في خطوة مفاجئة، وإن كانت متوقعة منذ مدة، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) التزامه بدعوة زعيمه عبد الله أوجلان للتخلي عن السلاح ووقف إطلاق النار بعد أربعة عقود من المواجهة ضد الدولة التركية لتحقيق حلم الانفصال. هذا التحول، وإن بدا خاصا بالسياق التركي، يحمل دلالات تتجاوز حدوده، خاصة بالنسبة لحركات مماثلة مثل جبهة البوليساريو، التي تتبنى نفس النهج القائم على العمل المسلح لتحقيق مشروعها الانفصالي. فهل يمثل هذا الإعلان انتكاسة لمشروع البوليساريو؟ وهل يمكن أن يدفعها إلى مراجعة استراتيجيتها؟
سياقات مختلفة.. مسارات متشابهة
رغم اختلاف السياقات التاريخية والجغرافية التي نشأتا فيها، إلا أن مسارات التشابه بين حزب العمال الكردستاني وجبهة البوليساريو شبه متطابقة. فحزب العمال الكردستاني يسعى إلى إقامة دولة كردية مستقلة، بينما تهدف البوليساريو إلى إقامة دولة صحراوية، ما يؤكد وجود رؤية انفصالية مشتركة في كِلا الحركتين.
واعتمد الطرفان على اللجوء إلى السلاح والعنف كوسيلة رئيسية لتحقيق وهم الانفصال، إذ تبنت كل حركة الكفاح المسلح لمواجهة الدول والأنظمة الرافضة لفك الارتباط والانفصال. ويُعتبر هذا التوجه المسلح خطوة استراتيجية تسعى إلى تحقيق أهدافهما على الرغم من العقبات الداخلية والخارجية.
إضافة إلى ذلك، يعتمد كلا الطرفين على دعم قوى خارجية لضمان استمراريتهما، سواء من خلال التمويل أو التسليح أو توفير الغطاء الدبلوماسي اللازم. هذا الدعم الخارجي يلعب دورا محوريا في توازن القوى والقدرة على مواصلة الصراع من أجل الانفصال.
مع ذلك، يواجه الطرفان تحديات كبيرة بسبب المتغيرات الدولية وتحولات موازين القوى الإقليمية والعالمية. فقد أُجبرت كلتا الحركتين على إعادة النظر في استراتيجياتهما وخياراتهما في ظل بيئة دولية أصبحت أقل دعما للمسارات الانفصالية، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الكفاح المسلح كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.
انعكاسات قرار PKK على البوليساريو
أحدث قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن الكفاح المسلح صدمة في الأوساط السياسية، حيث تحمل هذه الخطوة دلالات واسعة على مستقبل الحركات الانفصالية، ولا سيما لجبهة البوليساريو التي تتخذ من العمل المسلح وسيلة أساسية لتحقيق أهدافها، حيث يُعتبر تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح اعترافا ضمنيا بفشل هذا النهج في تحقيق الطموحات السياسية المنشودة. إذ يشير هذا القرار إلى أن المسار العسكري لم يعد مجديا، مما يُضعف موقف البوليساريو التي تعتمد على نفس الأسلوب رغم محدودية إمكانياتها البشرية والجغرافية.
وفي ظل توجه المجتمع الدولي نحو دعم الحلول السلمية، أصبح من الصعب تبرير استمرار الكفاح المسلح. إذ من شأن إعلان حزب العمال الكردستاني تعزيز قناعة المراقبين الدوليّين بأن المسار العسكري ليس حلا فعّالا، مما يزيد من الضغط على البوليساريو لقبول حلول سياسية، مثل مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، ويدفع بالمجتمع الدولي لإعادة تقييم مواقفهم.
وإذا كان حزب العمال الكردستاني يستمد دعمه من قوى خارجية اعتبرته ورقة ضغط ضد بعض الفاعلين الإقليميين، إلا أن تغير الأولويات الدولية أدّى إلى تراجع هذا الدعم. وفي حال البوليساريو، تشهد الحركة أيضا انخفاضا في التأييد الدولي؛ إذ بدأت بعض الدول، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، فيما تزداد عزلة الجزائر، الداعم الرئيسي للحركة.
كما من شأن قرار حزب العمال الكردستاني أن يُشكل ضربة نفسية كبيرة لجبهة البوليساريو، حيث يضعف الثقة في فعالية الكفاح المسلح كوسيلة لتحقيق الانفصال، وهو الانهيار الذي قد يؤدي إلى انقسامات داخل الحركة نفسها، خاصة بين المتطرفين الذين يصرون على الاستمرار في الحرب و”المعتدلين” الذين يرون ضرورة مراجعة النهج الراهن لصالح حلول سياسية وسلمية.
الواقعية السياسية وراء قرار PKK
في هذا السياق، أوضح الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية ونزاع الصحراء، صبري لحو، أن الحزب العمالي الكردستاني انتبه إلى أهمية الحلول السياسية والواقعية والعملية في الوصول إلى نهاية لنزاعات مرتبطة بالحفاظ على خصوصيات مرتبطة بالحقوق المرتبطة بالهوية في جانبها الشخصي والفردي داخل مجموعة تجمع بينها مشترك التاريخ والجغرافية والمصير المشترك، وإمكانية صيانتها وكفالتها داخل سيادة ووعاء وطني كبير وأشمل يضمن تلك الحقوق وتشكل ركنا أساسيا في غنى الدولة والأمة.
وأضاف لحو أن هذا الفهم الجديد للخصوصيات الفردية وعلاقتها بالجماعة المتعددة المتعايشة والمتلاحمة والمتضامنة داخل جماعة متعددة لا تقبل التجزئة والانقسام هو أساس الديناميكية المتجددة لتقرير المصير التقليدي، الذي كان ينكر الآخر في تحديده لصالح الأفراد الموحدين فيما يمكن تسميته بالأسرة والقبيلة والعشيرة دون مشاركة الآخرين الذين يؤثرون في جماعة الدولة والأمة المدنية ولصالح الانتماء الواحد والمواطنة الواحدة الذي يغدي التعدد والاختلاف قوته وغناه.
وأشار الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن هذه النظرية ثبت واقعيتها في إنهاء مجموعة من دعوات الانفصال في مجموعة من الدول لصالح دولة واحدة تضمن حقوق وحريات وخصوصيات أفراد وجماعات في نفس الدولة سواء في اسبانيا ونهاية إيتا الباسكية أو في كتالونيا لصالح المملكة الإسبانية الواحدة بحكومات مستقلة ومتميزة داخليا وموحدة على مستوى الخارج.
وقال المتحدث إن أهمية نهج السياسة والواقعية والبراغماتية والعملية لانهاء نزاعات مرتبطة بالانفصال هي التي أدت إلى قرار حزب العمال الكردستاني في تركيا وقبله في العراق ووضع السلاح والانتقال إلى المشاركة في خدمة المصلحة الجهوية والمحلية داخل إطار وطني كبير يضمن الخصوصيات المحلية ويعزز حمايتها ويضمن القوة ويضمن الانتماء داخل اطار المواطنة، بعد أن ثبت له أن النظرة الضيقة في الانفصال لا تخدم الحقوق المحلية بقدر ما ينهكها ويعرضها لخطر الانتقال إلى اتهام بالتطرف والارهاب، الذي أصبح العالم والسياسة الدولية تصف بها حركات الانفصال، لأنها تعطي الفرصة وتوفر الغطاء والحماية للتعصب والتطرف وما ينتج عنه من ارهاب وحرية منظمة من حيث تدري أو لا تدري.
فكرة أيديولوجية تجاوزها الزمن
وفي السياق ذاته، أكد المحامي صبري لحو أن القناعات المتتالية تعزل ما تبقى من هذه الحركات الانفصالية بما فيه البوليساريو وتفقدها أي شرعية بعد تقادم الأطروحات الفكرية والأيديولوجية التي تقوم عليها وتتجاوزها بفعل ديناميكية الحلول السياسية والواقعية والعملية، المرتبطة بديناميكية تقرير المصير نفسه وربطه بدور ومسؤولية باقي الأطراف بما فيه دور ومسؤولية المغرب في الحفاظ على أمن مواطنية وسيادة أراضيه.
ولفت لحو إلى دور ومسؤوليات المغرب الدولية في الحفاظ على السلم والأمن العالميين ومحاربة الارهاب والجريمة المنظمة ذات علاقة بتهريب البشر والهجرة غير النظامية. وهو صميم تطور نظرة مجلس الأمن في قراره الأخير الذي يحتاج إلى قراءة عميقة تستعمل مقاربة نسقية في اطار منهج التفكيك والتأويل كمقاربات تغيب في تحليلات المغاربة.
وخلص المصدر ذاته إلى أن ما أقدم عليه حزب العمال الكردستاني يقزم الدول التي تأوي وتساند وتدعم الحركات الانفصالية كالجزائر في علاقتها بالبوليساريو. ويجعلها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي لأنها تتصرف خارج شرعية تدعم الأمن والسلم العالميين.
تعليقات الزوار
الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو هي حركة تحررية صحراوية تأسست في 20 مايو 1973، وتسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تراه استعمارًا مغربيًا، غير أن الأمم المتحدة لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ولا تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة عضو في الأمم المتحدة لكن تعترف بالجبهة كمفاوض للمغرب الشعب عاق الشعب عاق الشعب عاق