منتدى العمق

الرياضة والتنمية البشرية أية علاقة؟

يلعب القطاع الرياضي دورا محوريا في الإقتصاد المحلي والمجالي،بفضل الفوائد الكثيرة التي يعود بها على المجتمعات المحلية لا على المستوى التجاري أو التسويقي أو السياحي أو الصحي،فالأنشطة الرياضية على تعدد انواعها تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وفي تحسين مستويات العيش داخل الدول وذلك راجعا للثروة التي تخلقها بشكل موسمي ودوري هذه الأخيرة(أي الأنشطة الرياضية) والرياضة في علاقتها بالتنمية البشرية فهي تتغيا تكريس رفاهية البشرية وتقليص الفوارق المجالية داخل الدولة الواحدة،ليست  الرياضة مجرد ترفيه وتسلية وتفريغ للطاقات السلبية،وإنما تعتبر هذه الأخير مصدر للنماء والتنمية البشرية.

سنحاول من خلال هذه المقالة  المقتضبة الوقوف عند أهم مظاهر وتجليات الرياضة بإعتبارها مدخلا من مداخل التنمية البشرية وذلك عبر التطرق للرياضة كفاعل في الرواج التجاري والإقتصادي(أولا)،وكمحرك للأشغال العمومية ومقلص لرقعة البطالة(ثانيا)،وكمسوق وجالب للفرص الإستثمارية(ثالثا)،وكمحافظ على الصحة العمومية(رابعا)،وكممول مبتكر لخزينة الجماعات الترابية(خامسا)،وكمروج للعملات الصعبة داخل الدول (سادسا)،وكوسيلة للإصلاح الإجتماعي وتخفيض معدلات الإجرام(سابعا).

أولا:الرياضة كمحرك إقتصادي وتجاري:

يساهم تنظيم التظاهرات الرياضية في تحريك العديد من القطاعات الإقتصادية المدرة للدخل والتي يعتبر وجودها ضروري لإنجاح هذه التظاهرات،على غرار قطاع المواصلات والنقل إذ تعرف حركة النقل العمومي إنتعاشة نوعية ملحوظة بسبب كثرة الإقبال الجماهيري الذي يصاحب هذه الأخيرة،كما ينتعش قطاع المطاعم وقطاع الفندقة إذ ترتفع عدد ليالي المبيت مما يوفر عوائد مهمة تضخ في خزينة الدولة الملايين من الدراهم والتي تستخلص من رسوم الخدمات الفندقية ومن مداخيل الضريبة على القيمة المضافة المتأتية من المواد التي تستخدم في إعداد الوجبات التي تقدمها المطاعم لزبائنها،كما أن هذه التظاهرات  تشكل فرصة ثمينة أمام الباعة المتجوليين الذي يستغلونها لبيع معروضاتهم من مأكولات ومستلزمات وأكسيسوارات التشجيع(أقمصة،شعارات،ريات،أعلام…) مما يساعد على تحسين وضعية هذه الفئة من المجتمع ويرتقي بقدرتهم الشرائية،وهذا ينعكس بالإيجاب على وضعيتهم الإقتصادية

ثانيا:الرياضة كمحرك للأشغال العمومية ومقلص للبطالة:

يستلزم إقامة الدول لبطولات أو حصولها على شرف تنظيمها الشروع في تشييد وبناء العديد من المرافق والبنيات التحتية من ملاعب وطرق وموانئ ومطارات وفناذق ومستشفيات…بغاية ضمان تنظيم أمثل وذي جودة لهذه البطولات وكذا حسن التسويق للمقدرات التنظيمية لهاته الدول،إلا أن هذا الأمر يحتم على هاته الأخيرة تشغيل العديد من اليد العاملة وبخاصة التي تنتمي إلى قطاع المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تعرف بطابعها التخصصي كتعشيب ملاعب كرة القدم أو صيانة المدرجات…فهذه المقاولات تساهم في توفير يد عاملة كافية من الشباب العاطلين على العمل مما يقلص من رقعة البطالة داخل الدول أو المجال الترابي المعني بتنظيم الحدث،كما أن إسناد صفقات الأشغال للمقاولات الصغرى والمتوسطة ينقدها من شبح الإفلاس والذي يعني أتوماتيكيا تسريح عدد هائل من العمال وبالتالي تشريد عدد لايستهان به من الأسر والرفع من عدد العطالة،وعليه فإن تمكين هذه المقاولات من صفقات الاشغال المتخصصة في بناية وصيانة وتجهيز الملاعب كفيلا بتجنيب الدول كابوس الإحتقان الإجتماعي.

ثالثا:الرياضة كمسوق ترابي وجالب للإستثمار الأجنبي:

قد يأتي الرياضي لبلد معين بصفته رياضي يريد المشاركة في مسابقة رياضية دولية،ويعجب بمناخ البلد وعاداته وطقوس أهله…،فيقرر في السنة الموالية لمشاركته في الحدث الرياضي القدوم للبلد بصفته سائحا فيقضي عطلته الصيفية أو عطلة رأس السنة…،ثم يأتي في السنة التالية بصفته مستثمرا في هذا البلد وفي جميع هذه الحالات يبقى البلد أكبر مستفيد إقتصاديا من هذه العمليات الثلاث التي قام بها الرياضي المومأ إليه أعلاه(مشاركة رياضية،سياحة،إستثمار) وأبرز مثال حي على ذلك النجم البرتغالي كريستيانور رونالدو الذي إختار المغرب وبالضبط مدينة مراكش من أجل إستثمار أمواله،وإستقر رأيه على قطاع الفنذقة فقام بتشييد فنذقه الخاص بالمدينة الحمراء مراكش،فهذا الإستثمار سيوفر فرص شغل عديدة امام شباب المدينة كما أنه يبرز مدى قدرة الرياضة على دفع الرياضيين الدوليين  نحو إستثمار أموالهم في مشاريع مدرة للدخل،داخل بلدان بعينها بعيدا عن بلدهم الأصلي.

كما أن تنظيم الراليات وطوافات الدرجات الهوائية وسباقات الماراطون،تجعل الرياضيين أكثر إحتكاكا بالمجال لأنها تقام في الهواء الطلق فيها يتعرف المشاركون عن قرب على ما تزخر به البلدان من مؤهلات طبيعية(جبال،وديان…) ومؤهلات عمرانية وسياحية وفلاحية…وكل هذا يسوق للفرص والمؤهلات الإستثمارية التي تزخر بها هذه الأخيرة.

رابعا:الرياضة والحفاظ على الصحة العمومية:

إن ممارسة الرياضة بشكل منتظم تساهم في حماية الصحة العامة داخل البلد،كما أنها تقلل من نسب الأمراض المزمنة كالسكري والسمنة وأمراض القلب…وبالتالي تخفض من نسبة الأماتة وترفع من معدل أمد الحياة،ولذلك تعمل البلدان على تشجيع سكانها على ممارسة الرياضة بشكل دوري عبر التحسيس والتوعية بأهمية النشاط البدني والرياضي وفوائده الصحية للإنسان،كما أن من شأن الإهتمام بممارسة النشاط البدني من قبل العموم أن يساعد في تقليل نفقات الدولة الموجهة للقطاع الصحي إذ يلتهم هذا القطاع الملايين في بعض البلدان ومنها المغرب وهكذا ستوجه هذه النفقات المتأتية من خزينة الدولة إلى قطاعات أخرى لا تقل أهمية عن الصحة مثل التعليم،وعليه فإن تحفيز العامة على ممارسة الرياضة من شأنه أن ينقص من الضغط الممارس على المستشفيات العمومية من جراء كثرة الطلبات المسلطة على الخدمات الطبية والشبه طبية…كما أنه سيوفر العلاجات للفئات الأكثر تضررا وهشاشة في المجتمع كالعجزة والشيوخ بدل الذي نشاهده الآن بمصحات ومستشفيات المغرب على اختلاف درجاتها،وتعد الأنشطة الرياضية من المتطلبات الأساسية لولوج بعض الوظائف العمومية والتي تقتضي تدخلات ميدانية حازمة كسلك الشرطة والوقاية المدنية والدرك الملكي ومصالح الجمارك والقوات المساعدة…كيما يكون المنتسب لهذه الوظائف على أتم الإستعداد للقيام بواجبه المهني بتفاني وإخلاص،إضافة إلى ذلك فإن إمتلاك الدولة لمواطنين أصحاء يشكل دافعة مهمة للإقتصاد الوطني ويوفر للدولة يد عاملة مؤهلة قادرة على الإنتاج والإبتكار في العديد من الميادين،فهؤلاء يعتبرون رأسمال لامادي يمكن تستخيره في أي لحظة لخدمة إقتصاد البلد.

خامسا:الرياضة كممول مبتكر لخزينة الجماعات الترابية:

تستطيع الجماعات الترابية (الجهات،العمالات والأقاليم،الجماعات)(حسب التوزيع المجالي المغربي لسنة 2015 ودستور 2011)،أن تقوم بإحداث منشآت رياضية كالمنتزهات الرياضية والمدن الرياضية والقرى الرياضية وكرائها للخواص بغية الإستفادة من عوائدها المادية في تغذية خزينة هذه الأخيرة وإعادة توظيف هذه الأموال في مشاريع أخرى تنموية كسطصلاح الطرق وصيانة قنوات الصرف الصحفي وتأهيل المدارس وتأهيل وصيانة المآثر التاريخية…ويمكن للجماعات الترابية الإشراف بنفسها على تدبير هذه المرافق الرياضية وغيرها وإستخلاص الرسوم من المرتفقين الذي يرغبون في الإستفادة من خدماتها بطريقة مباشرة في حالة ما كانت هذه الجماعات تتوفر على كوادر مؤهلة ولها خبرة في تدبير المؤسسات الرياضية،مما سيوفر لها سيولة مالية مهمة ستمكنها من تدبير أمورها بطريقة عقلانية وأكثر حكامة،هذه الطريقة تعتبر من الوسائل المبتكرة لتمويل مالية الجماعات الترابية وبالتالي الرفع من مداخيلها لضمان تخليصها من شبح الإقتراض والمديونية أو ما يطلق عليها في أدبيات التدبير العام المحلي مشكلة ” الباقي إستخلاصه”.

سادسا:الرياضة كمروج للعمالات الصعبة داخل الدول:

عند حلول موعد البطولات الدولية والقارية والإقليمية،يتوافد على الدول المقيمة لها العديد من الزوار من مشاركين وجماهير ومدربين ومرافقين…كل هؤلاء يحضرون ومعهم عملات بلدهم الأصلي أي نقود بلدهم الأصلي،ولكي يتسنى لهم قضاء مآربهم من مأكل وملبس ومبيت وتبضع فهم ملزموم بتحويل نقودهم إلى العملة المحلية الخاصة بالدول المستضيفة وبالتالي فإن عملية التحويلات البنكية هاته تعرف إنتعاشة ملحوظة عند إقامة التظاهرات الرياضية الدولية بخاصة،مما يرفع من رقم معاملات الدول وكذا من ناتجها الداخلي الخام ويحسن موقعها في بورصة القيم العالمية،ومنه فإن المسابقات الرياضية هي فرصة سانحة أمام الدول لتحسن من رقم معاملاتها وهي كذلك محرك مهم لقطاع التحويلات البنكية والذي يلعب دورا فاصلا في قطاع الإستثمارات كذلك.

سابعا:الرياضة كوسيلة للإصلاح الإجتماعي:

يمكن توظيف الرياضة كآلية للضبط الإجتماعي وللحد من انتشار الإنحراف والإجرام والإتجار في الممنوعات،فتوفير فضاءات رياضية كملاعب القرب ومركبات سوسيو رياضية فهذه المؤسسات الرياضية وغيرها توفر للشباب مراكز بديلة إمامهم لتفريغ مبكوتاتهم وقضاء وقت فراغهم في المجال الرياضي عوض الإرتكان في حواشي الأحياء وتعاطي الرذيلة وغيرها من الآفات،إن الرياضة تساعد الدول في تربية شبابها وتوجههم نحو تفريغ طاقاتهم في أنشطة بدنية تعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالنفع،كما أنها تنقذ الكثير من الشباب من الإنحراف والدلائل عديدة على ذلك من الواقع فمعظم الشباب الأبطال خاصة الذين يمارسون الرياضات القتالية حاليا إعترفوا بفضل النادي الذي ينتسبون إليه وكيف أنه أتاح لهم فرصة من ذهب للتعبير عن ذواتهم وإنتشالهم من براثين الإنحراف والجريمة،فالرياضة من هذا المنطلق أداة لملء فراغ الشباب ووسيلة ينفسون بها عن كرب الدنيا وما يعتور حياتهم اليومية من مشاكل وهموم،الرياضة بنسبة لهم علاج ضد اليأس والإكتئاب…

كما تستخدم هذه الأخيرة في إعادة إدماج الأشخاص المحكومين بعقوبات متفاوتة الدرجة في محيطهم السوسيولوجي وإتاحة الفرصة أمامهم لإحتراف الرياضة بعد مغادرتهم لأسوار السجون إما كلاعبين أو حكام أو كمدربين أو وكلاء لاعبين أو كمعدين بدنيين…تبعا لميولاتهم ولطبيعة الشواهد العلمية التي يحملونها،وهكذا ستعطيهم الرياضة إمكانية الإنخراط في الدينامية المجتمعية وبالتالي سيصبحون فاعلين في التنمية المستدامة لا معرقلين لمسارها.

بالإضافة إلى كل ما سبق يمكن إعتبار الرياضة قطاع لتوفير فرص الشغل لصالح فئات عريضة من شرائح المجتمع على تباين اعمارهم ومهاراتهم،فالمجال الرياضي يوفر فرص عمل عدة امام المنتسبين له ليعملوا كمدربين رياضيين في النوادي أو الجمعيات أو كأساتذة للتربية البدنية بالمدارس العمومية أو كمعدين بدنيين أو كحكام أو كمديري شركات متخصصة في تنظيم التظاهرات الرياضية أو كمحللي فيديو أو كأطباء رياضيين أو كبائعي للتجهيزات والمعدات والمستلزمات الرياضية أو كمنشطين رياضيين في إطار السياحة الرياضية كل هذه الوظائف،كل هذه الوظائف وغيرها تساهم في التقليص من هامش البطالة داخل المجتمع وبالتالي تحسن من الناتج الداخلي الخام المحلي وتدفع بهذا الأخير نحو التقدم والنماء.

ترصيدا لما سبق تعتبر الرياضة قطاعا إقتصاديا قائما بذاته في الدول المتقدمة،وبينما في الدول المتخلفة ما تزال تتلمس مكانها،بحيث مازال ينظر إليها كقطاع إستهلاكي اكثر من كونه إنتاجي،لكن ومع الطفرة التي شهد القطاع في السنوات الأخيرة بدأت هذه الدول تغير نظرتها للرياضة بشكل تدريجي وراحت تستثمر فيها ليقينها التام بفوائدها الإقتصادية والإجتماعية والصحية والتنموية،نظير ما تحققه من مكاسب على إنمائية وتربوية للسكان ولعامة الشعب.

إن الرياضة لهي بحق مصدر للثروة وهي وسيلة من سائل تحقيق التنمية المستدامة فبهذه الأخيرة نحمي حقوق الأجيال المتعاقبة من الضياع ونساهم في بناء مجتمع متعافي من الأمراض،مزدهر إقتصاديا،متشرب لقيم الهوية الوطنية مستعد للتضحية من أجل وطنه بالغالي والنفيس في سبيل جعل راية بلاده رفرافة في سماء كبرى الملتقيات الرياضية والدولية،ولن نصل لهذا المبتغى من دون إعمال قواعد الحكامة في تدبير قطاع الرياضة الوطنية،أما منطق الإستعطاف وطلب المساعدات الذي تعمل به بعض المؤسسات الرياضية بالمغرب فإنه سيبقي دار لقمان على حالها،فمتى يا ترى ستتغير نظرة المسؤولين في الدول العالم الثالثية نحو الرياضة لتجعل منها قطاع صانعا للثروة ومخلصا من التبعية الإقتصادية ؟

 

*هذا المقال عبارة عن ملخص مركز لرسالة نيل شهادة الماجستير في القانون العام تحت عنوان “الرياضة والتنمية الترابية الفاعلون والوظائف دراسة مقارنة.