منتدى العمق

من أجل ثورة بيداغوجية.. تدريس المضامين العلمية بالإنجليزية كخيار استراتيجي

بصفتي أستاذا لمادة الرياضيات بالإنجليزية، وغيورا على واقع التعليم ببلدي المغرب، أؤمن أن تعميم تدريس المضامين العلمية باللغة الإنجليزية، وعلى رأسها الرياضيات، هو رهان استراتيجي ينبغي أن نخوضه بجدية ومسؤولية. هذا التوجه ليس ترفا لغويا، بل ضرورة تربوية وعلمية تفرضها التحولات التي يشهدها العالم المعاصر.

من وجهة نظري، أرتكز على ثلاث دعائم أساسية:

الارتباط العضوي بين الرياضيات والبرمجة: أصبحت البرمجة لغة العصر، والإنجليزية هي الحاضنة الأولى لأدبياتها وأدواتها. والرياضيات، باعتبارها البنية المنطقية للبرمجة، تكتسب فعالية مضاعفة حين تدرس بلغة التكنولوجيا.

الجانب الممتع للرياضيات بالإنجليزية: من خلال تجربتي، لاحظت أن التلاميذ يتفاعلون بحيوية أكبر مع المفاهيم حين تقدم لهم بالإنجليزية، لما تحمله من خفة في المصطلح، ومرونة في البنية، بعيدا عن الجمود اللغوي الذي قد يصاحب بعض الترجمات…
انجذاب الجيل الصاعد للإنجليزية: لا يمكن إنكار أن الشباب المغربي بات يقبل على تعلم الإنجليزية بدافع ذاتي، سواء من خلال الموسيقى أو الألعاب أو المحتوى الرقمي. لماذا لا نستثمر هذا التعلق في غرس مفاهيم الرياضيات بلغة محببة لديههم ؟!!

وإلى جانب هذه الأسباب، يمكن إضافة مرتكزات أخرى:

الولوج إلى مصادر المعرفة الحديثة: معظم الأبحاث والدروس المفتوحة (MOOCs) والوثائق المرجعية في الرياضيات تنشر بالإنجليزية، مما يتيح للمتعلمين مواكبة أحدث ما ينتج عالميا دون عائق لغوي.

تعزيز فرص التلاميذ في الدراسات العليا: الطلاب الذين يتقنون الرياضيات بالإنجليزية يكونون أكثر استعدادا لخوض المسارات الجامعية الدولية، والمشاركة في برامج التبادل والمنح الدراسية بالخارج.
تهيئة للاندماج المهني في السوق العالمية: الاقتصاد الرقمي، والوظائف ذات القيمة المضافة العالية، تتطلب كفاءات تجمع بين المنطق الرياضي والطلاقة في اللغة الإنجليزية.

ولا بد من التنويه بتجربة مغربية رائدة أثبتت على الأرض أن هذا التوجه ليس مستوردا أو بعيدا عن واقعنا. إنها تجربة “آنكلوسكول”، التي تعد نموذجا ناجحا لتدريس المضامين العلمية بالإنجليزية، انطلقت من داخل المنظومة التربوية المغربية وبأطر مغربية. ولعبد ربه شرف المساهمة مع الفريق في تأليف ثلاث مستويات من مقررات الرياضيات بالإنجليزية بإسم Igider يعني النسر بالأمازيغية، مما يعد خطوة عملية نحو تنزيل هذا الطموح اللغوي والتربوي.
الانتقال إلى تدريس الرياضيات بالإنجليزية لا يعني القطيعة مع لغتنا الوطنية، بل هو تنويع في الأدوات التعبيرية ورافعة للتميز الأكاديمي. إنه مشروع استثمار في الإنسان المغربي، وفي مستقبله العلمي والمعرفي.