في زمن أصبحت فيه الصورة تُقاس بعدد الإعجابات، والفيديو يُقوَّم بعدد المشاهدات، برزت على مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة مثيرة للجدل: أفراد، شبابًا وفتيات، يقدّمون أنفسهم كسلع افتراضية، في سبيل كسب المال، أو نيل الشهرة السريعة. فهل نحن أمام حالة من “بيع الذات”؟ أم هي انعكاس لمجتمع يمر بأزمة هوية وقيم؟
من خلال جولة بسيطة على “تيك توك”، و”إنستغرام”، و”سناب شات”، يلاحظ المتابع كمية المحتوى الذي يفتقر إلى أي قيمة حقيقية، ويعتمد بشكل أساسي على الجسد، أو الاستعراض المبالغ فيه، أو حتى الإيحاءات التي تتجاوز حدود الأدب والأخلاق.
الفتيات في الواجهة والاتهامات تلاحق.
رغم أن هذه الظاهرة تشمل الجنسين، إلا أن كثيرًا من الانتقادات توجَّه نحو بعض الفتيات اللواتي يستخدمن أجسادهن وملامحهن كوسيلة لجذب المتابعين. يُقال إن “من باع صورته باع نفسه”، ولكن هل الأمر بهذه البساطة؟ وماذا عن خلفياتهن الاجتماعية والاقتصادية؟ هل هن ضحايا بيئة فقيرة بالتربية والفرص، أم أنهن ببساطة اختارن الطريق الأسهل؟
قلة الأصل؟ أم قلة الوعي؟
يصف البعض من يلجأ إلى هذا الأسلوب بـ”قليل الأصل”، وهو تعبير شعبي يشير إلى غياب المبادئ والانتماء الأخلاقي. لكن هل يحق لنا أن نختزل القضية في هذا الوصف؟ علماء الاجتماع يرون أن وراء كل سلوك غير سوي خلفيات تربوية، نفسية، واقتصادية لا يمكن تجاهلها. فالشهرة على الإنترنت تحولت إلى طموح لدى البعض، خصوصًا عندما يرون من سبقهم يحققون أرباحًا ضخمة مقابل محتوى فارغ أو مبتذل.
تأثير سلبي يتسلل إلى العقول.
الأخطر في هذه الظاهرة ليس فقط ما يقدمه هؤلاء، بل الأثر الذي يتركونه لدى المتابعين، خصوصًا من فئة المراهقين. إذ باتت بعض الفتيات الصغيرات يعتقدن أن الجمال والجسد هما الوسيلة الأسرع للنجاح، بدلًا من التعليم أو المهارات أو الاجتهاد.
الحل يبدأ من الأسرة وينتهي بالمجتمع.
لا يمكن إلقاء اللوم كله على الأفراد فقط. فالأسرة تتحمّل دورًا كبيرًا في التربية والتوجيه، والمدرسة يجب أن تكون حصنًا من الوعي، كما يجب على المؤسسات الدينية والثقافية أن تلعب دورها في توعية الجيل الجديد بقيم الاحترام، والكرامة، والتمييز بين الشهرة المفيدة والسطحية المفرغة.
في المقابل، تقع على عاتق رواد مواقع التواصل مسؤولية نشر محتوى يحترم القيم، ويرفع من مستوى الذوق العام. فقد أصبحت هذه المنصات ساحة ثقافية بقدر ما هي ترفيهية.
إن بيع الذات على مواقع التواصل لم يعد مجرد سلوك فردي، بل أصبح ظاهرة تهدد نسيج المجتمع وتغذي ثقافة الاستهلاك والفراغ. وبدلًا من الشتم والتشهير، علينا أن نطرح الأسئلة الصحيحة: ما الذي أوصلنا إلى هذا؟ وكيف نصلح ما فسد؟