رفع وزير العدل عبد اللطيف وهبي من حدة خطابه تجاه جمعيات حماية المال العام، مؤكدا أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، اليوم الاثنين، رفضه لأي تعديل يمنح هذه الجمعيات الحق في مقاضاة المسؤولين والمنتخبين، مشددا على أنه قد يصوم ثلاثة أيام فقط إذا كان التعديل “معقولا”، موضحا أن رئيس الحكومة الإسبانية قدم نصا أكثر تشددا يمنع الجمعيات تماما من تقديم شكاوى ضد المسؤولين.
وخلال استعراضه للإحصائيات بين عامي 2021 و2024، كشف وهبي أن النيابة العامة تلقت 106 شكاوى من جمعيات حول قضايا اختلاس وتبديد أموال، حيث تم حفظ 31 منها، بينما بقيت 61 قيد البحث، و8 قيد التحقيق، وتمت إحالة 8 أخرى إلى المحكمة. أما بخصوص الشكاوى ضد رؤساء الجماعات، فقد تلقت النيابة 259 شكوى بين 2020 و2024، حفظت منها 112 لعدم توفر الأدلة، بينما لا يزال 132 ملفا قيد البحث، وأحيل 5 إلى المحاكمة.
وانتقد وهبي ما وصفه بالتشهير الذي تمارسه بعض الجمعيات ضد المسؤولين، حيث تُعقد ندوات صحفية لتوجيه الاتهامات، مما يؤدي إلى تدمير السمعة السياسية والاجتماعية للأشخاص المستهدفين، رغم عدم توفر أدلة كافية ضدهم، مؤكدا أن هذه الممارسات تخلق مسارا قضائيا موازيا يتم فيه استهداف أشخاص معينين واستثناء آخرين بناء على مصالح سياسية أو مالية، لافتا إلى أنهم يدرسون منح رؤساء الجماعات الامتياز القضائي.
وتساءل وهبي عن جدوى وجود النيابة العامة والقضاء إذا كانت الجمعيات ستتولى محاربة الفساد بنفسها، مشيرا إلى أن بعض الجمعيات تتكون من أفراد من العائلة نفسها، حيث يكون رئيس الجمعية هو الأب بينما زوجته وابنته مناصب الكاتبة العامة والمقررة، مضيفا أن بعض الجمعيات تلجأ إلى ابتزاز المسؤولين، حيث نقل عن أحد رؤساء الجماعات أن رئيس جمعية طالبه بالتعاون أو وضع شكاية ضده أمام القضاء.
كما انتقد وهبي الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرانسي”، معتبرا أنها منحت الحق في تقديم الشكاوى لكنها أعطت لنفسها اختصاصات تفوق حتى النيابة العامة، حيث تجري تحقيقاتها بنفسها وتتلقى الدعم المالي، إلا أن المشكلة تكمن في أن بعض الشكاوى لا تستند إلى أي أدلة، مشددا على أن الفساد لا يُحارب فقط عبر المتابعات القضائية، بل من خلال وضع إجراءات قانونية واضحة وفعالة لضبطه.
وكشف الوزير عن ممارسات مشبوهة داخل بعض جمعيات حماية المال العام، مشيرا إلى أنه يجمع أسماء رؤساء هذه الجمعيات من أجل إحالتهم على النيابة العامة، موضحا بالقول: “إذ نجد أن رؤساء بعض الجمعيات لا يعملون، لكنهم يمتلكون سيارات أفضل من سيارة رئيس الحكومة، ويملكون فيلات، فكيف يحصلون على هذه الأموال، ومن أين يمولون تنقلاتهم؟”.
في سياق متصل، أشار وهبي إلى أن أحد رجال الأعمال الميسورين المقيمين في نيويورك، اضطر للسفر إلى المغرب بعد اتهامه بتلقي رشوة بقيمة 17 ألف درهم، رغم أن تذكرة سفره وحدها كلفتها 70 ألف درهم، لينتهي الأمر بإغلاق معمله بسبب هذه القضية.
وختم وهبي مداخلته بالتأكيد على أن الفساد لا يُحارب بالشعارات أو الاعتقالات العشوائية، بل عبر تدابير قانونية دقيقة، مشددا على رفضه تعديل المادة 3، لأن ذلك سيفتح المجال لاستغلالها سياسيا من قبل جهات تمول جمعيات لاستهداف خصومها، محذرا من العواقب بعيدة المدى لمثل هذه الممارسات.