أكدت قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) أن الجزائر تلقت دعوة رسمية للمشاركة بصفة “مراقب” في مناورات “الأسد الإفريقي 2025″، وذلك في رد رسمي وجهته القيادة إلى الناشط السياسي والإعلامي الجزائري وليد كبير، الذي بادر بمراسلة أفريكوم استفسارا عن وضع الجزائر في هذه المناورات المرتقبة.
وجاء في تصريح مكتوب وجهه العقيد الأمريكي تيغنور، المسؤول في مكتب الشؤون العامة لأفريكوم، إلى وليد كبير: “لقد تمت دعوة الجزائر لمراقبة مناورات الأسد الإفريقي في تونس. ونحن نعمل حاليا على تأكيد ما إذا كانت ستشارك فعليا في التمرين كمراقب.”
وتُعدّ هذه المناورات من أكبر التمارين العسكرية متعددة الجنسيات في القارة الإفريقية، وتنظم سنويا بمشاركة دول محورية مثل الولايات المتحدة، المغرب، وتونس، في إطار تعزيز التعاون الأمني والعسكري ومواجهة التهديدات المشتركة في المنطقة.
ويُعدّ هذا التصريح أول موقف رسمي من القيادة الأمريكية حول مشاركة الجزائر في نسخة 2025 من مناورات الأسد الإفريقي، ما يمنحه أهمية خاصة، خصوصاً أنه يأتي استجابة مباشرة لرسالة بعث بها وليد كبير إلى مكتب الشؤون العامة لأفريكوم.
وكان وليذ كبير قد وجه رسالة مكتوبة إلى قيادة “أفريكوم” يستفسر فيها بشأن مشاركة الجزائر بصفة مراقب في مناورات الأسد الإفريقي 2025، مشيرا إلى رغبته في الحصول على توضيحات بخصوص الموضوع نظرًا للحساسية الجيوسياسية في منطقة شمال أفريقيا، وما يترتب على هذه المشاركة من دلالات استراتيجية.
وفي هذا السياق، أكد الناشط الإعلامي الجزائري وليد كبير، في تصريح لجريدة “العمق”، أن دعوة الجزائر للمشاركة بصفة “مراقب” في مناورات الأسد الإفريقي 2025 جاءت في سياق زيارة الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، إلى الجزائر مطلع سنة 2025، وهي الزيارة التي تمخضت عنها مذكرة تعاون عسكري بين الطرفين.
وأوضح كبير أن السلطات الجزائرية كانت تراهن على هذا التقارب لتهدئة الموقف الأمريكي تجاه ملف الصحراء المغربية، عبر بوابة التعاون العسكري وطلب الحصول على أسلحة أمريكية، إلا أن هذه المساعي لم تُكلل بالنجاح، بحسب تعبيره.
وفيما يتعلق بإعلان مشاركة الجزائر في مناورات “الأسد الإفريقي”، أوضح كبير أن مواقع تابعة للجيش الأمريكي نشرت في البداية قائمة الدول المشاركة في نسخة 2025، والتي ضمت الجزائر كبلد مراقب، إلى جانب دول أخرى مثل الهند وقطر، غير أن اسم الجزائر تم حذفه لاحقا في تحديث للمقال، في حين بقيت أسماء باقي الدول دون تغيير.
وأشار إلى أنه كان من بين أوائل من نشروا هذا الخبر، ولفتوا إلى مشاركة الجزائر إلى جانب إسرائيل في هذه المناورات، وهو ما يرجح أنه دفع النظام الجزائري إلى المطالبة بحذف اسم البلاد من القائمة المنشورة على الموقع العسكري الأمريكي.
وأضاف كبير أنه بعث برسالة رسمية إلى قيادة أفريكوم للاستفسار حول المسألة، وتلقى ردا يفيد بأنه بالفعل تم توجيه دعوة للجزائر للمشاركة كمراقب، لكن دون تأكيد رسمي حتى الآن، مشيرا إلى أن صيغة الرد كانت دبلوماسية ومفتوحة، ما يعزز فرضية أن الجزائر طلبت عدم الإعلان رسميا عن مشاركتها في هذه المرحلة.
واعتبر كبير أن المعطيات المتوفرة وتسلسل الأحداث تؤكد أن الجزائر ستكون حاضرة بالفعل كمراقب في المناورات، خصوصا في ضوء مذكرة التعاون الموقعة بين البلدين، مشددا على أن الهدف من التعتيم الإعلامي هو تفادي إثارة الجدل الداخلي حول مشاركة الجزائر في مناورات تضم إسرائيل كطرف.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن الجزائر ستكون حاضرة في مناورات الأسد الإفريقي 2025، والتي تنطلق منتصف أبريل الجاري في تونس، ضمن البرنامج المشترك الذي يجمع عدة دول تحت إشراف القيادة الأمريكية في إفريقيا.
وفي السياق ذاته، اعتبر عبد الفتاح فاتيحي، رئيس مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن دعوة القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) للجزائر للمشاركة بصفة مراقب في مناورات “الأسد الإفريقي” تُحمل الجزائر مسؤولية مباشرة تجاه قضايا السلم والأمن الدوليين، من خلال اختبار مدى التزامها بالتعاون العسكري في آليات التنسيق الدفاعي الإقليمي.
وأوضح فاتيحي ضمن تصريح لجريدة “العمق” أن هذه الخطوة تأتي في سياق الموقف الأمريكي الثابت والداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مشيرًا إلى أن “أفريكوم”، وضمن منطق التحالفات الأمنية، توجه عبر هذه الدعوة تساؤلا ضمنيا للجزائر بشأن مدى احترامها للتقسيم الجغرافي الجديد، الذي أقرّته واشنطن، والذي يُدرج الصحراء ضمن المجال الترابي للمملكة المغربية.
وأضاف الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن سماح الجزائر باستهداف جبهة البوليساريو، انطلاقًا من أراضيها، لدولة حليفة للولايات المتحدة في مجال التعاون العسكري، يعد انتهاكا صارخا لسيادة شريك إقليمي، ويتنافى مع الالتزامات التي تفرضها المشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي”، وعلى رأسها احترام الحدود المعترف بها دوليا.
ويرى المتحدث أن إدماج الجزائر كمراقب في هذه المناورات يُعد محاولة لدفعها نحو القبول بالحدود الأمنية والعسكرية الجديدة، بعد أن اعترفت الولايات المتحدة بالصحراء كجزء من التراب المغربي. وهو ما يعني، حسب رأيه، القبول الضمني بقواعد اشتباك جديدة، والخروج عن هذا المنطق قد يُفهم كتموضع خارج التحالفات الدولية التي تقودها واشنطن.
واختتم عبد الفتاح فاتيحي تحليله بالتأكيد على أن الجزائر ستجد نفسها محاصرة أولا بسلوكاتها المستفزة لدولة شريكة للمغرب عبر الأعمال العسكرية العدائية التي تقوم تنظيم البوليساريو انطلاقا من التراب الجزائري وثانيا بالأعمال الجزائرية في خلق أجواء التصعيد والتوتر وعدم إيلائها للتعاون الدولي المشترك أهمية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.