سياسة

بين ضغط الشعب والعرش.. هل تنجح الحكومة في تنفيذ إصلاحاتها قبل نهاية ولايتها؟

بين تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتراكم الأوراش الإصلاحية، تدخل الحكومة سنتها الأخيرة من ولايتها وسط سياق دقيق يفرض إيقاعًا أسرع مما تسمح به الحسابات السياسية، في ظل اقتراب الدخول الاجتماعي والسياسي وارتفاع منسوب الانتظارات، فقبل حوالي سنة على نهاية ولايتها الدستورية، تواجه الحكومة اختبارا متعدد الأبعاد بشأن مدى التزامها بتنفيذ أجندتها الإصلاحية، وسط سياق داخلي يتسم بارتفاع منسوب المطالب الاجتماعية وتحديات اقتصادية متشابكة وانتظارات متزايدة من الشارع المغربي.

وخلال السنوات الأربع الماضية، رفعت الحكومة شعارات كبيرة تتعلق بالدولة الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية والتعليمية وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتنمية التشغيل، غير أن الملموس من هذه الشعارات ما يزال محل تساؤل، خاصة أمام ارتفاع منسوب الانتظارات الاجتماعية واقتراب الدخول الاجتماعي والسياسي، الذي يُرتقب أن يشهد عودة قوية للمطالب النقابية والفئوية.

ويتجدد النقاش حول مدى احترام الحكومة لوعودها الإصلاحية، خاصة في القطاعات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم الصحة والتشغيل، وفي استحضار لمضامين الخطاب الملكي الأخير لعيد العرش إذ وجه الملك محمد السادس رسالة سياسية قوية، حين أشار بوضوح إلى أن المغرب يسير بسرعتين. هذا التوصيف الملكي لا ينفصل عن أداء الحكومة في سنتها الأخيرة، إذ بدا كتنبيه مباشر إلى بطء الإصلاحات الاجتماعية، وتفاوت وتيرة تنزيل السياسات العمومية.

وفي ظل هذا التفاوت، تبدو السلطة التنفيذية مطالَبة بتقليص فجوة السرعتين، من خلال تعزيز التنسيق، وتجاوز الأعطاب البيروقراطية، وتسريع وتيرة المشاريع التي ينتظرها المواطنون في الصحة، والتعليم، والتشغيل، ومجالات العدالة الاجتماعية.

وبينما تستعد القطاعات الوزارية لتدبير الدخول الاجتماعي والسياسي المرتقب في شتنبر المقبل، يجد الفريق الحكومي نفسه في مواجهة مباشرة مع السؤال المركزي الذي يطرحه محللون وفاعلون سياسيون: هل تحترم الحكومة تعهداتها في سنتها الأخيرة؟ وما هو مصير الإصلاحات الاجتماعية التي وعدت بها في مجالات حيوية كالصحة والتعليم والدعم الاجتماعي والتشغيل؟

وعود والتزمات حكومية منجزة

تؤكد الأغلبية البرلمانية أن “الحكومة أظهرت قدرة عالية على الصمود والالتزام بتعهداتها محولة التحديات إلى فرص للإصلاح الهيكلي، في سياق دولي متقلب وسياق وطني اتسم بتحديات كبرى كالجفاف والتضخم”، وفق تعبيرها.

وفي هذا الصدد، اعتبرت النائبة البرلمانية عن فريق التجمع الوطني للأحرار، زينب السميو، في تصريح لجريدة “العمق المغربي، أن “أكبر دليل على هذا الالتزام هو التنزيل الفعلي للمشروع الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، مضيفة: “نحن لا نتحدث عن وعود، بل عن واقع ملموس، وبفضل هذا الورش، تم إدماج أكثر من 4.2 مليون أسرة كانت تعاني من الهشاشة ضمن نظام “AMO تضامن”، وهو ما يمثل حوالي 11.4 مليون مواطن ومواطنة أصبح لهم الحق في تغطية صحية شاملة تتحمل الدولة تكاليف اشتراكاتهم السنوية التي تناهز 9.5 مليار درهم. هذا إنجاز تاريخي بكل المقاييس”، على حد قولها.

“وفي قطاع التعليم، الذي يعتبر أولوية وطنية، تضيف السيمو، لم تكتف الحكومة بحل الملفات المزمنة، بل ضخت استثمارات غير مسبوقة، وتم إقرار زيادة صافية في أجور نساء ورجال التعليم بقيمة 1500 درهم، وهو ما يمثل اعترافاً بمجهوداتهم. كما تم رفع ميزانية القطاع بشكل استثنائي زيادة 86% من ميزانية التعليم من اجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع 2022/2026. هذا المجهود المالي مكن من تسريع تعميم التعليم الأولي الذي تجاوزت نسبته 83%، مع هدف بلوغ التعميم سنة 2028، وهو ما سيساهم بشكل مباشر في محاربة الهدر المدرسي وتحقيق تكافؤ الفرص”، حسب السيمو.

من جهته، أكد رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، علال العمراوي، أن “الحكومة نجحت في تنزيل جزء كبير من التزاماتها قبل السنة الأخيرة من عمر ولايتها”، حيث ذكر “أن الحكومة سطرت في برنامجها الحكومي ما يزيد عن 40 التزاما، نجحت في تنفيذ معظمها، بفضل إرادة وتماسك وانسجام مكوناتها”.

وأضاف العمراوي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”: “مكتسبات وإنجازات الحكومة لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي أو البيئي، وضمنها ورش  تعميم الحماية الاجتماعية، من خلال تنزيل مجموعة من البرامج الاجتماعية، بما يعزز تكريس ركائز الدولة الاجتماعية، كما أرادها عاهل البلاد، سواء التأمين الإجباري عن المرض، أو الدعم الاجتماعي المباشر للأسر، أو دعم السكن، وضمنها أيضا حماية القدرة الشرائية للمواطنين والنهوض بالطبقة المتوسطة، ودعم استقرار أسعار الكهرباء والنقل”.

كما يرى العمراوي أن “الحكومة تنفيذا للتوجيهات الملكية، قامت بمجهود كبير لتنويع مصادر الموارد المائية في ظل التقلبات المناخية وتنامي ظاهرة الجفاف، ومنح الأولوية للربط بين الأحواض والأنظمة المائية وغيرها من القطاعات الحيوية كالصناعة الوطنية مثلا”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “إنجازات كبيرة وبرامج وتدابير عملية أخرجتها الحكومة في بداية ولايتها، ضمن نظرة استباقية، وفق تعبيره، ووفق رؤية متبصرة وتوجيهات استراتيجية حكيمة وطموحة للملك محمد السادس، كما أن ضمان استدامة البرامج الاجتماعية، على حد قوله، سيتأتى بفضل تطوير الحكومة للموارد المالية للدولة، كنتيجة مباشرة للتدبير الجيد للمالية العمومية وتفعيل مقتضيات القانون الإطار للإصلاح الجبائي وغيرها من التدابير الهامة”.

وأشار رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية إلى أن “إجراءات الحكومة الاجتماعية، لاسيما بعد الاتفاق الاجتماعي الأخير، لها أثر ملموس على المعيش اليومي لجل الأسر، كما أن الرهان معقود اليوم على قطاع الاستثمار، وفق تعبيره، وتحسن جاذبية مناخ الأعمال للتصدي لارتفاع البطالة وبالتالي إحداث فرص الشغل ،بما يضمن كرامة المواطن و تحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي”.

المحلل السياسي، محمد شقير، يرى أن “تقييم عمل حكومة عزيز أخنوش يقتضي الإشارة إلى الظروف والإجراءات التي انخرطت فيها، والمتمثلة في تداعيات جائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى توالي سنوات الجفاف، فضلاً عن الوعود السياسية التي قدمتها هذه الحكومة وضمنتها في التصريح الحكومي الذي تم التصويت عليه من طرف الأغلبية الحكومية”.

وأوضح شقير، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”أن “الحكومة، منذ توليها، اتخذت عدة إجراءات على المستوى الصحي، من خلال المصادقة على جميع المراسيم التطبيقية المتعلقة بالمشروع الملكي بشأن التغطية الصحية، كما قامت بإدماج عدة فئات اجتماعية للاستفادة من هذه التغطية”.

انتقادات المعارضة

أكد رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، أن حصيلة الحكومة العامة تظل سلبية رغم بعض نقط الضوء في عملها، وفق تعبيره، مبرزا أنها لم تلتزم بمجموعة من الوعود الواردة في برنامجها الحكومي.

وأوضح حموني، في حوار مع جريدة “العمق”، أن “الحكومة أخفقت في أشياء كثيرة وأن هذا التقييم مسنود، وفق تعبيره، بأرقام ومعطيات مؤسسات رسمية سواء في الصحة أو التعليم أو التشغيل أو تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.

وقال بهذا الخصوص: “مثل أيِّ حكومة، هذه الحكومة اشتغلت، وحققت أشياء، لكنها أخفقت في أشياء كثيرة. هذا ليس تقييمي لوحدي كمسؤول سياسيي أنتمي إلى المعارضة، بل هو تقييم مُستقى من المجتمع في شرائح كثيرة منه، وهو تقييم مسنود بأرقام ومعطيات مؤسسات رسمية”.

وبخصوص ما تحقق في قطاع الصحة، قال حموني: “في الصحة مثلاً، هناك تقدم على مستوى توسيع التغطية الصحية، لكن هناك أزيد من 8 مليون مغربي خارج التغطية الصحية، بمعنى ليس هناك تعميم بعد. وهناك مجهود على مستوى الرفع من الموارد البشرية ومن ميزانية القطاع الصحي، لكننا لا زلنا بعيدين عن المعايير الدولية بهذا الصدد’.

وأضاف: “هناك إمكانية نظرية اليوم لمعالجة حاملي “أمو تضامن” في القطاع الصحي الخصوصي، لكن حواليْ 63% من كلفة العلاجات يؤديها المواطن من جيبه الخاص، والأدوية أثمنتها فاحشة الغلاء بسبب لُوبيات المال والتجارة و”الهمزة”، وهناك تشريعات تم إخراجُها تتعلق بالخريطة الصحية، لكن ما بين 64% و80% من المراكز الصحية والأَسِرَّة تتمركز بخمس جهات”.

وفي التعليم، يضيف حموني، “لا يمكن إنكار المجهود المالي للحكومة للزيادة في أجور الأساتذة، ولا يمكن إنكار أننا اليوم أمام نظام أساسي موحد ومتقدم مقارنةً من سابقيهث، وأضاف مستطردا: “لكن هل أصلحت الحكومة التعليم؟ طبعاً: لا. ببساطة لأن أهم إصلاح هو إصلاح المناهج والبرامج، لكننا اليوم لا نزالُ بعيدين عن مجرد الشروع في ذلك”.

وأشار إلى أن “مدارس الريادة تحتاجُ إلى تقييم مرحلي حقيقي وموضوعي، كما أنه يتعين الانتباه إلى الأصوات الخبيرة في حقل التعليم التي تنادي بضرورة تفادي السقوط في تعميق الفوارق التعليمية بسبب تطبيق مناهج مدرسة الريادة في مؤسسات تعليمية محدودة دون أخرى”، وفق تعبيره.

وبخصوص التشغيل، سجل حموني “بعض التحسن، خلال الشهور الأخيرة، في معدلات البطالة، لكن لا يجب أن ننسى، وفق تعبيره، أن البطالة في أربع سنوات من عمر الحكومة وصلت إلى أرقام غير مسبوقة منذ عقود، وتقترب في أوساط الشباب من 40%، كما ينبغي ألا ننسى، وفق تعبيره، أن الحكومة التي التزمت بخلق مليون منصب شغل في خمس سنوات، خسر الاقتصاد الوطني في ظلها عشراتِ الآلاف من مناصب الشغل”.

إنجازات غير مسبوقة

أجمعت فرق الأغلبية أن “الحكومة حققت نتائج غير مسبوقة في جميع الميادين، حيث اعتبرت زينب السيمو أن “وصف عمل الحكومة بـ”البطء” هو حكم يفتقر للدقة ويتجاهل عمق الإصلاحات”، وفق تعبيره، ملفتا أن “الحكومة لا تقوم بعمليات ترقيعية، بل تؤسس لسياسات عمومية مستدامة، وهذا يتطلب وقتاً”، على حد قولها.

وقالت بهذا الخصوص: “في قطاع الصحة، هل يمكن اعتبار رفع الميزانية بنسبة 55% بين سنتي 2021 و2024، لتصل إلى ما يقارب 31 مليار درهم، بطئاً؟ هذا الرقم يعكس إرادة سياسية قوية، لقد أطلقنا برنامجاً ضخماً لتأهيل وتجهيز 1400 مركز صحي للقرب، تم الانتهاء من تأهيل 481 مركزاً منها مع نهاية 2023.

وأضافت: “كما أننا بصدد بناء وتجهيز مستشفيات جامعية جديدة في كل من الرشيدية، بني ملال، وكلميم بسعة 500 سرير لكل منها، بالإضافة إلى مستشفى ابن سينا الجديد بالرباط بسعة تتجاوز 1000 سرير. هذه أوراش عملاقة تسير بوتيرة جيدة.

وذكرت النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار أنه تم تخصيص 14 مليار درهم في مجال التشغيل، وهذه ليست مجرد أرقام، وفق تعبيرها، بل هي قصص نجاح لمواطنين ومواطنات وجدوا في هذه البرامج فرصة لتحسين ظروفهم المعيشية”، تضيف السيمو.

كما رد علال العمراوي على المعارضة التي تسجل بطء في إنجاز وتنزيل المشاريع بالقول: “هذا حق المعارضة في انتقاد عمل الحكومة من زاويتها وبمنظارها المعارضاتي، وهي تمارس بذلك دورها الدستوري، ولكن كما قال الله تعالى “ولا تبخسوا الناس أشيائهم” يجب أن ننتقد نقدا بناء، نقدا موضوعيا من أجل التقويم والتحسين والاقتراح والمطالبة بالمزيد، لكن أن ننكر ماتمتحقيقه، فهذا يبدو لي مجانبا للصواب حتما”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “الحكومة تمكنت من تنزيل مختلف الأوراش الكبرى من خلال تفعيل برامج ومشاريع هامة، والقيام بتدابير وإجراءات ذات طابع اجتماعي واستباقي، وعلى رأسها الصحة والتعليم والتشغيل، على اعتبار هذه القطاعات الاجتماعية الحيوية تشكل العمود الفقري للاستقرار الاجتماعي، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي”.

وأشار إلى أن “الأرقام بطبيعة الحال تبقى شاهدة على ذلك، وفق تعبيره، من خلال تنزيل ورش الحماية الاجتماعية تعزيزا لركائز الدولة الاجتماعية وتنزيل القانون الإطار للتربية والتكوين وإصلاح التعليم العمومي ومدارس الريادة والنهوض بالتعليم على مستوى العالم القروي سياسة واستراتيجية جديدة تم إطلاقها في مجال التشغيل نتطلع من خلال لنتائج إيجابية “.

ومن بين منجزات الحكومة، حسب العمراوي، “تكوين وتكوين مستمر انفتاح الجامعات والمعاهد على سوق الشغل والنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة والنهوض بالقطاع السياحي والنقل واللوجيستيك والبنيات التحتية استعدادا للتظاهرات الدولية الكبرى والتجارة والصناعة وتعزيز التجارة الخارجية وحضورها الدولي”، مؤكدا أن “هذه الأوراش تسير بخطى ثابتة ووفق أجندة زمنية معقولة”، وفق تعبيره.

وفي السياق نفسه، يضيف المحلل السياسي محمد شقير، “عملت على الزيادة في أجور الأطباء والممرضين، وتوصلت إلى اتفاق يقضي بتخفيض مدة تكوين الأطباء إلى ست سنوات. وإلى جانب ذلك، واصلت الحكومة بناء مستشفى جامعي خاص بكل جهة، حيث تم في هذا الإطار إعادة بناء مستشفى ابن سينا وفق مواصفات دولية جديدة، كما شرعت في إنشاء ما يسمى بالمجموعات الصحية، بالموازاة مع تشجيع مصحات القطاع الخاص، مثل مجموعة أكتيدال ومجموعة المصحات الدولية”.

أما في ما يخص قطاع التعليم، أوضح المتحدث ذاته أنه “بعد إضراب مطوّل لرجال التعليم، تم الاتفاق على صرف زيادة بقيمة 1000 درهم، وهي أول زيادة بهذا الحجم، حيث صُرفت الدفعة الأولى (500 درهم) في مرحلة أولى، على أن تُصرف الدفعة الثانية بالقيمة نفسها في شهر يوليوز من السنة الجارية”.

بطء في المشاريع وإخلال بالالتزامات الحكومية

سجل رشيد حموني مجموعة من الاختلالات التي رافقت تنزيل وتنفيذ الوعود الحكومية، حيث ذكر أن البرنامج الحكومي تعهد بنسبة نمو سنوي 4%، لكن متوسط النمو في أربع سنوات يتراوح في حدود 3% فقط، باستحضار التقدم المسجل في 2025 بسبب السنة الممطرة، وفق تعبيره.

كما أشار إلى أن ” البرنامج الحكومي تعهد بتصنيف بلادنا ضمن أفضل 60 بلداً من حيث التعليم، دون أن يتحقق هذا الالتزام”، على حد قوله، فضلا عن تعهد الحكومة بإخراج مليون أسرة من الفقر، لكن المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن انزلاق 3,2 مليون مغربي نحو الفقر والهشاشة، ورغم التحسن لا يزال 2.5 مليون مغربي في وضعية فقر ونحو 3 مليون في وضعية هشاشة”، يضيف حموني.

وأكد رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب أن “الحكومة التزمت بتقليص الفوارق المجالية، غير أن الملك محمد السادس يضع للعدالة المجالية، في خطاب العرش، أُسسا ومقاربات جديدة من أجل النجاح في رفع هذا التحدي الذي يجعل المغرب تسيرُ بسرعتيْن، كما التزمت الحكومة بتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، لكن الحكومة لم تقترب، لحد الآن، من ملفيْن حارقيْن هما إصلاح التقاعد والتعويض عن فُقدان الشغل، كما لم تحقق التعميم الفعلي للتغطية الصحية كما قلتُ سابقاً، يشدد السياسي الاشتراكي ذاته، إضافة إلى تسجيل عدم التزام الحكومة بالرفع من نسبة نشاط النساء في سوق الشغل من 20 إلى 30%، حيث انخفض المعدل إلى ما بين 18 و19 في المائة”.

وحسب المسؤول الحزبي فإن “الحكومة عندما كانت تصوغ برنامجها الحكومي كانت تعرف بالضبط أبرز الإكراهات كالجفاف والاضطرابات الدولية، كما أن “هذه الحكومة كان لديها مجال واسع لتستفيد من إيجابيات ربما لم تتوفر بنفس القدر لحكومات سابقة وفق تعبيره”.

وذكر أن الحكومة استفادت من “الأغلبية الواسعة في البرلمان والجهات والمدن وانتعاشة ما بعد كورونا وعائدات السياحة بعد إنجاز المنتخب الوطني لكرة القدم وفرصة كأس العالم 2030 ووُجود جاهز لمعظم التشريعات المؤطرة للأوراش الكبرى كالقانون الإطار للحماية الاجتماعية، والقانون الإطار للتعليم؛ والقانون الإطار لإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية؛ والقانون الإطار للإصلاح الجبائي، والأهم، على حد قوله، وجود الحكومة الحالية أمام وثيقة إصلاحية مرجعية أساسية هي وثيقة النموذج التنموي الجديد، مشددا على أن “الحكومة كان لها كل مقومات النجاح في تنفيذ التزاماتها لكن الواقع غير ذلك”، وفق تعبيره.

كما يؤكد شقير، أن “الحكومة فشلت في خلق مليون فرصة عمل، وفي امتصاص نسبة البطالة التي بلغت حوالي 13%، إضافة إلى تفاقم غلاء الأسعار، ما دفعها في السنة الأخيرة من ولايتها إلى التركيز على اتخاذ بعض الإجراءات للحد من البطالة أو التخفيف من استفحالها، إلى جانب مباشرة ملف إصلاح أنظمة التقاعد”.

احترام للأجندة الملكية

شدد برلمانيو الأغلبية على أن الحكومة احترمت الأجندة الملكية في تنزيل مشاريعها، حيث أكدت النائبة عن التجمع الوطني للأحرار أن “الأجندة الملكية هي عقد ملزم للحكومة، وكل سياسات الحكومة هي تنفيذ أمين لرؤية الملك الاستشرافية”، وفق تعبيره، وأن “الاحترام هنا ليس شعاراً، بل هو عمل يومي ونتائج ملموسة”، على حد قولها.

وأبرزت السيمو، في حوار مع جريدة “العمق المغربي، أن “ورش الحماية الاجتماعية هو النموذج الأمثل، حيث وضع الملك خارطة طريق واضحة، والحكومة التزمت بالآجال، وفق تعبيرها، وانتقلت الحكومة إلى مرحلة الدعم الاجتماعي المباشر، حيث تستفيد أكثر من 4 ملايين أسرة من دعم مالي شهري يصل إلى 500 درهم كحد أدنى، بغلاف مالي إجمالي يبلغ 25 مليار درهم لسنة 2024، وسيرتفع إلى 29 مليار درهم في 2026”.

فيما يخص إصلاح التعليم، أكدت السيمو أن “برنامج “مدارس الريادة” الذي انطلق في 628 مؤسسة ابتدائية ويستفيد منه 322,000 تلميذ، هو استجابة مباشرة للدعوة الملكية من أجل مدرسة عمومية ذات جودة”.

وبخصوص مواجهة إشكالية الماء، ذكرت النائبة البرلمانية أن “الحكومة، وتنفيذا للتعليمات الملكية، رفعت من كلفة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 من 115 مليار درهم إلى 150 مليار درهم”، مشددة على أن “هذا التمويل الإضافي يهدف لتسريع بناء السدود الكبرى والصغرى ببرمجة 129 سداً صغيراً بين 2022 و2024، وإنجاز محطات تحلية مياه البحر استراتيجية، كمحطة الدار البيضاء التي ستوفر 300 مليون متر مكعب سنوياً”.

وأبرزت السيمو أن “هذه المنجزات تؤكد أن الحكومة تسير بثبات على الطريق الذي رسمه الملك لبناء مغرب قوي ومزدهر”، وهو الأمر ذاته الذي ذهب إليه رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بالتأكيد أن “هذه الحكومة وبفضل الإرادة والالتزام  قطعت أشواطا كبيرة في تنزيل الأوراش الملكية الكبرى، وهي ملتزمة أما بتنزيل مختلف الأوراش الكبرى التي سطرها ومسؤولة أمام البرلمان”.

وأضافت: “بلدنا وبما ينعم به من استقرار ويحظى به من ثقة، يسير بخطى ثابتة ورصينة، والحكومة ماضية في تنزيل مجموعة من الأوراش الملكية الكبرى، كورش الحماية الاجتماعية وورش استكمال إصلاح منظومة العدالة وورش إصلاح مدونة الأسرة وورش الصحة وتعميم الحماية الصحية وورش الرياضة، سيما وأن بلادنا مقبلة على تنظيم تظاهرات دولية كبرى كأس إفريقيا هذا العام وكأس العالم سنة 2030 وورش إنعاش التشغيل وخلق سياسة جديدة في المجال وورش التعليم والتكوين وورش إصلاح التقاعد وغيرها من الأوراش الهامة، وفق تعبيره.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات، يشدد المحلل السياسي، محمد شقير،”فقد وُجهت للحكومة انتقادات بخصوص تباطؤ وتيرة عملها مقارنة مع مضامين الخطب الملكية، لا سيما في ما يتعلق بعدم نحر الأضاحي هذا العام، بعدما تبيّن فشل الدعم الحكومي في ضمان استيراد أعداد كافية والحفاظ على القطيع، مما دفع وزارة الداخلية إلى تولي هذه المهمة بدل وزير الفلاحة المنتمي لحكومة أخنوش، وهو ما اعتُبر ضربة موجَّهة لهذه الحكومة”، وفق تعبيره.

فجوة بين الخطاب الملكي والمنجز الحكومي

في رده على مدى احترام الحكومة للأجندة الملكية في تنزيل الأوراش الكبرى وحقيقة الفجوة بين الخطاب الملكي والمنجز الحكومي، أكد رشيد حموني أن “الملك محمد السادس يتعاملُ بسُمُوّ وبحكمة وبُعد نظر وبشكلٍ استراتيجي، مع القضايا الكبرى ومع انتظارات المواطنين”، ملفتا أن “الملك متجرد وموضوعي ويأخذ المسافة الضرورية عن التنافس الحزبي وعن منطق الأغلبية والمعارضة حيث تلمس في الخطابات الملكية، وفق تعبيره، النفحة التفاؤلية الطموحة للارتقاء بالمغرب نحو الأفضل ارتكازاً على المكتسبات الكبيرة المحققة، وتلك النبرة الانتقادية المِقدامة للأوضاع غير الصحيحة وتوجيه المؤسسات المعنية نحو تصحيحها”.

وأشار حموني إلى أن “الدستور واضح جدا ومتقدم جدا عل كل المستويات، ومن بينها من حيث الاختصاصات المؤسساتية، كما أن الملك برهن بالملموس دائماً، وفق تعبيره، أنه يُعطي القدوة والنموذج والمثال في احترام الدستور بحذافيره وتفاصيله.

وفي هذا الإطار، يضيف المتحدث ذاته، “يضطلعُ الملك بعددٍ من الأدوار الريادية، كمحور للعمل المؤسساتي وساهر على حُسن سير سلطات البلاد، كما يَسهرُ على إحاطة كل الأوراش الكبرى والمهيكلة، في كل المجالات الحيوية، بتوجيهاتٍ سامية وحكيمة ومستنيرة ترتكز على المصلحة العامة للوطن والشعب أولاً وأخيرا”.

وشدد على أن “المؤسسات والهيئات الأخرى، من حكومة وبرلمان وقضاء وجماعات ترابية ومؤسسات الحكامة وأحزاب ونقابات وغيرها، يبقى لها دوراً أساسيا من حيث التفعيل والتنزيل والأجرأة والتطبيق، لأن الدستور أعطى لكل سلطة ولكل مؤسسة مساحاتٍ واسعة للفِعل والتأثير، مضيفا: “وهنا يأتي دور الحكومة، وهو دور كبير، لأنها تتوفر على الإدارة تحت تصرفها، وهي المسؤولة عن الميزانية، وعن وضع البرنامج الحكومي وتفعيله، ولها إمكانيات واسعة في المبادرة إلى التشريع، وفي برمجة المشاريع، وفي وضع البرامج، في مختلف المجالات”.

انتظارات وأوراش مبرمجة

أجمعت فرق الأغلبية والمعارضة على أن الدخول الاجتماعي والسياسي المقبل سيشهد عملا مكثفا للحكومة والبرلمان على كافة المستويات خاصة أنه الدخول البرلماني والسياسي الأخير في ظل هذه الحكومة، حيث أشارت زينب السيمو إلى أن”الدخول الاجتماعي والسياسي الجديد سيكون تحت شعار “ترسيخ المكتسبات وتسريع الأوراش”،  بداية بـ”تعزيز الدولة الاجتماعية والعمل على استكمال ورش الحماية الاجتماعية ثم ثورة في التعليم بتوسيع شبكة “مدارس الريادة” لتشمل 2000 مؤسسة ابتدائية كل سنة، مع بدء تجريب النموذج في السلك الإعدادي وتقليص نسبة الهدر المدرسي بالثلث في أفق 2026″.

كما ذكرت أن الدخول المقبل سيعرف “مناقشة بعض من فصول المسطرة المدنية التي تم رفضها من طرف المحكمة الدستورية وكذلك مناقشة بعض من فصول النظام الداخلي ومناقشة قانون الانتخابات 2026 فضلا عن قانون المالية 2026″، مشددة على أن “المرحلة المقبلة حاسمة وتتطلب تضافر جهود الجميع لمواصلة بناء المغرب الذي نطمح إليه جميعاً تحت القيادة الملكية”.

في السياق ذاته، أبرز علال العمراوي أن “آخر دخول سياسي في عمر هذه الحكومة، سيتم فيه مواصلة أوراش كبرى من قبيل الحماية الاجتماعية والتشغيل واستكمال إصلاح منظومة العدالة والتعليم والبحث العلمي والتكوين وغيرها من الأوراش الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

وفي هذا الصدد، أوضح رئيس الفريق الاستقلالي أن الحكومة والحكومة ستعملان على مناقشة ودراسة والمصادقة على آخر مشروع قانون للمالية 2026 وما يحمله من رهانات وانتظارات، وفق تعبيره، فضلا عن المنظومة الخاصة بالانتخابات المقبلة تنزيلاللتوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز المنصرم، والتي أعلن فيها محمد السادس عن إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني العادي.

كما سيتم، حسب النائب الاستقلالي، مناقشة إصلاح أنظمة التقاعد وما يطرحه من إشكالات ومايتطلبه من حلول مستعجلة، وفق تعبيره، وورش إصلاح مدونة الأسرة وما تحمله من تغييرات داخل المجتمع وانعكاسات على الأسرة والمجتمع بمكوناته، فضلا عن قطاع الرياضة والتزام بلادنا بتنظيم تظاهرات دولية وفق دفتر تحملات وبالمواصفات والشروط المطلوبة وغيرها من مشاريع القوانين المؤسسة، علاوة على مجموعة من مقترحات القوانين”.

مراعاة المصلحة العامة للمواطن

ذكر رئيس فريق التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، أن “السنة السياسية المقبلة هي آخر سنة في الانتداب الحكومي التشريعي”، مشيرا إلى أن “انتظاراته من الحكومة الآن هي نفسُ انتظارات السنة الأولى من خلال النهوض بالاقتصاد الوطني وبالاستثمار بشكلٍ يخلق ما يكفي من مناصب الشغل، وبشكلٍ يحقق الإنصاف المجالي لفائدة العالم القروي والأقاليم ذات الخصاص التنموي، كما ورد في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد”.

ومن جملة الأوراش المنتظرة، حسب المتحدث ذاته، “التفعيل الحقيقي لورش الحماية الاجتماعية الشاملة، وفتح ملف إصلاح صناديق التقاعد دون المساس بمكتسبات وبحقوق الأجراء والمتقاعدين، وأن تأتي الحكومة، وفق تعبيره، بمشروع مدون الأسرة، طبقاً لتوجيهات الملك والعمل على تحسين مناخ الأعمال والحكامة الجيدة، حتى نتفادى هذه المراتب المتأخرة في هذا المجال”، وفق تعبيره.

كما ينتظر حموني من الحكومة أن “تنأى مكوناتها عن أي استعمالٍ للإمكانيات المتاحة أمامها، كسلطة تنفيذية، في التنافس الانتخابي، على بُعد سنة واحدة من الاستحقاقات التشريعية فالبرامج والمشاريع الحكومية يجب أن تكون موضوعية وأن يتم توزيع الاستثمارات بشكلٍ يراعي المصلحة العامة فقط دون غيرها من الاعتبارات الحزبية والسياسية”، وفق تعبيره.

من جهته، أكد المحلل السياسي على أنه “من أبرز الملفات التي ستنكب عليها الحكومة فيما تبقى من ولايتها، إصلاح أنظمة التقاعد، والحد من تفاقم البطالة، والتخفيف من موجة الغلاء، خاصة ما يتعلق ببطالة الشباب، واستكمال الترسانة القانونية، مثل تعديل المسطرتين المدنية والجنائية، وتحيين مدونة الأسرة”.