تبون وماكرون
سياسة

الجزائر تواصل خسائرها الديبلوماسية أمام المغرب.. لماذا يعود نظام تبون إلى باريس دون مكاسب؟

بعد شهور من التصعيد والمواقف العدائية تجاه فرنسا، تجد الجزائر نفسها اليوم مضطرة لإعادة بناء الجسور التي قطعتها مع باريس، في خطوة تعكس فشل دبلوماسيتها في فرض رؤيتها على الساحة الدولية.

فبعدما أعلنت الجزائر عن سحب سفيرها من باريس ردا على اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، واصلت التصعيد عبر خفض التمثيل الدبلوماسي والتمادي في نهج العداء، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تُفضِ إلى أي مكسب سياسي أو دبلوماسي.

اليوم، ومع تلقي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اتصالا هاتفيا من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والإعلان عن استئناف التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين، يتأكد أن الجزائر اضطرت للعودة إلى طاولة الحوار، بل وتسعى إلى تعزيز علاقاتها بباريس، دون أن تحقق أي تغيير في موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية، خاصة وأن باريس، التي اختارت دعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل نهائي للنزاع، لم تتراجع عن موقفها، بل إنها في المقابل تواصل توطيد علاقاتها الاستراتيجية مع الرباط، سياسيا واقتصاديا.

فهل يعد هذا التحول دليلا على إخفاق الجزائر في التفوق دبلوماسيا على المغرب؟ وهل يمثل هذا التراجع اعترافًا ضمنيًا من الجزائر بأن المواجهة مع باريس لم تؤتِ ثمارها، خاصة بعد أن وجدت نفسها مضطرة للعودة إلى مسار التقارب مع فرنسا دون تحقيق أي مكسب سياسي يذكر؟.

في هذا الإطار اعتبر، الخبير الأمني وأستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات، عصام العروسي، أن الجزائر فشلت دبلوماسيا منذ فترة طويلة، لافتا إلى أن المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها النظام الجزائري تتناقض مع حركة التاريخ وتؤكد على أن هذا النظام لا يزال يركز على العداء مع المغرب، وخاصة بعد القطيعة الدبلوماسية في عام 2021.

ووصف العروسي النظام الجزائري بأنه “أمعن في العداء واستخدام أدوات غير رسمية ضد المغرب”، مشيرا إلى أن الجزائر فقدت وزنها لدى العديد من شركائها الدوليين، بما في ذلك فرنسا وإسبانيا، مضيفا أن “عدم عقلانية القرار داخل قصر المرادية، والذي يتحكم فيه العسكر، دفع بالنظام إلى اتخاذ خطوات تجاه المجهول، ما يعكس عدم استقرار السياسة الخارجية الجزائرية”.

وشدد العروسي على أن المغرب قد استثمر بشكل ذكي في الدبلوماسية، حيث جعل قضية الصحراء المغربية في قلب شراكات استراتيجية مع الدول الكبرى، ما منح المملكة قدرة على تحقيق أهدافها الأساسية في المجالات السياسية والاقتصادية، معتبرا أن الجزائر فشلت في استراتيجيتها العدائية، حيث أثرت الخلافات مع إسبانيا وفرنسا على علاقاتها مع حلفائها التاريخيين.

واستعرض العروسي التحولات الكبيرة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، مشيرا إلى أن الصفعات التي تلقتها الجزائر، خاصة الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، كانت بمثابة ضربة قاسمة للنظام الجزائري الذي يعتمد بشكل كبير على فرنسا، موضحا أن فرنسا، من خلال اعترافها بمغربية الصحراء، أكدت أحقية المغرب في قضيته، ما جعل المغرب يحظى بدعم إقليمي ودولي متجانس.

و أشار إلى أن الجزائر، التي تسعى حاليا لتخفيف الأضرار الناجمة عن قطيعتها مع فرنسا، تحاول العودة إلى طاولة الحوار مع باريس، إلا أن “هذا التودد تحت الإكراه يعد محاولة يائسة لكسب الود الفرنسي، في وقت لم يعد للمحور الروسي الإيراني أو التحالفات الاقتصادية الصينية أي تأثير ملموس على الاقتصاد الجزائري أو مكانتها الإقليمية.

وفي تحليله لمستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، أكد خبير العلاقات الدولية أن الجزائر في “مرحلة تقليل الخسائر” عبر تقديم تنازلات، ما يعني أنها ستقبل بالانكسارات الدبلوماسية التي تراكمت على مدار السنوات الأخيرة، مسجلا أنه على الرغم من محاولات الجزائر تحسين علاقاتها مع فرنسا، إلا أن فرنسا لن تتراجع عن تقوية علاقاتها مع المغرب، وهو قرار استراتيجي.

وأشار المتحدث إلى أن المغرب نجح في تطوير علاقات متينة مع فرنسا من خلال الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى، بما في ذلك زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، ما يعكس التزام فرنسا بتعزيز التعاون الثنائي مع المملكة.

وأضاف أن “المغرب يعد بمثابة الشريك الاستراتيجي لفرنسا في العديد من القطاعات، بما في ذلك السياحة، الاستثمار، والتعاون الأمني، وهو ما لا يمكن أن تضحي به باريس لصالح الجزائر”.

ويرى العروسي أن الجزائر تسعى لتغيير استراتيجيتها بعد سلسلة من الفشل الدبلوماسي، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عودة العلاقات إلى ما كانت عليه مع فرنسا.

وحسب المتحدث فإن فرنسا أظهرت من خلال تحركاتها الدبلوماسية الأخيرة، بما في ذلك زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي للأقاليم الجنوبية للمغرب، رغبتها في تعزيز علاقاتها مع المملكة، إلا أن هذه التحولات تشير إلى أن المغرب أصبح لاعبا رئيسيا في السياسة الإقليمية.