شجرة الأركان (Argania spinosa) تُعد رمزًا بيئيًا وثقافيًا بارزًا في اشتوكة أيت باها، حيث تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد والمجتمع المحلي بفضل مواردها الطبيعية، خاصة زيت الأركان. ورغم قدرتها الكبيرة على التأقلم مع المناخ الجاف، فإنها تواجه تحديات تهدد استدامتها، مثل الاستغلال المفرط، الرعي الجائر، والتغيرات المناخية. لذا، يتطلب الحفاظ عليها استراتيجيات فعالة تشمل تعزيز الوعي البيئي، دعم التعاون المجتمعي، وتطبيق سياسات حماية صارمة.
كنز طبيعي مهدد
تُعتبر شجرة الأركان من النباتات المعمرة التي تمتاز بقدرتها العالية على التكيف مع المناطق الجافة، بفضل جذورها العميقة التي تساعدها على امتصاص المياه الجوفية. وهذا ما يجعلها عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على التوازن البيئي ومكافحة التصحر، إضافةً إلى دورها في حماية التربة من التعرية وتحسين خصوبتها.
كما تنتج هذه الشجرة ثمرة غنية يتم استخراج زيت الأركان منها، وهو من أجود الزيوت الطبيعية، المعروفة بفوائدها الغذائية والتجميلية والعلاجية. ويُعد هذا الزيت موردًا اقتصاديًا مهمًا، إذ يساهم في دعم الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل في مجالات جمع الثمار، استخراج الزيت، وتسويقه، مما يساعد العديد من الأسر في اشتوكة أيت باها على تحسين مستوى معيشتها.
التحديات التي تواجه شجرة الأركان
تعاني شجرة الأركان من عدة تحديات تهدد استدامتها، أبرزها التغيرات المناخية، حيث يؤدي الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى ضعف نموها وإنتاجها. كما أن الاستغلال المفرط من خلال قطع الأشجار والرعي الجائر يحدّ من مساحاتها الطبيعية ويعيق تجددها.
إضافة إلى ذلك، فإن تراجع الأعراف المحلية التي كانت تنظم فترات الراحة البيولوجية للأركان ساهم في تسريع تدهورها. ويُشكل ضعف التنظيم والتدبير تحديًا آخر، حيث يؤدي غياب سياسات واضحة لحماية الموارد الطبيعية إلى استنزاف الأركان بشكل غير مستدام.
الرعي الجائر، خاصة مع توافد أعداد كبيرة من المواشي، يتسبب في تدمير النباتات الصغيرة ويمنع تجدد الشجرة، كما يؤدي القطع الجائر إلى تراجع الغطاء النباتي وتدهور النظام البيئي.
شهادات ميدانية
في إطار البحث عن حلول لهذه التحديات، قام فريق العمل بزيارة لجمعية “أهل الشيف للتنمية والتعاون”، حيث أكد رئيسها أن معظم هذه المشكلات ترتبط بالتدخل البشري، سواء من خلال قطع الأشجار أو الرعي الجائر.
وأشار إلى أن الرعي الجائر، الجفاف، تراجع الأعراف المحلية، وغياب خطة واضحة لحماية شجرة الأركان، جميعها عوامل ساهمت في تدهور الوضع. وأوضح أن عدد القطعان يفوق الطاقة الاستيعابية للغابة، وأن غالبية الرعاة لا يحترمون فترات الراحة البيولوجية، مما يؤثر سلبًا على إنتاجية الشجرة.
وأضاف قائلًا: “الوضع يصل في بعض الأحيان إلى حدوث اشتباكات بين السكان المحليين والرحل. وقد قدمت العديد من الجمعيات شكاوى إلى المسؤولين، مطالبة بحماية الغابات من التدمير الممنهج، إلا أن الاستجابة لا تزال محدودة.”
الإجراءات المتخذة لحماية شجرة الأركان
اتخذت الدولة المغربية عدة تدابير لحماية شجرة الأركان وتعزيز استدامتها، من أبرزها:
- إدماجها ضمن استراتيجية المغرب الأخضر: وذلك لحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز زراعتها وتطوير الصناعات المرتبطة بها لتحسين دخل السكان.
- دعم التعاونيات النسوية: التي تساهم في إنتاج زيت الأركان، مما يساعد في تحسين أوضاع النساء وحماية البيئة.
- إنشاء مراكز التكوين: مثل مركز “تركانت”، لتدريب السكان على تقنيات الزراعة المستدامة وإنتاج زيت الأركان.
- تشجيع البحث العلمي: من خلال تطوير تقنيات حديثة لتحسين زراعة الأركان وإعادة غرس الأشجار المتضررة، مما يساهم في استعادة الغطاء النباتي وحماية البيئة.
نداء لحماية هذا الكنز الطبيعي
لمواجهة التحديات التي تهدد شجرة الأركان، يدعو المهتمون بالشأن البيئي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، مثل تعزيز قوانين الحماية، وتوعية السكان بأهمية هذه الشجرة. فالحفاظ على شجرة الأركان لا يقتصر على الجانب البيئي فقط، بل يشمل أيضًا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث إنها تمثل مصدر دخل لآلاف العائلات وتعزز السياحة البيئية. لذا، يتطلب الأمر تكاتف الجهود بين السلطات والمجتمع المدني لضمان استدامتها للأجيال القادمة.
في الختام، ألم يحن الوقت لأن تتخلى الساكنة عن أنانيتها وتنظر إلى شجرة الأركان بمنظور أكثر وعيًا واحترامًا؟ هل يمكن الحديث عن التنمية المستدامة في ظل استمرار سلوكيات تضر بالبيئة؟
لقد مضت عقود وشجرة الأركان تعاني من نفس التحديات التي تتفاقم مع مرور الزمن. فما أحوجنا اليوم، وقد اشتدت وطأة التدمير الذي يطالها، إلى مجتمع واعٍ يعيد إليها الاعتبار، ويصحح المسار من أجل ضمان استدامتها للأجيال القادمة.
المراجع:
- بيجيكن، رشيد. “الأركان.. شجرة مُعمّرة تعيل الأمازيغ وتشكو ‘أضرار الرحل'”. هسبريس، 26 نونبر 2017.
- “أيت باها: قطع عشوائي لشجر الأركان بغابات جماعة سيدي عبد الله البوشواري”. أكادير 24، 4 نونبر 2017.
- “شجرة الأركان بالأطلس الكبير.. عنصر لحماية البيئة ومصدر عيش عدد من الأسر”. فبراير، 3 ماي 2016.
- أيت بود، محمد. “شجرة أركان بين التثمين والاندثار”. أكال بريس، 26 ماي 2024.