سياسة

محللون: المال السياسي يفرغ الإصلاحات من محتواها ويعرقل تجديد النخب

مع كل محطة انتخابية، يعود المشهد السياسي المغربي ليواجه إحدى معضلاته البنيوية الأكثر إلحاحا المتمثلة في ضعف تمثيلية الشباب والنساء في المؤسسات المنتخبة ومراكز صنع القرار. ورغم أن المغرب قد أقر سلسلة من الإصلاحات التشريعية واعتمد آليات للتمييز الإيجابي، أبرزها نظام الحصص “الكوتا”، إلا أن الفجوة بين الطموح المعلن والواقع الملموس لا تزال قائمة، بل وربما تتسع. هذا الوضع يفتح الباب واسعا أمام نقاش عمومي حول جدوى المقاربات المعتمدة، ويدفع إلى التساؤل عما إذا كانت العقبة تكمن في النصوص القانونية ذاتها أم في الممارسات السياسية والثقافة الحزبية التي تحكم تطبيقها على أرض الواقع.

إفراغ الإصلاح من محتواه بفعل التوافقات وهيمنة المال

وحول الموضوع، يرى الدكتور أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن المشكلة أعمق بكثير من مجرد الحاجة إلى تعديلات قانونية. ويؤكد أن القضية الحقيقية تكمن في العوائق التي تفرضها الممارسة السياسية الفعلية، مشيرا إلى أن المنظومة الانتخابية المغربية أصبحت أسيرة “ظاهرة متكررة” من الإصلاحات التي تُطرح غالبًا في لحظات متأخرة، مما يضيق الخناق على أي نقاش عمومي جاد ويمنع تبلور قواعد قانونية قوية وراسخة.

ويُرجع السعيد ضمن تصريح لجريدة “العمق” محدودية أثر هذه الإصلاحات إلى منهجية “التوافق الوطني” بين الأحزاب السياسية، والتي بسبب تضارب المصالح الحزبية الضيقة بين الأغلبية والمعارضة، لا تتمخض في النهاية إلا عن “الحد الأدنى من المطالب”. هذه المنهجية، بحسبه، تفرغ الإصلاحات من أي محتوى حقيقي وتمنع تحقيق قفزات نوعية في المسار الديمقراطي، لتصبح مجرد تسويات سياسية مؤقتة وليست حلولًا جذرية.

أحد أخطر تجليات هذا الوضع، كما يؤكد الدكتور السعيد، هو تفاقم ظاهرة العزوف الانتخابي، خاصة في أوساط الشباب، والذي يعتبره “مؤشرًا على فقدان الثقة في السياسة”. ويشكل هذا العزوف الرهان الأكبر الذي يواجه المنظومة برمتها. ومن هنا، يشدد على أن استعادة هذه الثقة المفقودة تتطلب “بذل جهد استثنائي” لا يقتصر على تعديل القوانين، بل يمتد ليشمل تعزيز الديمقراطية الداخلية للأحزاب وتقديم حلول ملموسة للمواطنين.

لكن السبب الجوهري الذي يعيق أي تقدم حقيقي، في تحليل المحلل السياسي ذاته، هو هيمنة المال السياسي. واكد على أن مصداقية أي إصلاح تبقى معلقة على مدى القدرة على معالجة “آفات الممارسة الانتخابية، وفي مقدمتها استعمال المال لشراء الأصوات”. وألقى السعيد باللوم بشكل مباشر على الأحزاب السياسية التي تمنح تزكياتها لمن أسماهم بـ “الكائنات الانتخابية”؛ أي أولئك المرشحين الذين يعتمدون على ثقلهم المالي ونفوذهم العائلي أو القبلي، بدلا من منح الفرصة للكفاءات النظيفة.

هذا السلوك، حسب رأي الجامعي ذاته، يقوض بشكل ممنهج المسار الديمقراطي الذي تأسس على وثيقة دستور 2011، ويحول دون وصول الكفاءات من الشباب والنساء. ولتجاوز ذلك، يقترح حلولًا ملموسة مثل “تخصيص نسبة لا تقل عن الثلث من الدوائر المحلية لترشيحاتهم، أو إحداث دوائر انتخابية خاصة بهم” لمنحهم فرصة حقيقية ومحمية للمنافسة.

 “الكوتا” كحل مؤقت يواجه تحدي التمثيلية الشكلية

من جانبها، تؤكد الأستاذة الزائرة بقسم الصحافة والإعلام بجامعة مولاي إسماعيل، علياء العزي، أن موضوع تمثيلية النساء والشباب يتجدد في كل مرحلة انتخابية، ليس في المغرب فحسب، بل في كل منطقة تتمتع بهامش من الديمقراطية. وتعتبر أن هذا الجدل يعكس وجود وعي مجتمعي متزايد بأهمية إشراك هاتين الفئتين، ولكنه في الوقت نفسه يكشف عن حجم “التحديات الهيكلية التي تحول دون وصولهما الفعلي إلى مواقع صنع القرار”.

واشارت الأستاذة العزي في تصريح لجريدة “العمق” إلى أنه على الرغم من التطورات القانونية الهامة التي شهدها المغرب في العقدين الأخيرين، مثل إصلاح مدونة الأسرة عام 2004 وتعديل قانون الجنسية عام 2007، فإن هذه المكتسبات الاجتماعية لم تترجم بشكل كامل وتلقائي إلى تمثيلية سياسية عادلة ومنصفة. وفي هذا السياق، يبرز نظام “الكوتا” كأداة رئيسية اعتمدها المغرب لزيادة حضور النساء.

وقدمت العزي رؤية متوازنة لهذه الآلية، فتوضح أن “الكوتا” تهدف إلى زيادة تمثيل المرأة ولها إيجابيات واضحة، مثل “زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتعزيز تمثيلها في صناعة القرار”. لكنها في المقابل، تظل آلية مثيرة للجدل وتواجه سلبيات لا يمكن تجاهلها، من بينها “اتهامات بعدم الديمقراطية” وكونها قد “تعيق وصول الكفاءات” التي قد لا تتمكن من الترشح عبر هذه القنوات المخصصة.

وأضافت أن نظام الحصص ليس إلا “طريقة من الطرق” لتحقيق المساواة، لكنه يثير تساؤلات حول تأثيره على مبدأ الكفاءة. ومن هنا، تدعو إلى ضرورة تجاوز الإجراءات الشكلية والتركيز على “التمكين الحقيقي” للفئات المستهدفة، حتى لا تكون تمثيليتها “شكلية فقط وتلبي حاجة الكم وليس المستوى”. كما شددت على أهمية نشر الوعي وتشجيع الشباب والنساء على خوض تجربة الترشح للانتخابات، مع ضرورة العمل على “التخلص من الصور النمطية التي يتم تداولها في وسائل الإعلام” والتي قد تحد من طموحهم السياسي. الحل في نظرها يكمن في تحقيق “العدل والمساواة” في نسب التمثيلية بشكل يضمن حضورا فعالا ومؤثرا في مناصب القرار.