مجتمع

بنعليلو: صحافة البيانات شكل جديد لتفكيك شبكات المصالح ومكافحة الفساد

أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن صحافة البيانات تعتبر شكلا جديدًا من أشكال تفكيك شبكات المصالح وتتبع مسارات المال العام وبالتالي مكافحة الفساد.

واعتبر بنعليلو، اليوم الاثنين في كلمة له خلال دورة تكوينية لفائدة عدد من الصحفيات والصحفيين حول موضوع “صحافة البيانات ودورها في مكافحة الفساد”، أن “هذه الصحافة تعد شكلا جديدًا من أشكال تفكيك شبكات المصالح وتتبع مسارات المال العام وبالتالي مكافحة الفساد وتقريب المواطن من آليات الرقابة والمحاسبة الواعية ومنحه أدوات الفهم والتفسير بدل تركه أسير العناوين المبهمة والأرقام الجافة”.

وأبرز المتحدث ذاته أن “صحافة البيانات ليست مجرد جنس صحفي تقليدي، بل تحوّلًا نوعيًا في آليات التتبع والتوثيق والتحليل والكتابة الصحفية، مشيرا إلى أنها “منهجية اشتغال ترتكز على التحليل الإحصائي وتقاطع المعطيات والاستقصاء الوثائقي بالاعتماد على قواعد بيانات مفتوحة هدفها إعادة بناء المعلومة المجردة ضمن سردية صحفية قائمة على معطيات دقيقة، تُعرض في شكل قصة مدعومة بالأدلة الرقمية”.

واعتبر بنعليلو أن “الممارسة الصحفية المرتكزة على البيانات تنتقل من مجرد الرصد السلبي للوقائع إلى صناعة الوعي بالمعلومة المؤسِّسة للمساءلة، وتساهم في تحويل المعطيات الرقمية إلى سلطة مضادة فاعلة، تكون بمثابة رادار مجتمعي يلتقط مظاهر الانحراف، ويعيد توجيه البوصلة نحو الإصلاح بعيدا عن مظاهر الاختلاق والإشاعة”.

ويرى رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن “صحافة البيانات” أداة مركزية لترجمة الحق في المعرفة إلى واقع ملموس وتحرير النقاش العمومي من التعتيم والسطحية وتحويله نحو وجهة تضمن عمق الفهم المبني على جودة المعطيات ودقة الوقائع المقدمة”.

وذكر بأن “مكافحة الفساد ليست شأنًا حكوميًا أو مؤسساتيًا داخليًا فقط، بل هي قضية مجتمع بكل مكوناته، كما قال الملك، تتقاطع فيها أدوار السلطات العمومية، وهيئات الحكامة، والمجتمع المدني، وطبعا، الإعلام المهني المسؤول، بما يملكه من قوة تأثير على الرأي العام، وقدرة على تحويل قضايا الفساد إلى نقاش عمومي عميق ومنتج، لا إلى مجرد زوابع سطحية أو حملات ظرفية”، وفق تعبيره.

وحسب بنعليلو، فإن “المادة الخام لصحافة البيانات ليست دائمًا سرًّا محميا، أو معلومة مسربة، بل هي موجودة في قواعد البيانات العمومية، وفي التقارير الرسمية، وفي المعطيات المفتوحة، التي تستدعي، وفق تعبيره، من الصحافي التحلي بالمهنية والمهارة والأخلاق، وبالقدرة على استخراج المواضيع ذات الصلة بالمصلحة العامة”.

وأشار إلى أن “القانون المتعلق بالحصول على المعلومات، على أهميته، ليس سوى أحد روافد هذه الممارسة، فالمعلومة توجد، وفق تعبيره، حيثما كانت الشفافية، وحيثما توافرت الإرادة المؤسسية لإتاحة المعطيات القابلة للتحليل والمطابقة، وهذا ما تسعى الهيئة الوطنية للنزاهة إلى تعزيزه عبر البرامج والشراكات الاستراتيجية مع الهيئات والمؤسسات المعنية، ومع القطاع الخاص والمجتمع المدني، ومع الجسم الإعلامي الذي تعتبر هذه المبادرة إحدى تجلياته الهامة”.

وأكد بنعليلو أن “دور الإعلام لا يقتصر على مواكبة مسار الإصلاح، بل يمتد ليصبح فاعلًا فيه، عبر مرافقة جهود مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته”، مضيفا: “إذا كننا في الهيئة مطالبين بإنتاج المؤشرات والأرقام، فنحن دون أدنى شك محتاجون أكثر إلى وسطاء مهنيين محترفين لإبلاغ الرسائل التي تحملها تلك المؤشرات والأرقام، ونقلها إلى الرأي العام بلغة واضحة، دقيقة ومسؤولة”.

وشدد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها على أن “صحافة البيانات ليست ترفًا تقنيًا، بل معركة مجتمعية دفاعًا عن الحق في المعرفة، وعن الحق في العيش في بيئة نزيهة”، مجددا التزام الهيئة بمواكبة كل المبادرات التي تستهدف تمكين الصحافة الوطنية من أدوات تحليل البيانات ومراقبة الشأن العام، بما يعزز مكانة الإعلام كفاعل رئيسي في محاربة الفساد، لا كمجرد ناقل للخبر.

واعتبر بنعليلو أن “ميثاق الشفافية” لا يكتب فقط في تقارير الدولة والمؤسسات، بل يكتب أيضا على صفحات الصحف والمواقع الجادة، ويُبث في منصات الإعلام المسؤول. داعيا الصحافيين أن “يكونوا جزءًا من دينامية وطنية لا تهادن الفساد، ولا تتواطأ مع الصمت، وأيضا لا تنجر وراء السطحية والإثارة، بل تسعى إلى تعزيز الثقة بين المواطن والدولة من خلال معبر الحقيقة”.