منتدى العمق

انتفاضة آيت بوكماز… حين تضطر الكرامة إلى المشي عشرات الكيلومترات

آيت بوكماز – لم يكن سكان هذه المنطقة الجبلية الهادئة بإقليم أزيلال ليفكروا يومًا في أن يُضطروا إلى رفع أصواتهم بهذا الشكل، فمطالبهم بسيطة، ومشروعة، ولا تستحق إلا إنصاتًا مسؤولًا، وتفاعلًا فوريًا من الجهات المختصة. لكن الصمت والتجاهل كانا أقسى من وعورة الطريق، فقررت الساكنة التحرك… حرفيًا.

في مشهد غير معتاد، قطعت حشود من سكان آيت بوكماز عشرات الكيلومترات مشيًا على الأقدام في مسيرة احتجاجية، شارك فيها الجميع حتى أعضاء من المجلس الجماعي الذين اختاروا الاصطفاف بجانب الساكنة لا أمامها، رافعين نفس الشعارات ومطالبين بأبسط الحقوق التي يفتقرون إليها منذ سنوات.

مَطالِب لا تحتمل التأجيل:

لا يطلب سكان آيت بوكماز شيئًا مستحيلًا. إنهم فقط يريدون طبياً يعالج آلامهم بدلًا من قطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى أقرب نقطة طبية. إنهم يطالبون بشبكة أنترنيت لفك العزلة الرقمية عن أبنائهم، وبطريق معبدة تقيهم شَرّ العزلة الجغرافية، وملعب صغير لكرة القدم يحتضن أحلام شبابهم، وأخيرًا لا آخرًا، يطالبون بتيسير تراخيص البناء بدل العرقلة البيروقراطية التي تدفع البعض إلى البناء العشوائي أو الهجرة.

رمزية قوية… عندما سار المنتخبون بجانب الشعب:

من أبرز ما ميّز مسيرة آيت بوكماز الاحتجاجية، مشاركة بعض المنتخبين المحليين، وفي مقدمتهم رئيس المجلس الجماعي، الذين اختاروا الاصطفاف إلى جانب الساكنة بدل الاكتفاء ببلاغات الإنكار أو الاحتماء خلف المكاتب المُكيفة. لقد مشوا دون تردد، ودون خوف، حُفاة الإرادة لا حُفاة الحيلة، في خطوة رمزية تؤكد أن السياسة لا تزال ممكنة حين تقترن بالضمير.

وفي المقابل، لم يَغِب عن أذهان المحتجين مشهد أولئك المنتخبين الذين لا يظهرون إلا في الحملات الانتخابية، ثم يختفون في زحمة المصالح الشخصية، يتشبثون بالمكتب المُكيف، والسيارة الفارهة، ويُحصون أرصدتهم البنكية، بينما تنزف القرية من كل الجهات. لقد فهم المواطنون الفرق جيدًا: بين من يعتبر نفسه صوتهم، ومن يراهم مُجرد أصوات.

أسئلة مؤرقة: أين المسؤولون؟

من المؤسف أن هذه المسيرة لم تنطلق إلا بعد أن فشلت كل محاولات التواصل مع الجهات المسؤولة محليًا وإقليميًا. السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو: لماذا لم يتحرك أي مسؤول لملاقاة الساكنة أو فتح حوار معها قبل اتخاذ قرار المسيرة؟ هل كانت الأقدام يجب أن تنزف، والأنين أن يسمع من بعيد، حتى يتم الالتفات إلى مطالبهم؟

مجالس بدون نفوذ؟

الأمر الذي زاد من تساؤلات المحتجين هو أن استجابة السلطات لمطالبهم لم تتم إلا بعد الضغط الشعبي، ما جعل البعض يخلص إلى أن المجالس المنتخبة، على رأسها المجلس الجماعي، لا حول لها ولا قوة، وأن القرارات لا تُتخذ محليًا بل تُفرض من فوق، وهو ما يضرب في العمق فكرة الديمقراطية المحلية ومبدأ القرب من المواطن.

هل مِن بوادر لِعَدوَى الاحتجاج؟

النجاح النسبي الذي حققته هذه الانتفاضة السلمية، وسرعة استجابة المسؤولين بعد التحرك الشعبي، قد يفتح شهية مناطق أخرى على نفس النهج، ما دامت المطالب لا تتحقق إلا تحت ضغط الشارع. فهل تتحول هذه التجربة إلى “نموذج نضالي” يعيد رسم العلاقة بين المواطن والدولة؟ أم ستتخذ الجهات المعنية العبرة، وتبادر إلى مُعالجة الاختلالات قبل أن تنفجر في وجهها؟

شِبه خلاصة:

انتفاضة آيت بوكماز ليست مجرد احتجاج، بل جرس إنذار حاد حول واقع التهميش واللامبالاة في مناطق المغرب العميق. هي صيحة مواطنين تعبوا من الصبر، ومن وعود لا تُنفذ. وفي النهاية، لا يطلب هؤلاء المواطنون سوى العيش بكرامة، في وطن يَسَعُ الجميع.