مجتمع

البيضاء تتخلص من “خردة الحديد”.. حملة ضخمة لتطهير المحاجز وتحويلها لمتنفسات خضراء

تستعد جماعة الدار البيضاء لإطلاق حملة واسعة لإخلاء عدد من المحاجز البلدية من السيارات والدراجات النارية المهجورة والمتلاشيات التي راكمها الزمن، وذلك تمهيدا لإعادة توظيف بعض الفضاءات في مشاريع ذات منفعة عمومية، وعلى رأسها إنشاء مساحات خضراء ومرافق للقرب.

وأكدت مصادر جريدة “العمق المغربي”، أنه من بين المحاجز المستهدفة في هذه العملية: محجز الفداء الذي يرتقب أن يتحول إلى منتزه حضري يوفر متنفسا بيئيا لسكان المنطقة، إلى جانب محجز سيدي مومن، ولافيراي سيدي مومن، ومحجز سباتة سيدي عثمان، ومحجز عين السبع، مضيفة أن هذه الخطوة تأتي في إطار رؤية شمولية لإعادة تأهيل النسيج الحضري وتحسين جودة الحياة داخل المدينة.

وأفادت المصادر أنه “خلال السنوات الماضية تراكمت آلاف العربات والدراجات النارية والدراجات ثلاثية العجلات في هذه المحاجز، بعضها ناتج عن حوادث السير أو مخالفات قانون السير، وبعضها الآخر غير معروف المصدر أو لم يبادر مالكوها إلى استرجاعها رغم مرور سنوات على حجزها”.

كما أشارت إلى أن “جماعة الدار البيضاء، فور تصفية الوضعية القانونية لهذه المركبات، ستقوم بتنظيم صفقات عمومية على شكل مزادات علنية، ستُطرح فيها السيارات والدراجات للبيع، وهو ما سيتيح مداخيل مالية إضافية للجماعة يمكن توجيهها لتمويل مشاريع تنموية أخرى”.

وشددت مصادر “العمق” على أن “التحول من “محجز بلدي” إلى “مساحة خضراء” ليس مجرد تغيير في الوظيفة، بل يعكس تحولا في التصور الحضري للمدينة، من منطق التكديس والعشوائية إلى منطق الجمال والاستدامة”.

وزادت: “يعد مشروع تحويل محجز الفداء إلى فضاء أخضر نموذجا لهذا التحول، حيث سيشكل متنفسا بيئيا جديدا في منطقة تعرف كثافة سكانية عالية وتفتقر إلى الحدائق العامة”.

وقال سعيد عاتيق، الفاعل السياسي والمدني بمدينة الدار البيضاء، إن التعليمات الصارمة التي أصدرها محمد مهيدية، والي جهة الدار البيضاء-سطات، بشأن إفراغ المحجز البلدي بجماعة أولاد عزوز في ظرف لا يتعدى شهرا، لم تكن سوى استجابة متأخرة لوضعية بلغت حدا لا يمكن التغاضي عنه.

وأضاف أن تدخل الوالي عكس حالة من الاستياء العارم لدى السلطات، بعدما وصلت التجاوزات في هذا المرفق الحيوي إلى مستويات غير مقبولة، سواء على مستوى التدبير أو البنية التحتية أو شروط حفظ المحجوزات.

وأوضح عاتيق، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن الزيارة الميدانية التي قام بها الوالي مهيدية إلى المحجز كشفت واقعاً صادماً بكل المقاييس؛ فضاء يغرق في الفوضى والعشوائية، يعاني من اكتظاظ خانق وتراكم غير طبيعي للمركبات، سواء من سيارات أو دراجات نارية، جلها متروكة منذ سنوات دون أي تحرك إداري لمعالجة وضعها.

وأوضح أن المرافق داخل المحجز شبه منهارة، ما يزيد من تعقيد الوضع ويطرح علامات استفهام حول المسؤولين المباشرين عن تسييره، ومدى كفاءتهم وحسهم بالمسؤولية، مشيرا إلى أن المحجز البلدي تحول فعليا إلى ما يشبه “مقبرة ميكانيكية”، بفعل العدد المهول للمركبات المهترئة أو المحجوزة، التي لم تتخذ بشأنها أي إجراءات قانونية أو تنظيمية منذ وقت طويل.

هذا الوضع، بحسب عاتيق، لا يشكل فقط خللا إداريا، بل أصبح يعرقل مهام المصالح الأمنية والدرك الملكي، التي تجد نفسها مضطرة للتعامل مع واقع يفوق قدرتها اللوجستيكية، خصوصا مع الحاجة المستمرة لحجز مركبات جديدة في إطار عمليات المراقبة والردع.

وفي هذا السياق، شدد عاتيق على أن تجاوز هذه الفوضى يتطلب إرادة سياسية واضحة وإصلاحا شاملا يقوم على مسارين متكاملين. الأول، الشروع في تصفية المحجوزات القديمة والمتقادمة من خلال تنظيم مزادات علنية شفافة، من شأنها أن تفرغ الفضاء وتدر مداخيل لفائدة الجماعة. والثاني، اعتماد حلول مستدامة لتدبير وضعية المركبات غير الصالحة للاستعمال، كإدماجها في برامج إعادة التدوير أو التدمير المنظم، ضمن إطار قانوني واستراتيجي واضح.

وأكد أن إصلاح وضعية المحاجز لا يمكن أن يظل رهين القرارات الظرفية أو ردود الفعل الطارئة، بل يجب أن يكون جزءا من رؤية مؤسساتية تهدف إلى تعزيز الحكامة الترابية وتحقيق النجاعة في تدبير الممتلكات العامة، مردفا بقوله: “إذا أردنا فعلا أن نرفع من مستوى الجماعات الترابية، فعلينا أن نبدأ من هذه التفاصيل التي تعكس في جوهرها مدى احترام الدولة لممتلكات مواطنيها”.

واختتم عاتيق تصريحه بتأكيده أن المحاجز ليست فقط فضاءات لحجز المركبات، بل هي عنوان من عناوين مدى التزام المؤسسات العمومية بحسن الاستقبال، واحترام الملكية الخاصة، وصون كرامة المواطنين، مضيفا: “ما نراه اليوم من تكديس عشوائي وتدبير مهترئ في بعض المحاجز، يضعف ثقة المواطن في الإدارة، ويستدعي معالجة جذرية تضع حدا لهذا النزيف المتواصل”.