافسة، على خط جدل أثمنة سمك السردين، وجدد رئيس المجلس أحمد رحو، التأكيد على أن المجلس فتح تحقيقًا في عملية بيع سمك السردين للمصنعين، وذلك للتأكد من مدى احترام مساطر البيع لمبادئ المنافسة الشريفة.
جدير بالذكر أن مجلس المنافسة، دخل على خط جدل أثمنة سمك السردين، وجدد رئيس المجلس أحمد رحو، التأكيد على أن المجلس فتح تحقيقا في عملية بيع سمك السردين للمصنعين، وذلك للتأكد من مدى احترام مساطر البيع لمبادئ المنافسة الشريفة.
وفي تصريح مقتضب لجريدة “العمق”، أوضح رحو أن التحقيق يركز على مساطر البيع لمصنعي دقيق سمك السردين ومصانع التعليب، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق بالسوق الاستهلاكية.
وأشار رئيس مجلس المنافسة إلى أن هذا التحقيق جاء بعد ملاحظات حول وجود خلل في سوق المنافسة، موضحا أن الهدف منه أيضا هو دراسة مدى تدخل الوسطاء في تحديد أسعار بيع السردين للمصنعين.
وشدد رئيس مجلس المنافسة على أن التحقيق لا يزال مشمولا بطابع السرية، في انتظار صدور نتائجه في الأسابيع القليلة المقبلة، حيث سيتم إطلاع الرأي العام الوطني على التفاصيل المتعلقة به.
تعليقات الزوار
هاشتاغ : عبد الاله يرجع لبيع السمك معزز مكرم .