مقدمة
مع انطلاق عملية “مرحبا”، التي تُعد من أضخم عمليات استقبال المهاجرين في العالم، تبرز الأهمية القصوى لدور الإدارات الترابية في تجسيد العناية الملكية السامية بمغاربة العالم، وتعزيز روابطهم العميقة بوطنهم الأم. لا تقتصر هذه العملية على كونها مجرد ترتيبات لوجستية، بل هي انعكاس لالتزام المغرب الراسخ بضمان حقوق مواطنيه المقيمين بالخارج، وتوفير تجربة استقبال سلسة، كريمة، ومحترمة لهم في كل مرة يحلون فيها بأرض الوطن.
نتناول هذا الموضوع من خلال المحاور الخمسة التالية:
أولا: عملية “مرحبا” تجلي من تجليات العناية الملكية السامية لمغاربة العالم
بناءً على تعليمات سامية من صاحب الجلالة، أطلقت مؤسسة محمد الخامس للتضامن عملية “مرحبا 2025” لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج. تأتي هذه العملية في إطار الاهتمام الكبير الذي يوليه صاحب الجلالة لمواطنيه المغاربة المقيمين بالخارج، وتجسد هذه العملية التزام المملكة بتقديم الدعم والرعاية اللازمة لأبنائها في الخارج. ويتجلى هذا في المستويين:
- أهداف العملية:
يمكن اختصار أهداف العملية في الثلاثة أهداف الرئيسية:
- تسهيل عودة المغتربين: تهدف العملية إلى تسهيل عودة المغتربين المغاربة المقيمين بالخارج وتقديم الدعم والمساعدة لهم.
- ضمان السلامة: تهدف العملية إلى ضمان سلامة المغتربين خلال رحلاتهم العودة إلى المغرب.
- تعزيز التواصل: تهدف العملية إلى تعزيز التواصل بين المغتربين وأسرهم في المغرب.
- أهمية العملية
– أكبر عملية عودة مغتربين: تعتبر هذه العملية من أكبر عمليات عودة المغتربين في العالم، حيث استقبل المغرب 3.7 مليون مغربي خلال صيف 2024. بل هناك من يصف هذه العودة الى الوطن بالحج وما يعرفه من طقوس ومراسيم ترمم بعضا مما بفقده المغترب وهو بعيدا عن وطنه.
ثانيا: الأهمية المحورية لدور الإدارات الترابية
تُعتبر الإدارات الترابية حجر الزاوية في تنفيذ التوجيهات الملكية السامية المتعلقة بمغاربة العالم، وذلك من خلال محورين أساسيين:
- تنزيل العناية الملكية السامية: تُكلف الإدارات الترابية بمهمة تحويل التوجيهات الملكية، التي تؤكد على أهمية صون حقوق المغاربة بالخارج وتوفير كافة أشكال الدعم لهم، إلى واقع ملموس. هذا التنزيل يتطلب تنسيقًا عاليًا وجهودًا حثيثة لضمان وصول الخدمات والدعم إلى مستحقيه بفاعلية.
- تعزيز الصلة بالوطن: من خلال الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة وتسهيل وتبسيط الإجراءات الإدارية، تُسهم الإدارات الترابية بشكل مباشر في ترسيخ وتعميق ارتباط المغاربة بوطنهم الأم. هذا الدور يتجاوز الجانب الإجرائي ليشمل بناء جسور من الثقة والتقدير، مما يجعل زيارتهم للمغرب تجربة إيجابية تُعزز شعورهم بالانتماء.
ثالثا: تعداد وخصائص مغاربة العالم
يُشكل مغاربة العالم قوة حقيقية للمملكة، بخصائص فريدة تُعزز من دورهم ومكانتهم:
- تعداد مغاربة العالم: يُقدر عددهم بحوالي خمسة ملايين نسمة موزعون في مختلف أنحاء العالم، يضاف إليهم مئات الآلاف من اليهود المغاربة الذين يحتفظون بوشائج قوية مع وطنهم الأصلي.
- خصائصهم الفريدة:
-
- الارتباط القوي بالوطن: يتميزون بارتباطهم العاطفي والوجداني العميق بالمغرب، وتعلقهم الدائم بمقدساته، وحرصهم الشديد على خدمة مصالحه العليا في مختلف المحافل.
- قوة الروابط الإنسانية: تُعد الروابط الإنسانية التي تجمعهم بالمغرب متينة للغاية، وتتوارثها الأجيال المتعاقبة، حيث يمتد تأثيرها ونفوذها ليشمل الجيلين الثالث والرابع، مما يُحافظ على هويتهم المغربية.
- الكفاءات العالمية: تزخر الجالية المغربية بالخارج بكفاءات وطاقات نوعية في مجالات علمية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، ورياضية عديدة، يشغلون مناصب مرموقة ويسهمون في تقدم مجتمعاتهم المضيفة.
- دورهم في الدفاع عن الوحدة الترابية: يضطلع أفراد الجالية المغربية بدور محوري في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، من خلال استغلال مختلف المنابر والمواقع التي يتواجدون بها، مساهمين بفاعلية في التصدي للمزاعم التي تستهدف سيادة المغرب.
رابعا: التطبيق العملي لدور الإدارات الترابية في عملية “مرحبا”
لضمان نجاح عملية “مرحبا” في تحقيق أهدافها السامية، يجب على الإدارات الترابية ترجمة التوجيهات إلى إجراءات عملية وملموسة:
- توفير خدمات متميزة: يجب على الإدارات الترابية، من ولايات وعمالات وجماعات ترابية ومصالح إدارية أخرى، العمل على تقديم خدمات ذات جودة عالية تتجاوز التوقعات، بما يتوافق مع التوجيهات السامية للعناية بهذه الفئة من المواطنين. يشمل ذلك توفير معلومات واضحة، مساعدة في الإجراءات الجمركية والشرطية، وتوفير مرافق استقبال لائقة.
- الاستجابة السريعة والفعالة: ضرورة الاستجابة الفورية لاحتياجات المغاربة في الخارج، ومعالجة أي عراقيل أو صعوبات قد تواجههم بكفاءة وسرعة، وتوفير الدعم اللازم لهم خلال فترة عبورهم أو إقامتهم المؤقتة بالمغرب. يتطلب ذلك تفعيل آليات الشكايات، وتخصيص فرق عمل للتدخل الفوري، وتكثيف التواجد الإداري في نقاط العبور والمحطات الرئيسية.
- الرقمنة وتبسيط الإجراءات: يجب على الإدارات الترابية تبني حلول رقمية لتبسيط الإجراءات وتسهيل الولوج إلى الخدمات، مثل منصات التسجيل المسبق، وتطبيقات تتبع المعاملات الإدارية، مما يوفر الوقت ويقلل من الضغط على المواطنين.
- التكوين والتوعية: يُعد تكوين الموظفين والأعوان المكلفين بالاستقبال في فن التعامل مع الجالية، وتوعيتهم بأهمية دورهم في تجسيد العناية الملكية السامية، أمرًا جوهريًا لضمان معاملة محترمة وفعالة تعكس الصورة الإيجابية للمغرب.
خامسا ً: تعزيز التواصل وتجاوز التحديات
لضمان استمرارية نجاح عملية “مرحبا” وتطويرها، ينبغي للإدارات الترابية العمل على:
- إنشاء آليات تواصل مستمرة: يجب تفعيل قنوات تواصل متعددة قبل وأثناء وبعد عملية “مرحبا”، بما في ذلك الخطوط الساخنة، المنصات الرقمية، وحتى نقاط الاتصال في دول الإقامة، للإجابة على استفسارات الجالية وتلقي ملاحظاتهم.
- معالجة التحديات اللوجستية: تُعتبر التحديات المتعلقة بالازدحام في المعابر، نقص بعض المرافق، أو طول مدة الإجراءات، من النقاط التي تتطلب تحسينًا مستمرًا. يجب على الإدارات الترابية التخطيط المسبق، وتوسيع البنى التحتية، وتوفير الموارد البشرية الكافية لمواجهة هذه التحديات بفعالية.
- تفعيل الشراكات: ينبغي للإدارات الترابية تعزيز شراكاتها مع المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمؤسسات العمومية الأخرى، لتقديم خدمات متكاملة تتجاوز الجانب الإداري لتشمل الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تُعزز الروابط الوطنية.
خاتمة
إن انطلاق عملية “مرحبا” يمثل فرصة استراتيجية لتعزيز التواصل مع مغاربة العالم وتعميق صلتهم بوطنهم الأم. من خلال دورها المحوري في تنزيل العناية الملكية السامية، يمكن للإدارات الترابية أن تُسهم بشكل فعال في ضمان تجربة استقبال متميزة تعكس قيم المغرب الأصيلة، واحترامه اللامحدود لحقوق مواطنيه. لتحقيق أهداف هذه العملية النبيلة، يجب على جميع الإدارات والمصالح المعنية العمل بتفانٍ وتنسيق، مع الاستفادة من التغذية الراجعة من الجالية لتحسين الأداء بشكل مستمر. هذا الالتزام المشترك هو السبيل لضمان أن تبقى “مرحبا” عنوانًا للكرم، الفاعلية، والعناية الملكية السامية بمغاربة العالم.