منتدى العمق

دموع الحي العريق: الواقع المأساوي لساكنة سانية غربية

بعد قرار سلطات الرباط بحي المحيط القاضي بهدم منازل الساكنة، ومن خلال المتابعة لما يجري هناك، لا يختلف أي حكيم أو عاقل إن الوضع الذي يعيشه سكان حي المحيط في الرباط يعكس مأساة إنسانية واجتماعية عميقة. تعرض هؤلاء السكان، وخاصة أسر سانية غربية، لهدم منازلهم دون سابق إنذار ودون تعويض يُعتبر ضربًا من الظلم الذي يصيب حياة البشر في جوهرها.

في هذا الشهر الفضيل، حيث كان من المفترض أن يعيش هؤلاء الناس حالة من السكينة والطمأنينة، فإذا بهم يتفاجأون بقرار الهدم. ولم يُراعَ في هذا القرار كرامة الأسر التي بنت حياتها وعلاقاتها الاجتماعية في هذا الحي. كيف يمكن للأطفال أن يركزوا على دراستهم وهم يرون منازلهم تُهدم وأسرهم تفترش الأرض وتلتحف السماء؟

بالنسبة للأمهات والآباء، فإن مشاهدة منازلهم تتداعى أمام أعينهم تعني انهيار أحلامهم وآمالهم. هذه العائلات، التي بالكاد تجد قوت يومها، تجد نفسها فجأةً بلا مأوى، مما يخلق حالة من القلق العميق والتوتر النفسي. هؤلاء الناس يشعرون بفقدان الأمان والاستقرار، وهم الآن في حالة من الضياع والبحث عن مأوى جديد، في ظل ظروف اقتصادية صعبة. وغلاء فاحش لا يسر العدو والصديق.

إن هذا القرار الغاشم، الذي اتخذ دون التفكير في العواقب الاجتماعية والنفسية، قد يؤدي إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي. ففي كل بيت هدم قصة إنسانية واجتماعية، وعلاقات وذكريات لا يمكن تعويضها بسهولة.

يجب أن نتذكر دائمًا أن الإنسانية تكمن في القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومعاناتهم، والعمل على تحقيق العدالة والكرامة لهم. هؤلاء الناس يحتاجون اليوم قبل الغد إلى دعم ومساندة، وليس إلى تهميش وإقصاء.

تصريحات أحد نشطاء الحي تُظهر مدى التباين بين الأحلام والواقع. يقول: “بالتواصل مع الساكنة وباقي المتدخلين، كان بالإمكان تحويل الحي إلى منطقة تاريخية بتصميم معماري رائع يناسب تنظيم كأس العالم”. هذا التصريح يُلقي باللوم على السلطات التي تهتم فقط بإرضاء الزوار الأجانب الذين قد يقضون أيامًا معدودة في البلاد، بينما يظل السكان يعانون بعد انتهاء البطولة، وتستمر معهم الألآم بعد نهاية كأس العالم، الذي سيبقى نذير شؤم طيلة حياتهم.

الأطفال، الذين كانوا يطمحون إلى مستقبل أفضل، يرون الآن منازلهم تُهدم وأحلامهم تتحطم. كيف يمكن لهؤلاء الصغار أن يستوعبوا دروسهم وهم يعيشون هذه المعاناة؟ كيف يمكن للوالدين، الذين كانوا يأملون في حياة كريمة لأولادهم، أن يحتفظوا بالأمل وهم يشاهدون جدران منازلهم تتداعى أمام أعينهم؟

المشهد يعكس القلق النفسي العميق والتوتر الذي يخيم على حياة هذه الأسر. الأمهات والآباء، الذين بالكاد يجدون قوت يومهم، يجدون أنفسهم فجأةً بلا مأوى، محاصرين بين أرض قاسية وسماء باردة. كيف يمكن لهذه العائلات أن تشعر بالأمان أو الاستقرار في ظل هذه الظروف القاسية؟

هذا القرار الجائر، الذي اتُّخذ دون مراعاة للآثار الاجتماعية والنفسية، قد يؤدي إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي. كل بيت هدم يحكي قصة إنسانية فريدة، كل زاوية من زوايا الحي تحمل حكايات من الألم والأمل.

إن الإصغاء لتصريحات بعض السكان المتضررين يُبكِي القلب ويُشعِرك. بضياع الهوية. إحدى هؤلاء المتضررين، امرأة مسنة بلغت من العمر عتياً، تعكس ملامحها الحزن والألم. تقول: “… مالين لبرارك عوضهم وعطاوهم فين يسكنوا… أما هؤلاء معطاوهم والو”، في إشارة إلى سكان سانية غربية. هذه المرأة، التي تكافح الفقر والفاقة يوميًا، تضيف: “ومول الملك عمره ما وصلهم ولا شاف فيهم”، مشيرة إلى أن المالك لم يكلف نفسه عناء زيارة المتضررين أو التعاطف معهم.

وبنبرة حزينة وممتعضة، تعبر هذه المرأة عن حالة الجميع بقولها: “هاد الناس ما استفادوش فين غاديين يمشيو؟ غاديين يجلسوا عند الحائط…”. يُظهِر كلامها أنها تغلبت على أنانيتها وتحدثت نيابةً عن جميع الساكنة، معبرةً عن مصيرهم البائس، حيث لا ملجأ لهم سوى الجلوس بجانب حائط المقبرة الذي سيظل شاهداً على ظلم المسؤولين.

وطالب أحد الفاعلين الجمعويين، وأحد ساكنة الحي المنظمات النسائية بتبني ملف نساء الساكنة وتوجه إليهم بالقول:” الى المنظمات النسائية هناك نساء تعشن عذابا نفسيا جراء المجهول الذي ينتظرهن وأبنائهن بعد قرارات الهدم الغير مفهومة بحي المحيط” على حد تعبيره، وكأن الرجل يريد أن يرفع الصوت عاليا اتجاه معرفا بقضية انتهاك حقوق المرأة التي تتعرض إليها الان بهذا الحي الذي يهدّم. أما ندى السهلي وهي من نساء الحي فكتبت على حائطها بعبارات الحزن والأسى على المصير الذي باتت عليه ذاكرة الحي والتهديد الذي طال الأمهات والطفولة والبدايات المنتظرة:” حرمونا من العيش بسلام، دموع امهاتنا وصمة عار على جبينهم، بأس التسلط.

هل سنبدأ من الصفر؟

هل ستصبح ذكريات طفولتنا مجرد اطلال في خبر كان..”

وفي تحدي لما يحاك اتجاه هذا الحي العريق، وبعبارات الصمود والشموخ، غرّدت ندى على صفحتها قائلة:” عندما تدرك أنها النهاية فلا تمت جبانا…صامدون يا وطني رغم التهجير رغم الطرد”

وتحت “هاشتاغ متقيش غربيتي”، كتب الأستاذ حسن الخفيف عن الحي ومساره التاريخي واعتبر أن هذا الحي ساهم في تخريج الكفاءات الوطنية وبناء أطر مغربية تحملت مسؤوليات كبيرة داخل و خارج الوطن يقول هذا الشاب الذي ترعرع في هذا الحي  :” من أقدم و أعرق أحياء العاصمة، الحي الذي أنجب العديد من الفاعلين السياسيين الجمعويين والرياضيين، المفكرين والمثقفين” ويرى الإطار المغربي حسن الخفيف أن هذا :” الحي يجمع الفقير بالغني و المتوسط، حي مزيج بين الأصالة و المعاصرة، حي تاريخي حيث كانوا يقطنون فيه المقاومين و الشرفاء” وبلغة الألم و بعبارات التأفف و الحزن ختم تصريحه بما يلي:” يريدون هدم حي عريق وله تاريخ بدون رحمة و لا شفقة،  صامدون”.

وبالمحصلة؛ يمكن القول بأن الرسالة التي ينبغي أن يتلقفها صنّاع القرار بالرباط، وهي أن التنظيم المحكم والتخطيط الجيد ينبغي أن ينطلق من حسّنا الإنساني، ويستحضر مستقبل الوطن وشعبه، فلا قيمة لوطن بدون أهله، ولا حظ له إن لم يحفظ كرامة مواطنيه. إن الإنسانية الحقيقية تظهر في قدرتنا على التفاعل مع مشاعر الآخرين ومعاناتهم، والعمل على تحقيق العدالة والكرامة لهم.

إلى كل الضمائر الحيّة بهذا الوطن، وإلى كل النخب التي تخرّجت من هذا الحي العريق نقول بصوت مرتفع؛ هؤلاء السكان يحتاجون إلى دعمنا ومساندتنا، وليس إلى التهميش والإقصاء. يجب أن نتعلم من مآسيهم ونعمل على إيجاد حلول عادلة تضمن لهم حياة كريمة ومستقرة، تحترم كرامة الإنسان وتقدر مشاعره. لنكن لهم يد العون في محنتهم، ونقدم لهم الأمل في مستقبل أفضل يليق بإنسانيتهم. ولهذا؛ تعويضهم هو الحل وسترهم هو المطلب، وكف دموعهم واجب إنساني وضرورة أخلاقية وواجب ديني في هذا الشهر المبارك الكريم.

 

تعليقات الزوار