كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقريرها السنوي حول “حالة المناخ في إفريقيا 2024″، عن تصاعد غير مسبوق في حدة الظواهر المناخية بالقارة السمراء، محذرة من أن الطقس المتطرف بات يُخرج الأوضاع المناخية عن السيطرة، ويهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا بشكل متزايد.
وسجّل التقرير، الذي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، أن القارة تشهد السنوات العشر الأحرّ على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، مشيرا إلى أن سنة 2024 كانت ثاني أكثر الأعوام سخونة، في ظل موجات حر وجفاف وفيضانات مدمّرة أدت إلى سقوط ضحايا وتفاقم الأزمات الإنسانية، إضافة إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وانخفاض إنتاجية العمل، وتعطيل قطاعات حيوية كالتعليم والطاقة.
وفي المغرب، أورد التقرير أن فيضانات غير مسبوقة ضربت مناطق متعددة خلال شتنبر 2023، وأدت إلى وفاة 18 شخصا في إقليم طاطا، مع تدمير البنيات التحتية في قرى جبال الأطلس الصغير، بما في ذلك الطرق والآبار وشبكات الكهرباء. كما تجاوزت كميات الأمطار المعدلات المعتادة في فترة وجيزة، وسجلت منطقة تاكونيت 170 ملم من التساقطات في 24 ساعة فقط، ما أدى إلى امتلاء بحيرة إريقي للمرة الأولى منذ نحو خمسة عقود.
ووفق التقرير، فقد شهدت منطقة الصحراء الكبرى فيضانات تاريخية خلال شهري شتنبر وأكتوبر، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من خمسين عاما، فيما سجلت المنطقة المغاربية، وعلى رأسها المغرب، ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة خلال صيف 2024 بسبب ظاهرة “القبة الحرارية”. وبلغ متوسط الارتفاع في شمال إفريقيا 1.28 درجة مئوية فوق المعدل المرجعي (1991-2020)، ما جعلها المنطقة الأكثر سخونة بالقارة.
كما أشار التقرير إلى أن درجات حرارة سطح البحر حول القارة بلغت مستويات قياسية، خاصة في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، حيث غطت موجات الحر البحرية حوالي 30 مليون كيلومتر مربع، وهي المساحة الأكبر منذ بدء الرصد في 1993. وقد أثّرت هذه الظاهرة على النظم البيئية البحرية، وزادت من خطر العواصف الاستوائية وارتفاع مستوى سطح البحر.
فيضانات وجفاف يضربان القارة
بيّن التقرير أن موجات الجفاف الحادة أصابت دول الجنوب الإفريقي مثل زيمبابوي وزامبيا وملاوي، وتسببت بانخفاض إنتاج الحبوب بنسبة وصلت إلى 50%، كما أثرت قلة المياه على إنتاج الكهرباء من سد كاريبا، ما أدى إلى انقطاعات طويلة في التيار الكهربائي. في المقابل، ضربت الفيضانات المدمرة دول شرق إفريقيا مثل كينيا وتنزانيا وبوروندي، وأسفرت عن مقتل المئات وتشريد أكثر من 700 ألف شخص. أما غرب ووسط القارة، فشهدت فيضانات طالت نيجيريا والنيجر والكاميرون، وأثرت على أكثر من 4 ملايين شخص.
ومن بين أبرز التحولات المناخية غير المسبوقة، سُجل لأول مرة ظهور أعاصير استوائية في شمال غرب المحيط الهندي مثل “هدايا” و”إيالي”، وصلت إلى سواحل تنزانيا وكينيا، فيما ضرب الإعصار “تشيدو” جزيرة مايوت بعنف لم يُسجل منذ 90 عاماً.
التحول الرقمي.. فرصة في وجه التغير
رغم هذه التحديات، أشار التقرير إلى فرص واعدة في التحول الرقمي لتعزيز مواجهة التغير المناخي، حيث بدأت دول مثل نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا باستخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير التنبؤات الجوية والخدمات الزراعية. كما قامت 18 وكالة أرصاد جوية وطنية بتحسين حضورها الرقمي لتوسيع نطاق خدماتها للمواطنين.
لكن التقرير شدد على الحاجة لزيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتعزيز تبادل البيانات، وضمان وصول الخدمات إلى جميع الفئات الاجتماعية بشكل منصف.
وفي ختام التقرير، دعت الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، البروفيسورة سيليستي ساولو، إلى تحرك جماعي وفوري لمواجهة التحديات المناخية المتصاعدة، مؤكدة التزام المنظمة بمبادرات مثل “الإنذار المبكر للجميع”، ومشددة على أن تغير المناخ بات تهديدا مباشرا لكل مجالات الحياة في إفريقيا، من الغذاء والطاقة إلى التعليم والاستقرار الاجتماعي.