احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ندوة علمية وطنية تحت عنوان: “الصورة في الزمن الأيقوني الجديد”، بشراكة مع ماستر “السرديات الثقافية والسيميولوجية”، وذلك في إطار مواكبة التحولات الرقمية وأثرها في الفعل الثقافي والسردي.
وافتتحت الندوة بكلمة لمحمد خريصي، عضو اللجنة التنظيمية، الذي أكد على أن تنظيم هذا اللقاء الأكاديمي يأتي في سياق تنامي أهمية الصورة كوسيط مركزي في التواصل الإنساني، في ظل الثورة الرقمية الجارية. وأبرز خريصي أن النقاش حول الصورة يتأرجح بين موقفين متباينين؛ أحدهما يحتفي بها والآخر يتحفظ منها، وهو ما يعكس عمق التحول في موقعها كأداة لإنتاج المعنى وصياغة القيم.
من جهته، أشار محمد المعتمد الخراز إلى أن الصورة أضحت عنصراً لا غنى عنه في الحياة اليومية للإنسان، لما توفره من إمكانيات تواصلية وتقنية. واستعرض الخراز معطيات رقمية دالة على انتشار الصورة ومساهمتها في تشكيل الوعي وتسهيل التفاعل البشري، مشدداً على حضور التكنولوجيا، ومنها الذكاء الاصطناعي، في إنتاج الصورة وتعديلها، وهو ما يطرح إشكالات متعددة تتعلق بالمصداقية وحقوق الملكية الفكرية.
وسلط فريد الزاهي الضوء على طبيعة العلاقة التي تربط الإنسان بالصورة في العصر الرقمي، مشيراً إلى الانتقال من “العيش بالصور” إلى “العيش داخل الصور”، وناقش تعقيدات هذا التحول على المستويين السيميائي والثقافي، متوقفاً عند علاقة الصورة بالمتخيل الديني ومحدودية تلقّيها في بعض السياقات المحافظة.
أما حمادي كيروم، فقد تناول تمثلات الصورة في السينما من خلال نموذج المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي، مبرزاً أن السينما تمثل إنتاجاً رمزياً وجمالياً ينطلق من ما بعد الصورة، ليقارب قضايا الحياة والجمال والتأمل، مذكّراً بفيلمه “المرآة” كأحد التجارب السينمائية التي تستحضر الذاكرة الشخصية والثقافية بأسلوب سردي غير خطي.
وفي مداخلة ختامية، ناقش مصطفى غلمان التحولات الكبرى في إعلام الصورة، من السيلولويد إلى الرقمي، وبيّن الأثر العميق للرقمنة على الممارسات الإعلامية، مشيراً إلى أن الصورة أصبحت جسراً للتواصل الفوري، ومصدراً للإشكاليات الأخلاقية المتعلقة بالتزييف والتلاعب والافتراضية.
واختتمت الندوة العلمية بجلسة نقاش مفتوح شارك فيها أساتذة وطلبة ومهتمون، طرحت خلالها أسئلة وإشكالات راهنة حول وظائف الصورة وتفاعلاتها مع التحولات التقنية والرقمية، وتأثيرها على القيم والتمثلات المجتمعية والثقافية.