يُعتبر تدريس اللغة الفرنسية في المغرب من بين القضايا التربوية التي ما تزال تثير نقاشًا محتدمًا، ليس فقط بسبب موقع هذه اللغة داخل النسق التعليمي، ولكن لما يكشفه الواقع الميداني من تعثرات بنيوية واختلالات ديداكتيكية. فحين تصبح وثيقة رسمية كاختبار جهوي حافلة بالأخطاء اللغوية والمنهجية، فإن الأمر لا يُعد حادثًا عرضيًا، بل مؤشرا دالا على عمق الأزمة التي تطال هذا التخصص التعليمي.
ورقة الامتحان الجهوي الخاص باللغة الفرنسية الموجهة لتلاميذ السنة الأولى بكالوريا لسنة 2025، تكشف بشكل لا لبس فيه عن مستوى التدهور الذي لحق إعداد أدوات التقويم، وهي المرحلة التي يُفترض أن تكون خلاصة مسار تعليمي يستند إلى دقة لغوية، وتوازن بيداغوجي، ووضوح في الأهداف. الخطأ الأول المتمثل في “Qu’elle est la tonalité” يُبرز تداخلا في الوظائف النحوية لا يُغتفر في سياق امتحان رسمي، ذلك أن الخلط بين أداة الاستفهام “quelle” والضمير “qu’elle” لا يُحدث فقط خللا لغويًا، بل يُربك المتعلم ويقوض ثقة المتلقي في مضمون السؤال. أما الخطأ الثاني، والمتمثل في تصريف الفعل “reconnaître” بصيغة “reconnaissiez-vous” في سياق استفهامي مباشر، فيعد دليلاً على غياب أدنى معايير التحقق من الصيغ، مما يدل على أن ورقة الامتحان لم تمر من غربال المراجعة والتدقيق، وهو أمر مقلق على أكثر من صعيد.
لا يمكن فصل هذه الاختلالات عن السياق العام الذي يطبع تدريس اللغة الفرنسية في المغرب، حيث تعاني هذه المادة من إرث معقد يتقاطع فيه البعد التاريخي مع الخيارات السياسية والتربوية. فمن جهة، تتعامل المنظومة التعليمية مع الفرنسية باعتبارها لغة للمواد العلمية والتقنية، لكنها من جهة أخرى، لا توفر للتلميذ المسارات اللازمة لبناء كفايات لغوية حقيقية تسمح له بالتفاعل مع هذه اللغة بشكل وظيفي وسلس. المفارقة هنا أن النظام التعليمي يطالب المتعلم بإنجاز اختبارات معقدة في الفرنسية، في حين أن تكوينه الأساسي لا يرتقي في كثير من الأحيان إلى المستوى الذي يخوله فهم التعليمات أو تحليل النصوص بأسلوب ممنهج.
إن أزمة تدريس الفرنسية لا ترتبط فقط بمستوى التلاميذ، بل تمتد إلى الأساتذة أنفسهم، والذين غالبًا ما يشتكون من ضعف التكوين الأساس، أو من غياب المصاحبة البيداغوجية الفعلية، أو من غموض التوجيهات الرسمية. في ظل هذا الوضع، يصبح تحضير الامتحانات، وتحديدا الموحدة منها، أداة للارتجال أكثر منها وسيلة لتقييم حقيقي للتعلمات. كما أن غياب معايير واضحة لتقويم اللغة، وإسناد مهام الإعداد لأطر غير متخصصة أحيانًا، يساهم في إنتاج مواد اختبارية تعج بالأخطاء، وتفقد التقييم وظيفته التربوية.
إن المتتبع لما جرى في امتحان 2025 قد لا يرى في المسألة أكثر من زلة لغوية عابرة، إلا أن القراءة المتأنية تكشف عن منظومة تقييم مهزوزة، وأسلوب اشتغال بعيد عن الاحترافية المفترضة في مثل هذه المحطات التعليمية الحساسة. فالخطأ اللغوي هنا ليس فقط مسألة صرف أو تركيب، بل هو خلل في التكوين، وتهاون في الإشراف، واستخفاف بجودة التعليم.
أمام هذا الواقع، يطرح السؤال حول الجهة التي تتحمل مسؤولية ما يقع. هل هو غياب لجان متخصصة حقيقية تتولى إعداد ومراجعة هذه الامتحانات؟ أم هو غياب ثقافة الجودة في إعداد المحتويات التربوية؟ أم هو انعكاس للأزمة الأعم التي يعيشها التعليم في المغرب؟ مهما تكن الإجابة، فإن ما حدث يجب ألا يمر دون محاسبة أو تقويم ذاتي عميق داخل الوزارة الوصية ومصالحها الجهوية.
فإذا كانت المدرسة المغربية تطمح إلى التكوين الجيد، فإن الخطوة الأولى تبدأ من احترام المتعلم، وذلك يمر وجوبا عبر إنتاج أدوات تقييم سليمة لغويًا، دقيقة بيداغوجيًا، شفافة وظيفيًا. ولا يمكن للغة الفرنسية، أو غيرها من المواد، أن تنهض من عثرتها ما دامت أدوات التقييم تعاني من نفس الهشاشة التي تعاني منها المقررات والمناهج والأساليب البيداغوجية. إن الحاجة إلى إصلاح جذري لتدريس اللغة الفرنسية في المغرب، بما يشمل التكوين الأساس والمستمر للأطر، وتحديث البرامج والمضامين، وضبط آليات التقييم والتصحيح، أصبحت أكثر من ملحة، لأن الأمر لم يعد يتعلق بأخطاء في أوراق الامتحان، بل بخيارات مصيرية في مستقبل جيل كامل.