كشفت المفتشية العامة لوزارة الداخلية في تقريرها الأخير عن سلسلة من الاختلالات الخطيرة التي رافقت مشروع بناء دار للفتيات بجماعة الشعيبات بإقليم الجديدة، ضمن إطار السوق رقم 08/APOS/INDH/2021، والذي بلغت كلفته الإجمالية 988,770 درهما.
ويُقام المشروع على قطعة أرض تضم مبنى جماعيا متهالكا، ويجاور وحدة تعليم أولي أنشئت عام 2011 في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لكنها مهجورة بسبب تدهور هيكلها جراء هبوط التربة الطينية.
وتوقفت الأشغال منذ ماي 2022 عقب وفاة مدير شركة ARIMA SANI، قبل أن تستأنف بشكل مفاجئ وغير رسمي خلال عطلة نهاية الأسبوع في مارس 2023، رغم وجود بعثة ميدانية بالموقع منذ ديسمبر 2022، بعد تدخل رئيس مكتب الدراسات الفنية (DAS) لإلزام المقاول الفرعي بمواصلة العمل وتدارك النواقص.
وأكد التقرير وجود قصور في الدراسات، خصوصا الجيوتقنية، حيث غابت دراسة شاملة للبيئة الجيوتقنية، واكتفى المختبر بحفر جسة واحدة دون إجراء مقارنات مع تقارير سابقة، مع خطأ في تصنيف التربة وتحديد أعماق التأسيس، ما قد يهدد السلامة الإنشائية للمشروع، خاصة مع سوابق تدهور المباني المجاورة.
كما سجل التقرير مخالفات في التصميم المعماري الذي لم يدرج فواصل تمدد ضرورية، واعتماد نظام أساسات مكلف وغير اقتصادي، إلى جانب تضخيم مساحة الأرضية في الجدول التقديري مقارنة بالمساحة الفعلية.
وفي مرحلة التعاقد، لوحظ غياب مسابقة معمارية وعدم احترام مبدأ المنافسة، واللجوء إلى التفاوض المباشر مع تحديد أتعاب أقل من النطاق القانوني، إضافة إلى محدودية المشاركين في طلب العروض رغم حجم المشروع.
وحصلت شركة ARIMA SANI على الصفقة، دون تطبيق إجراءات التحقق من العروض المالية غير العادية، كما أسندت كامل الأشغال لشركة باطن (SOGERNAT) دون عقد رسمي وبمخالفة دفتر الشروط، مع علم الجهات المشرفة.
وتأخرت انطلاقة الأشغال لأكثر من أربعة أشهر بعد المصادقة، مع تأخر الحصول على رخصة البناء، وغياب وثائق متابعة أساسية مثل محاضر الورش وأوامر الصب.
وأشار التقرير إلى صرف مبالغ مالية مقابل أعمال غير منفذة، منها هدم المبنى القائم، قشط وتسوية الأرض، وعناصر عزل مائي غير موجودة، وأشغال ممرات خرسانية وجدران خارجية لم تنفذ فعليا.
وتم تنفيذ أعمال العزل المائي والطلاء خلال عطلات نهاية الأسبوع، في ظروف تثير الشكوك حول توقيت الإنجاز. كما رُصدت مخالفات في تركيب أنابيب تصريف مياه الأمطار، مع فروقات كبيرة بين الكميات المفوترة والمواقع المنجزة فعليا، رغم أن نسبة الإنجاز لم تتجاوز 65%.
وأظهرت أعمال الحفر عمقا أكبر للأساسات مما هو مذكور في الدراسة، دون محاضر استلام رسمية، ما تسبب في زيادة غير مبررة في التكاليف. كما لوحظ تراكم مخلفات البناء والهدم في موقع المشروع، مما يعيق سير الأشغال ويشكل خطرا بيئيا وصحيا.
وكشفت المعاينات الميدانية غياب طبقة العزل ضد الرطوبة، وجود فراغات في الخرسانة، تسلبات في تسليح الحديد، وانحناءات في أعمدة المبنى، مع تجاوزات في محاذاة الجدران، مما يؤثر على جودة واستقرار المنشأة.
وتحذر التقارير الفنية من أن استمرار هذه الأخطاء قد يؤدي إلى تشققات مبكرة، تآكل في الهياكل، وارتفاع تكاليف الإصلاح مستقبلا. كما رصد التقرير مخالفات في بناء الجدران، استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات في الخرسانة، وتدهور في المظهر الخارجي للمبنى نتيجة ملء الفراغات بمواد غير منظمة.
وتوقفت الأشغال بعد وفاة مدير الشركة، ثم عادت بشكل محدود عام 2023، لكن دون معالجة العيوب البنيوية.
وتميز الجانب الإداري بتجاوزات منها استئناف الأعمال بدون أوامر خدمة رسمية، وتكليف شركة أخرى دون تعاقد رسمي، إضافة إلى ضعف المراقبة مما سمح بتدخل مقاوليين فرعيين غير مؤهلين.
وتؤكد الوثائق أن هذه الاختلالات التقنية والإدارية أثرت سلبا على جودة الإنجاز وتهدد استقرار المشروع مستقبلا، ما يستدعي تدخل عاجل لإعادة تقييم المشروع، إصلاح العيوب، وتعزيز الرقابة والمتابعة من قبل الجهات المختصة.