منتدى العمق

حين يتحول العروبي إلى مادة للتهكم وصنع الفكاهة

في الكثير من الأعمال الفنية المغربية، يتحول الإنسان البدوي – أو “العروبي” كما يُنعت غالبا – من مكون أصيل في النسيج الوطني إلى مادة للسخرية، ووسيلة لإثارة الضحك على الخشبات والشاشات. الأمر لا يتعلق بإبراز الاختلاف الثقافي أو تصوير الواقع بمرآة الفن، بل يتجاوزه إلى استغلال فجّ لصورة نمطية، تُختزل فيها البادية في الجهل، والسذاجة، والبدائية. هكذا يتحول البدوي، لا إلى شخصية لها كيان وكرامة، بل إلى “قناع” يُرتدى من أجل إنجاح عروض فكاهية أو أغانٍ تجارية لا ترقى للاحترام.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ما يأتي:

✔️ كبور… حين يتحول الإنسان إلى قناع

من الصعب أن يُنكر أحد النجاح الكبير لشخصية كبور التي ابتكرها حسن الفد، لكن الأصعب هو التغاضي عن حقيقة أن هذه الشخصية لم تكن لتنجح لولا تقمصها الواضح لصورة البدوي، بلباسه ولهجته وحركاته “المضحكة”. فهل نضحك لأن كبور ذكي؟ أم لأن كبور بدوي؟ الأجوبة تُشير إلى استغلال مكرر لنموذج “العروبي” ككائن هجين، يُستعمل لخلق المفارقة والضحك، ثم يُرمى بمجرد ما تنتهي النكتة.

✔️ الفكاهة على ظهر العروبي (البدوي)

لا يكاد يخلو عرض فكاهي من “فقرة العروبي”، حيث يتم استدعاء صفاته: بطء الفهم، العفوية الزائدة، اللهجة الثقيلة، التقاليد “المضحكة”، وسذاجته أمام دهاء المديني(الحضري). هكذا يُستثمر البدوي ليُضحك الجمهور، لا ليُفكر في واقع البادية أو يتعاطف مع قضاياها. وحتى حين يتم تناول الفرق بين المدينة والبادية، غالبا ما تكون المقارنة مشحونة بتنمر غير معلن، وانحياز ضمني للمدينة كرمز للتقدم، وللبادية كرمز للتخلف.

✔️ أغنية “باغي نعمر الدار”… حين تُختزل المرأة في لهجتها

كلنا نذكر اغنية (باغي نعمر الدار بالمراة العروبية ) فحين انتشرت هذه الأغنية، لم تكن تعبيرا عن حب صادق للمرأة القادمة من البادية، بل كانت – في عمقها – تجارية وتنمرية، تستغل اللهجة والعادات لتخلق نغمة ساخرة. تضحك الأغنية الناس لا لأنهم يحبون “العروبية”، بل لأنهم يسخرون منها. وهذه سخرية موجهة ضد المرأة، ضد البادية، وضد الهامش برمّته.

ومن نافلة القول، فمن المفارقات العجيبة أن الذين يسخرون من البادية اليوم، هم في الغالب أحفادها. جاء آباؤهم أو أجدادهم من القرى طلبا للعيش، فاحتضنتهم المدينة، ثم أنجبت جيلا يسخر من الجذور التي أنبتته. ننسى، أو نتناسى، أن البادية هي من أطعمَت المدينة، وأن من ترعرع في الجبال والسهول هو من حمل على كتفيه تاريخ المغرب الحقيقي. فمتى نُدرك أن البادية ليست مجالا للسخرية، بل جزءا من الكرامة المغربية؟

وعليه، فنحن لسنا ضد الضحك والفكاهة، لكننا ضد الضحك على حساب كرامة الإنسان. نريد فنا يحترم البادية لا يستغلها، ويعكس تنوع المغرب لا يسخر منه. نريد أعمالا تُكرم الإنسان البدوي وتُبرِز حكمته وتجربته وكرمه، لا أن تجعله مجرد أضحوكة. حينها فقط، نكون قد بدأنا طريق المصالحة مع الأصل.