اقتصاد

المذكرة التوجيهية لمالية 2026.. نجاح اقتصادي واعد وتحذير من فخ الديون السيادية

كشفت المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2026، على ضرورة مواصلة تعزيز دينامية الاستثمار العمومي، حيث خصصت الحكومة لهذا الغرض غلافا ماليا قدره 340 مليار درهم برسم سنة 2025، بهدف دعم أولويات استراتيجية في مجالات البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والرقمنة، في إطار إبراز نجاح المغرب في تعبئة تمويلات خارجية بشروط تمويل تنافسية، وذلك من خلال إصدار سندات سيادية بقيمة 2 مليار يورو في الأسواق الدولية خلال مارس 2025، ما يعكس الثقة في صلابة الاقتصاد الوطني ومصداقية توجهاته الماكرو اقتصادية.

وأضافت المذكرة التي وجهها رئيس الحكومة، إلى القطاعات الوزارية، أن المغرب، تمكن خلال السنوات الماضية من الحفاظ على مسار اقتصادي مستقر ومرن، رغم سياق دولي طبعته صدمات خارجية متعددة، منها جائحة كوفيد – 19، الأزمة الطاقية، والتوترات الجيوسياسية، والتضخم العالمي، والجفاف المتكرر.

وأشارت إلى أن هذه المرونة، تمثلت في بلوغ معدل نمو الناتج الداخلي الخام حوالي 4.4% منذ أزمة كوفيد، مما وضع المملكة من بين الاقتصادات الأكثر دينامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقارة الإفريقية، بينما بلغت القيمة الإسمية للناتج الداخلي الخام ما يقارب مليار درهم سنة 2023، أي أكثر من الضعف في غضون عشرين سنة، وتجاوز الناتج الداخلي الخام بالنسبة للفرد 4.300 دولار أمريكي سنة 2024.

وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي طلال الحلو، على أن الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات العمومية، والتي بلغت قيمتها 340 مليار درهم، وهو رقم ضخم يثير القلق، على حد تعبيره، لأنه يكشف أن القطاع الخاص لا يزال بعيدا عن لعب الدور المنتظر منه في قيادة النمو، بالموازاة مع باقي القطاعات الاقتصادية. وأوضح أن قوة أي اقتصاد ومكانته تظهر عندما يكون القطاع الخاص في موقع الريادة، لا أن يبقى معتمدا على الدولة.

وفيما يخص ما جاء في المذكرة التوجيهية حول حصول المغرب على تمويل بقيمة 2 مليار يورو عبر ديون ربوية، اعتبر الحلو في تصريحه لجريدة العمق المغربي، أن هذا الأمر يطرح إشكالية التوازن المالي، خاصة وأن المغرب يحتل مراتب متقدمة في تشييد منشآت ضخمة، منها المنشآت الرياضية، التي تتحول في كثير من الأحيان إلى ما يعرف بـ “الفيل الأبيض” بعد انتهاء التظاهرات الرياضية، وفقا لتعبيره، باعتبارها مشاريع باهظة التكلفة لا تحقق مردودية اقتصادية، بل تحتاج إلى نفقات كبيرة للصيانة. واستشهد بتجربة 34 دولة نظمت فعاليات رياضية كبرى في السنوات الأخيرة، حيث تكبدت 31 منها خسائر مالية.

وأشار الحلو إلى أن تثمين الحصول على سندات دولية أمر إشكالي، لأن المذكرة لم تتطرق إلى الأعباء المالية المترتبة على سداد هذه الديون، والتي ستشكل عبئا على الأجيال القادمة، فضلا عن أن ارتفاع حجم الدين يقلص من استقلالية القرار الوطني، خاصة في ظل برامج الهيكلة التي يفرضها صندوق النقد الدولي، ما يشكل تدخلا في السيادة الاقتصادية.

وأوضح المتحدث ذاته، أن السندات ليست مؤشرا على صلابة الاقتصاد بقدر ما تعكس قدرة الدولة على السداد، وهي قدرة قد تتحقق عبر خصخصة القطاع العام أو بيع ممتلكات الدولة أو زيادة الضرائب، أما ما يجب تثمينه حقا حسب رأي الخبير، هو أن تكون الحكومة قادرة على تمويل دول أخرى أو الاستثمار في مشاريع خارجية من خلال رؤوس أموال المخاطر.

وفي ما يتعلق بتنوع أدوات التمويل، اعتبر الحلو أن الأمر محمود، لكنه دعا إلى ابتكار آليات مالية جديدة تساعد على الخروج من دوامة الاقتراض المستمر، علاوة على أن التلاعب في قيمة العملة، اعتبره طلال الحلو حلا قصير المدى لتدبير مشاكل الصرف والتجارة، بينما التنافسية الحقيقية تقاس بمدى قوة سوق الشغل وارتفاع إنتاجية العمل ورأس المال، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات الوطنية وارتفاع الصادرات.