منتدى العمق

هل يفك العامل الجديد مكابح عجلة التنمية بإقليم قلعة السراغنة؟

في إطار دينامية التغيير وضخ دماء الحركية في الإدارة الترابية، أقدم الملك محمد السادس، طبقا لأحكام الدستور، على تعيين مجموعة من العمال على رأس بعض العمالات والأقاليم، وقد تم تعيين السيد سمير اليزيدي عاملا بإقليم قلعة السراغنة قادما من سيدي بن سليمان.

وبهذه المناسبة، لا يسعنا إلا الترحيب بقدوم السيد العامل، وكلنا أمل أن يُسهم هذا التغيير في حلحلة الكثير من الملفات التي تنتظر على رفوف مكتب السيد العامل، والتي من شأنها الإسهام في الدفع بعجلة التنمية المحلية، وفك العزلة عن الإقليم الذي يعاني من خصاص غير حصري على عدة مستويات ذات أولوية لبناء المغرب الحديث. فالإقليم يعاني من هشاشة مستفحلة تتطلب رؤى تتجاوز المعالجة السطحية والحلول المحدودة.

فانتظارات إقليم قلعة السراغنة من السيد العامل الجديد تتمركز أساسا في العالم القروي، الذي لا زال ينتظر، على سرير الإنعاش، الوصفة المناسبة لبث روح التنمية في جسده.

السيد العامل، بالثقة المولوية الجديدة، يواجه مجموعة من التحديات والمعيقات التي تؤثر سلبا على مستوى عيش السكان وتعيق التنمية.

ومن أبرز هذه المشاكل:

  1. ضعف البنية التحتية: تعاني من فقر وهشاشة على مستوى تبسيط شروط العيش وخلق الرفاه الاجتماعي في تصوره البسيط. فالعالم القروي يعاني من عزلة على مستوى النقل والتنقل وترويج المنتوجات المحلية، وهذا الطوق يجعله غريبا ومنفصلا عن محيط الوسط الاقتصادي المحلي والوطني. ناهيك عن ضعف الربط بالشبكة الكهربائية، التي لا تشمل كل المناطق، وأحيانا بعض الأسر داخل مجمعات سكنية مستفيدة من التغطية سابقا، على الرغم مما تكتسيه من أهمية في الحياة اليومية وفي مختلف أنشطة الساكنة. إلى جانب مشكل التسيير الذي تعاني منه الجمعيات الساهرة على الماء الصالح للشرب إداريا وقانونيا، والإكراهات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع الأكثر أهمية وحيوية، ويتطلب إرادة حقيقية وجهدا كبيرا لمعالجته، بالإضافة إلى ضعف شبكة الإنترنت.
  2. تدهور قطاع التعليم: لا يواكب التحولات الديمغرافية للإقليم، ويعرف تراجعا على مستوى بنياته الأساسية، المتمثلة في نقص مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي، وصعوبة الولوج للمدارس بسبب البعد الجغرافي، مما يساهم في ارتفاع نسبة الهدر المدرسي. بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها الجمعيات المكلفة بالنقل المدرسي، وكذلك معاناة بعض المؤسسات التعليمية فيما يخص تزويدها بالماء الصالح للشرب والمرافق الصحية، وأحيانا بعض مظاهر التسيب بمحيطها.
  3. تدهور قطاع الصحة ومحدودية خدماته: التي تعجز عن الاستجابة للحاجيات الملحة والمتطلبات المستعجلة للسكان، وخاصة أن الإقليم معروف بانتشار الزواحف السامة والقاتلة، التي ذهب ضحيتها عدة أرواح من الساكنة المحلية، التي لا زالت تعتمد أسلوب الطب الشعبي في غياب بدائل طبية حديثة. بالإضافة إلى المعاناة اليومية مع سيارات الإسعاف من حيث مصاريف التنقل التي تثقل كاهل المواطن البسيط، إلى جانب الضرورة الملحة لتوفير أقسام مستعجلات والولادة، وتقريب الخدمات من الفئة المعوزة.
  4. البطالة والهشاشة الاقتصادية: التي تخيم بضرواة على ربوع الإقليم، وخاصة بالمجال القروي، الذي لم يتمكن من تجاوز نمط العيش والإنتاج التقليدي في غياب مبادرات حقيقية لخلق أنشطة مدرة للربح، وتوجيه اقتصادي حديث مندمج. وهنا نستحضر مدى انخراط مؤسسات الدولة في إنجاح خريطة الطريق التي رسمها صاحب الجلالة والمتعلقة بمشاريع التنمية البشرية وأثرها في الواقع ونتائجها المتوخاة.
  5. جمود القطاع الفلاحي: وعدم قدرته على مواكبة التحولات الاجتماعية والديموغرافية، وانحصاره في نشاط فلاحي بعلِي، مع تشديد في المساطر الإدارية المتعلقة بتعذر حصول الكثير من الفلاحين على شواهد الاستغلال، التي كانت بنية التعميق وحفر الآبار وتربية حيوانية بسيطة بعيدة عن تحسين النسل لزيادة الإنتاج الحيواني ومشتقاته. مع الضرورة المستعجلة لتحيين لوائح ذوي الحقوق للجماعات السلالية، التي تقف عائقا أمام الكثيرين رغم أحقيتهم وامتلاكهم لنصيب مفرز يخول لهم الحصول على الوثائق اللازمة على أراضيهم للاستفادة، كغيرهم، من مشاريع الدولة والاستثمار فيها.
  6. الإقصاء الاجتماعي وغياب العدالة المجالية: التي تاهت في طريقها دون الوصول إلى عدة مناطق بالإقليم، فبعض هذه المناطق لا زال يعيش مظاهر مغرب ما قبل الاستقلال، اللهم بعض الملامح البسيطة التي تغيرت بجهود المهاجرين. ما يجعل طموح الشباب مرتبطا بالهجرة في ظل غياب مبادرات لإنعاش الوضع الاجتماعي.
  7. تدهور حالة مجموعة من الطرق الرئيسية والثانوية واستمرار عزلة الكثير من الدواوير.
  8. حلم الاستفادة من السكن اللائق: الذي يمتثل لشروط السلامة وتوفر الصرف الصحي، وتبسيط مساطر الحصول على رخص البناء.

فمشاكل العالم القروي في الإقليم لا تحتاج لوصف أو تعبير، فهي تكاد تنطق بأحوالها، بل تصرخ مستنجدة، تطالب بمقاربات شمولية تشمل تحسين البنية التحتية، وتطوير مجال التعليم، وتعزيز فرص الشغل، وتفعيل المشاركة السياسية الرشيدة للشباب، وتعزيز الحكامة المحلية مع تنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين لتحقيق تنمية مستدامة وعادلة في هذه المناطق.

ونأمل، انطلاقا من الاختصاصات الموكولة للسيد العامل والدور المحوري له في التنمية القروية، بكونه يمثل السلطة المركزية على المستوى المحلي ويضطلع بعدة مهام استراتيجية، أن يتم تحفيز التنمية المستدامة، وتنسيق السياسة العمومية بالإقليم بما يتماشى مع خصوصيات المنطقة، والحرص على انسجام وتكامل البرامج، مع العمل على تحسين مناخ الأعمال، والتشجيع على جذب الاستثمارات لخلق فرص الشغل وتحسين الدخل المحلي.

هذا بالإضافة إلى تأهيل القطاع الفلاحي باعتماد توفير الدعم المالي واللوجيستي، عبر تسهيل الولوج إلى التمويل والقروض الفلاحية، وخاصة لصغار الفلاحين، واعتماد تكوين مستمر في طرق الزراعة الحديثة، والتدبير الجيد للمياه، ومكافحة الأمراض الزراعية، وكذلك تبني تخطيط يهدف إلى تحديث وسائل الإنتاج كالري بالتنقيط، والمكننة، واستعمال البذور المختارة.

فالاهتمام بالعالم القروي مجاليا هو أولوية وضرورة ملحة من أجل تحقيق استقرار ديموغرافي، وخلق تنمية مجالية مستدامة تنشط الاقتصاد وتخلق فرص شغل، وتمتص معدل البطالة، وتحسن الدخل، وتخفف من وطأة الهشاشة والفقر، وتنمي الإنتاج الفلاحي الوطني.

وفي الختام، نشير إلى أن الإقليم في أمسِّ الحاجة إلى تنمية فعالة ومنتجة، لا تعتمد فقط على النمو الاقتصادي، بل تشمل أيضا الارتقاء بمستوى التعليم، وتحسين الرعاية الصحية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تطوير الاستثمار في الإنسان والبيئة والبنية التحتية، لبناء مستقبل مستدام يحقق الرفاهية للأجيال الحالية والقادمة. ويبقى هذا الحلم هدفا أساسيا تسعى إليه ساكنة الإقليم لتحقيق التقدم الشامل والمتوازن، وهذا طبعا يتوقف على انخراط جميع الفاعلين السياسيين والمجالس المنتخبة والمواطنين أنفسهم.