فاطمة الزهراء عمور وزيرة السياحة
سياسة

“اختلالات فرصة”.. الوزيرة عمور تواجه عاصفة انتقادات بعد فشل مواكبة مشاريع الشباب

 

لا يخلو أي تقرير رسمي للمؤسسات الدستورية من توجيه انتقادات حادة لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بخصوص الاختلالات المتراكمة التي يعرفها برنامج “فرصة”، وهو البرنامج الذي أطلقته الحكومة في سنة 2022 بهدف دعم المبادرات الفردية وتمويل المشاريع الصغيرة عبر قروض بدون فوائد، مع إمكانية تحويل جزء منها إلى دعم مباشر في حال التزام المستفيدين بشروط الأداء والاستمرارية.

ورغم الزخم الإعلامي الذي رافق انطلاق البرنامج، وتخصيص ميزانية ضخمة له تجاوزت 1.25 مليار درهم، إلا أن المؤشرات الميدانية والتقارير الرقابية كشفت عن مجموعة من الاختلالات البنيوية والوظيفية التي شابت مراحل التنفيذ، خصوصًا في ما يتعلق بآليات الانتقاء ومواكبة المستفيدين وشفافية توزيع الدعم وغياب معايير واضحة لقياس الأثر الاقتصادي والاجتماعي للبرنامج.

وخاض المتضررون من برنامج فرصة، العديد من الخطوات النضالية وعلى رئسها احتجاج العشرات من حاملي المشاريع قبالة مقر وزارة السياحة، وأكد المحتجون أنه وعلى الرغم من استيفاء جميع الخطوات الضرورية من أجل الاستفادة من التمويل الخاص بالبرنامج إلا أن الوزارة لم تقدم لهم الدعم دون تقديم أي توضيحات حسب قولهم، كما أن الحاضنات بدورها حسب هذه الفئة بدأت في الهرب من المسؤولية وتدفع بثقل مسؤولية هذا المشكل لوزارة السياحة.

وتبرز في تقارير المؤسسات الدستورية على رأسها مؤسسة الوسيط مجموعة من الملاحظات المقلقة، أبرزها بطء في صرف التمويلات، وارتباك في المصاحبة التقنية للمشاريع، إضافة إلى شكاوى متزايدة من مستفيدين لم يتوصلوا بالدعم الموعود رغم استيفائهم لكافة الشروط، في وقت تم فيه صرف الدعم لمشاريع مشكوك في أهليتها أو غير قائمة فعليًا.

كما توجه انتقادات مباشرة للوزارة باعتبارها المسؤولة عن التأطير السياسي للبرنامج، ولعدم قدرتها على فرض رقابة فعالة على الشركات المكلفة بتدبير الملفات على المستوى الجهوي، إذ لوحظ غياب منظومة متكاملة لتتبع مسار المشروع منذ الترشح إلى مرحلة التمويل والتنفيذ، مما سمح بتعدد الثغرات، وفتح المجال لتدخلات غير مهنية في بعض الحالات.

إشكالات واقعية

رضوان أشوهام الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق المقاولين الشباب، وهي جمعية تضم مئات الشباب المتضررين من برنامج فرصة وقد أنشئت لإنقاذ متضرري هذا البرنامج ومساعدتهم في تمويل مشاريعه، اعتبر أن أحد أبرز الإشكالات التي واجهها المستفيدون هو طبيعة التمويل، حيث تم تقديمه على شكل قرض استثماري وليس دعما ماليا مباشرا، بالرغم أن الهدف الأساسي للبرنامج كان دعم الشباب وتمكينهم اقتصاديا”.

وأبرز أشوهام، في تصريح لجريدة “العمق المغربي” أن “هذا الأمر جعل المستفيدين يواجهون صعوبة في توفير القيمة الشهرية المخصصة للقرض والتوفيق بين مصاريف المشروع ومصاريفهم الشخصية، ووجدوا أنفسهم عاجزين عن السداد، وفق تعبيره، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تعيشها المشاريع الناشئة”.

وأشار إلى أن “الضغط الممارس من طرف مؤسسة التمويل لاسترجاع القروض بأي طريقة كانت، جعل العديد من المستفيدين في وضعية صعبة، بل إن بعضهم مهدد بالإجراءات القانونية بالإضافة للتهديدات الموجهة لبعض المستفيدين”.

إضافة إلى ذلك، انتقد المتحدث ذاته “افتقار البرنامج إلى المواكبة الحقيقية التي تضمن استدامة المشاريع، حيث اشتكى العديد من المستفيدين من غياب التأطير الفعلي والتوجيه الذي يمكنهم من تطوير أنشطتهم وتجاوز العقبات التي تواجههم، فبدل أن يكون فرصة آلية لدعم المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا، على حد قوله، تحول في كثير من الحالات إلى عبء إضافي على المستفيدين، مما جعلهم يعانون بدلا من أن يستفيدوا”.

وأكد أن “أي تقييم موضوعي للبرنامج يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التحديات والاختلالات والعمل سريعا على إعادة النظر في طريقة تنزيله، من خلال مراجعة شروط التمويل، وضمان دعم حقيقي ومستدام للمشاريع، بدلا من تحويله إلى مجرد آلية قروض تحمل رواد الأعمال التزامات مالية تفوق قدراتهم”.

تعثر المشاريع الممولة

يوجه المتضررون من البرنامج مجموعة من الانتقادات التي تسببت، وفق تعبيرهم، في تعثر المشاريع الممولة، من بينها “قيام غالبية المستفيدين بمحاولة الاتصال والتواصل مع الجهات المعنية ومحاولة أخبارهم بالأحدات والظروف الطارئة التي واجهتهم منها أمراض مستعصية سببت حالة العجز، وأمراض نفسية أو صحية تسببت في توقف المشروع، غير أنه “بالرغم من حدوث القوة القاهرة والتي تسببت في عدم القدرة أو العجز على الالتزام بما سبق، كما يظل القرض مستحقا وتطالب مؤسسة التمويل بتسديده كاملا وفورا .

وعن تحليل أسباب فشل أو تعثر المشاريع الممولة في القطاع الفلاحي، سجلت الجمعية المغربية لحقوق المقاولين الشباب تأثير العوامل المناخية والكوارث الطبيعية على المشاريع الزراعية وتربية المواشي مثل ارتفاع درجات الحرارة والبرودة الشديدة والصقيع والتي أصابت الدواجن والمواشي بالإجهاد الحراري وأضعفت المناعة مما زاد من استهلاك الأعلاف أو تسبب في حالات النفوق، وفق تعبيرها.

وبخصوص القطاع الصناعي والتجاري، سجلت الجمعية عدم توفر التمويل الكافي لتغطية التكاليف، ما عرقل التوسع والنمو وأفضى إلي تراكم الديون، مع عدم مطابقة رأس المال مع جميع احتياجات المشروع لتغطية حالات الطوارئ أو تغطية المصاريف الإضافية وعدم القدرة على تلبية الطلب وضعف القدرة الإنتاجية وعدم توفير كمية كافية لتلبية.

دعوات لإنقاذ البرنامج

دعت الجمعية المغربية لحقوق المقاولين الشباب للتدخل العاجل من طرف الجهات الوصية على برنامج “فرصة” لإنقاذ ما تبقى من المشاريع من الإفلاس بدمج مشاريع المستفيدين من البرنامج في برامج الدعم المخصصة للتعاونيات والشركات وتكملة مبلغ القرض كما جاء في بيانات الاتمنة وخطة الاستثمار.

كما شددت على ضرورة مواكبة وتوجيه حقيقي من طرف الحاضنات لإنشاء منصة رقمية للتبادل التجاري بين المشاريع الممولة حماية لها وضمان لاستدامتها ، مع إعادة جدولة القرض بما يتناسب وحالة كل مشروع مع مراعاة هشاشة هذه الفئة وعدم امتلاكها لمصادر دخل أخرى وتأجيل سداد القرض للمشاريع لفترة ثانية نضرا لهده المستجدات وإعفاء بعض المشاريع التي أعلنت إفلاسها ، مع إعفاء بعض المستفيدين الذين أصيبوا بأمراض مستعصية أو عجز عن العمل .

وبخصوص أوجه القصور في البرنامج، ركز أشوهام على “الضعف في آلية التمويل خاصة التمويل المخصص لتنفيذ غالبية المشاريع لم يكن كافيا”، وفق تعبيره، حيث إن بعض المشاريع تتطلب تمويل يفوق 200000 درهم لضمان تكاملها واستدامتها ، فضلا عن عدم وضوح معايير التمويل وتوزيعها غير العادل على حسب الجهات والأفراد .

كما انتقد المتحدث ذاته “التأخير في صرف التمويل اعاق تنفيذ غالبية المشاريع في الوقت المحدد وعدم ربط مشاريع المستفيدين بباقي برامج الدعم المخصصة للشركات والتعاونيات وشروط الاستفادة الصارمة مصحوبة بإجراءات طويلة ومعقدة تسببت في تأخير معالجة الطلبات والرد على المتقدمين ، مما أعاق سرعة وتوقيت ومكان تنفيذ المشاريع، وفق تعبيره، وغياب مسطرة لإعفاء المشاريع من تبعات القرض في حالة لم تقاوم موجات التغييرات الاقتصادية ، مثل ما يقع في برنامج انطلاقة أو باقي برامج الاستثمار”.

انتقادات برلمانية ومهمة استطلاعية

يواجه برنامج “فرصة” انتقادات حادة تحت قبة البرلمان من طرف عدد من الفرق البرلمانية، التي عبّرت عن قلقها إزاء ما وصفته بالاختلالات العميقة التي طالت مراحل تنفيذ البرنامج، معتبرة أن الحصيلة المعلنة من طرف الحكومة لا تعكس حقيقة ما يجري على أرض الواقع، خاصة في ما يتعلق بشفافية الانتقاء وفعالية المواكبة وصرف التمويلات في الوقت المناسب.

وتركز مداخلات البرلمانيين، في جلسات الأسئلة الأسبوعية بحضور المكلفة بالقطاع، فاطمة الزهراء عمور، على ما وصفوه بتوزيع “الآمال الزائفة” على آلاف الشباب المغاربة الذين انخرطوا في البرنامج، وأعطوا الثقة في الوعود الحكومية، قبل أن يصطدموا بتعقيدات إدارية وتأخير في التمويلات، مما دفع العديد منهم إلى تعليق مشاريعهم أو التخلي عنها بالكامل، مذكرين بالاحتجاجات المتواصلة لتنسيقيات المستفيدين الذين لم يتوصلوا بالدعم، رغم استيفائهم مراحل التكوين وإنشاء شركات واستئجار محلات.

كما عبّر البرلمانيون عن استغرابهم من غياب تقييم شامل وموضوعي للبرنامج بعد أكثر من سنتين على انطلاقه، مؤكدين أن عددًا كبيرًا من الطلبات المقبولة لم يُترجم إلى دعم فعلي على الأرض، وأن الحكومة مطالبة بالتحدث إلى الشباب بـ”قدر من الصدق والمسؤولية”، بدل اعتماد حملات ترويجية تستعمل المؤثرين دون أن تراعي النتائج الواقعية للبرنامج.

في هذا السياق، يشدد عدد من النواب على ضرورة توحيد البرامج المشابهة كـ”فرصة” و”انطلاقة” و”مقاول ذاتي” في إطار رؤية مندمجة وواضحة، مع تحسين آليات التواصل والتوجيه، واستهداف الفئات الهشة والمنتمين للقطاع غير المهيكل بشكل فعلي، معتبرين أن مبلغ 100 ألف درهم يمكن أن يكون دعمًا حقيقياً شريطة أن يصل لمستحقيه في ظروف شفافة وفعالة.

وبعد دعوة مجموعة من الأصوات البرلمانية إلى تفعيل آلية المراقبة والتتبع المؤسساتي عبر تشكيل مهمة استطلاعية برلمانية، للوقوف عن كثب على تفاصيل تدبير برنامج “فرصة”، ومساءلة مختلف المتدخلين فيه، خاصة ما يتعلق بطريقة معالجة الملفات، والمعايير المعتمدة في الانتقاء، وكيفية صرف التمويلات، فضلاً عن التعاقدات مع الشركات الوسيطة والمؤطرين، شكل مجلس النواب مهمة استطلاعية مؤقتة حول “مساهمة برنامج فرصة في إنعاش عرض الشغل بالمغرب”، للقيام بتقييم شامل للمشروع واستعراض الاختلالات التي رافقته.

500 شكاية من ضحايا “فرصة”

كشف حسن طارق، وسيط المملكة، أن المؤسسة توصلت بـ500 تظلم متعلق ببرنامج “فرصة” الذي أطلقته الحكومة بتاريخ 11 مارس 2022، من أجل مواكبة وتمويل 10 آلاف حامل مشروع، ملفتا أن المؤسسة سجلت عددا من مظاهر الإقصاء غير المعلل خلال تنفيذ برنامج فرصة، ناهيك عن التعقيدات المتعلقة بالمساطر، وصعوبات التوفيق بين شروط التمويل، والتزامات حاملي المشاريع، بما في ذلك تصنيفهم كمقاولين دون تمكينهم من الدعم المالي الموازي لذلك.

وأوصى تقرير وسيط المملكة بضرورة إعادة النظر في هندسة برنامج فرصة، واعتماد الإنصاف من خلال استيعاب الفوارق الاجتماعية، كما أوصى بضرورة ملامسة برنامج فرصة لحاجة الفئات المستهدفة، خاصة أن المؤسسة توصلت أيضا بتظلّميْن جماعيين.

وذكرت المؤسسة أنها قامت بإعداد مقترح يشمل رصدًا للإشكاليات الإجرائية والعملية المُثارة، وتمت إحالته على رئيس الحكومة، موازاة مع إصدار قرارات بعدم الحفظ وعدم القبول لانعدام قابلية التمويل، زيادة على إصدار قرارات بإعادة التسوية.

اختلالات ملحوظة

استعرضت مؤسسة الوسيط، في تقريرها السنوي لسنة 2023، عددا من اختلالات برنامج “فرصة”، مؤكدة أنها تتوصل بالعديد من التظلمات التي تقدم بها مجموعة من الأشخاص المشاركين في البرنامج، ممن لم تحظ مشاريعهم بالقبول من لدن هيئات القيادة ودعم تنزيل البرنامج.

وأبرزت مؤسسة وسيط المملكة، في تقريرها السنوي، أنها “ما فتئت تتوصل بالعديد من التظلمات التي يتقدم بها مجموعة من الأشخاص المشاركين في برنامج “فرصة” لدعم المبادرات الفردية، ممن لم تحظ مشاريعهم بالقبول من لدن هيئات القيادة ودعم تنزيل البرنامج، سواء في مرحلة الانتقاء الإداري أو مرحلة الانتقاء الأولي والتقني أو مرحلة الانتقاء النهائي”.

وأوضحت المؤسسة أنه “انطلاقا من استقرائها لمعطيات التظلمات الواردة عليها، تبين لها أنها تستند إلى أسباب متنوعة تختلف من متظلم الآخر مع ما يعنيه ذلك من تعدد مبررات الرفض المعتمدة من قبل الإدارة، والتي تتصادم، حسب التقرير، في كثير من الأحيان مع المجهودات التي قام بها المرشحون للاستفادة من هذه المبادرة، والتي بلغت حد تحملهم لتكاليف مالية، في شكل واجبات كرائية أو تحملات ضريبية ورسوم أو واجبات الضمان الاجتماعي علاوة على تأثير كل إلا على التغطية الصحية والدعم المباشر لاعتبارهم مقاولين”.

واعتبرت “الوسيط” أن “كثرة هذه التظلمات قد تشكل مؤشرا على بوادر توتر ارتفاقي يلوح في الأفق من شأنه التشويش على برنامج يهدف في الأساس إلى تشجيع المبادرات الفردية وخلق فرص شغل الفائدة الشباب وإنعاش الحس المقاولاتي لديهم تنفيذا للتعليمات الملكية الرامية إلى العمل على تأهيل الرأسمال البشري والرفع من مؤشرات التنمية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى اعتماء جيل جديد من المشاريع التي تساهم في تثمين الإمكانات والمؤهلات العملية للشباب، وفي الحد من الصعوبات التي تحول دون الوصول إلى مصادر التمويل وتفادي العراقيل التي تواجهها المقاولات الصغرى”.

كما رصدت المؤسسة، يضيف التقرير، “الوقفات الاحتجاجية المعلنة ووتيرة تزايد التظلمات المتوصل بها في هذا الشأن التي أوحت بزيادة عدد الأشخاص المعنيين بهذا الموضوع، وبما تولد لدى البعض منهم من إحباط وشعور بعدم الإنصاف، جراء عجز الإدارة عن إقناعهم بصوابية ما أصدرته من قرارات وصفت بالفجائية أو غير المبنية على تعليلات مقنعة، خاصة وأن منهم من تحمل مصاريف مادية وباشر العديد من الإجراءات الإدارية في سبيل تحقیق مشروعه”.

وقدمت الوزيرة حصيلة البرنامج لسنتي 2022 و2023، حيث تجاوزت عدد الطلبات 300 ألف في السنتين الماضيتين، موضحة أن المشاريع الممولة ضمن البرنامج بلغت العشرة آلاف في النسخة الأولى، وحوالي 11 ألفا و200 مشروع في الصيغة الثانية.

وأشارت إلى أن توزيع هاته المشاريع الممولة في النسخة الأولى بلغت فقط 20 في المائة في المجال القروي، لكن في الثانية وصلت إلى 34 في المائة، كما أن نسبة النساء المستفيدات وصلت في النسخة الثانية إلى 45 في المائة.

وشددت على أن مواكبة المستفيدين من التمويل البالغ عددهم 21 ألفا و200، مستمرة حتى يقوموا بإنجاح مشاريعهم، أن هذا البرنامج ليس من أجل التمويل، بل للمواكبة أيضا، ولا يمكن قبول طرح أنه برنامج قام بتضييع وقت المستفيدين، بل تمت مواكبتهم حتى اكتسبوا خبرتهم.